TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > سيلفي سعودي لبغداد والبصرة

سيلفي سعودي لبغداد والبصرة

نشر في: 20 يونيو, 2015: 09:01 م

ابدأ ببغداد التي تحتضنني وتحتضنكم، كأم عجوز مهيبة كلما زرتها، لكن جراحها لم تقنع "زعماء العملية السياسية" بان يجلسوا مع بعض ليحسموا الملفات الكبيرة التي وقعنا عليها للمرة العاشرة في اتفاق تشكيل الحكومة، ثم ادرنا ظهرنا لها.
العبادي كرئيس حكومة يتعرض لضغط دولي، يحاول تمرير القوانين المعقدة، اخرها العفو العام. لكنه تمرير شكلي داخل مجلس الوزراء، ينتج نسخة تحول الى برلمان منقسم، وكلنا نعرف ان غياب اتفاق بين زعماء الكتل حول القانون، يعني ان مصيره الى سلة المهملات! هل تضحكون علينا، ام تقدمون هدية اخرى لداعش التي تنتصر بفضل انقسامكم الداخلي ونقص حكمتكم الرهيب؟
واسمحوا لي ان انتقل اليوم على طريقة البرقيات السريعة، الى البصرة، حيث لايزال "تنور" المحافظ ماجد النصراوي، يغلي ويفور، ولا هو يحسن الدفاع عن نفسه، بجهاز اعلامي مفكك، ولا خصومه يتصرفون كفرسان ناضجين ويشرحوا لنا مشكلة الادارة هناك. ولا شك ان ادارة المحافظ فيها خلل، كما ان مجلس المحافظة اقل بمستواه من المهمة الجسيمة المتمثلة بادارة منطقة مهمة واقليم اساسي في الشرق الاوسط كالبصرة، وهي مدينتي كما تعرفون. لكننا بعد انهار من الدم لم نحصل على سجال صحيح يقودنا الى وصف معقول للمشاكل، كي نعرف كيف نبدأ بتخفيفها. فخصوم المحافظ على سبيل المثال، يصنعون مانشيتات صحفية مرعبة مثل "ضياع ثلاث مليارات دولار من فلوس البصرة". ويخيل للقارئ ان المحافظ ابتلعها، ولا ضير كبير في ذلك فالمسؤول العراقي قادر على ابتلاع المليارات مثل قطعة حلوى شهية ومنمقة. ولكن كان على الجدل السياسي ان يتوقف عند هذا الرقم ليستثمره في مراجعة الاعاقة التشريعية الكأداء التي تقف في وجه تقدم البصرة وغير البصرة، ذلك ان الاموال المذكورة اعيدت الى الخزانة البغدادية، لان صلاحيات الانفاق ليست مصممة للتعامل مع ميزانية ضخمة مثل ميزانية البصرة، وان القانون البدائي لا يعترف بادارة لامركزية في اقليم ثري مثل البصرة. وهنا ندخل متاهة سفيهة، ينحرف خلالها الجدل ويتيه ويفقدنا عشرات الفرص التنموية المهمة. ان خطاب المعارضة في البصرة، يشبه كل الفشل العراقي، الا ما ندر.
الانتقالة الاخيرة تقودني اليوم الى الفنان السعودي ناصر القصبي الذي عرفناه منذ ١٥ عاما، باعمال فنية تنتقد التشدد في السعودية وعموم المنطقة. وفي عمله الاخير "سيلفي" الذي اخرجه المخرج العراقي الشاب اوس الشرقي، بمشاركة من الفنان العراقي الاخر اياد راضي، فهذا العمل حظي باهتمام الجميع، لكن كثيرا من العراقيين صاروا يستغربون ان السعودية تنتج نقدا كهذا لداعش وللتشدد الجهادي! وهذا معناه اننا نفشل في فهم مشاكلنا مع جيراننا، وكما يعتقد بعض العراقيين ان ايران "شر محض" فان عراقيين اخرين يرون في السعودية مجرد "شر محض" ولا ينتبهون الى ان فهم جيراننا بشكل صحيح هو طريق حاسم لاعادة تعريف علاقاتنا الاقليمية والدولية، ففي هذه البلدان تيارات متناقضة، وفيها الجيد والسيء، مثل العراق بالضبط، الذي يمتلئ بساسة فاسدين، وعناصر مجرمة وخطيرة، كما يزخر بالاناس الطيبين. ومستقبل المنطقة يتطلب ان يحصل تواصل صحيح بين الاتجاهات المعتدلة، كي يجري تصحيح التوازن المختل بين نزوات الجنون وارادات التعقل.
ان مسلسل "سيلفي" يكشف حقيقة واحدة، هي اننا كشيعة وسنة امام اختبار كبير: كم منا يجرؤ على انتقاد المتطرفين من ابناء طائفته وجماعته، كما فعل ناصر القصبي طوال ١٥ عاما، وهو امر جعله وجعل شجعان اخرين ولا شك من كل بلداننا، عرضة لهدر الدم مرات ومرات؟ متى يتاح لنا "سيلفي" لبغداد والبصرة وطهران، وايضا سيلفي اكثر وضوحا للسعودية نفسها، كشريك في الخراب القائم، وشريك في اي نهضة محتملة؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. Lafy Kareem

    ثقافة نقد الذات جميلة وصحية ، كم أتمنى انتشارها في عالمنا العربي والشرق أوسطي الملبد بالمآسي ، ليت ( الضفة الأخرى ) تنتهج النهج نفسه ، شكرًا للفنان السعودي الرائع ناصر القصبي وشكرا للكاتب السعودي الرائع خلف الحربي وشكرا للمخرج العراقي الرائع أوس الشرقي ،

يحدث الآن

عمليات بغداد تغلق 208 كور صهر و118 معمل طابوق وإسفلت

أسعار الصرف اليوم: 143 ألف دينار لكل 100 دولار

ترامب: أوقفتُ 8 حروب وأعدتُ "السلام" للشرق الأوسط

الأنواء الجوية: انتهاء حالة عدم الاستقرار وطقس صحو مع ارتفاع طفيف بالحرارة

حصار فنزويلا ينعش النفط… برنت وغرب تكساس يقفزان في آسيا

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram