ابدأ ببغداد التي تحتضنني وتحتضنكم، كأم عجوز مهيبة كلما زرتها، لكن جراحها لم تقنع "زعماء العملية السياسية" بان يجلسوا مع بعض ليحسموا الملفات الكبيرة التي وقعنا عليها للمرة العاشرة في اتفاق تشكيل الحكومة، ثم ادرنا ظهرنا لها.
العبادي كرئيس حكومة يتعرض لضغط دولي، يحاول تمرير القوانين المعقدة، اخرها العفو العام. لكنه تمرير شكلي داخل مجلس الوزراء، ينتج نسخة تحول الى برلمان منقسم، وكلنا نعرف ان غياب اتفاق بين زعماء الكتل حول القانون، يعني ان مصيره الى سلة المهملات! هل تضحكون علينا، ام تقدمون هدية اخرى لداعش التي تنتصر بفضل انقسامكم الداخلي ونقص حكمتكم الرهيب؟
واسمحوا لي ان انتقل اليوم على طريقة البرقيات السريعة، الى البصرة، حيث لايزال "تنور" المحافظ ماجد النصراوي، يغلي ويفور، ولا هو يحسن الدفاع عن نفسه، بجهاز اعلامي مفكك، ولا خصومه يتصرفون كفرسان ناضجين ويشرحوا لنا مشكلة الادارة هناك. ولا شك ان ادارة المحافظ فيها خلل، كما ان مجلس المحافظة اقل بمستواه من المهمة الجسيمة المتمثلة بادارة منطقة مهمة واقليم اساسي في الشرق الاوسط كالبصرة، وهي مدينتي كما تعرفون. لكننا بعد انهار من الدم لم نحصل على سجال صحيح يقودنا الى وصف معقول للمشاكل، كي نعرف كيف نبدأ بتخفيفها. فخصوم المحافظ على سبيل المثال، يصنعون مانشيتات صحفية مرعبة مثل "ضياع ثلاث مليارات دولار من فلوس البصرة". ويخيل للقارئ ان المحافظ ابتلعها، ولا ضير كبير في ذلك فالمسؤول العراقي قادر على ابتلاع المليارات مثل قطعة حلوى شهية ومنمقة. ولكن كان على الجدل السياسي ان يتوقف عند هذا الرقم ليستثمره في مراجعة الاعاقة التشريعية الكأداء التي تقف في وجه تقدم البصرة وغير البصرة، ذلك ان الاموال المذكورة اعيدت الى الخزانة البغدادية، لان صلاحيات الانفاق ليست مصممة للتعامل مع ميزانية ضخمة مثل ميزانية البصرة، وان القانون البدائي لا يعترف بادارة لامركزية في اقليم ثري مثل البصرة. وهنا ندخل متاهة سفيهة، ينحرف خلالها الجدل ويتيه ويفقدنا عشرات الفرص التنموية المهمة. ان خطاب المعارضة في البصرة، يشبه كل الفشل العراقي، الا ما ندر.
الانتقالة الاخيرة تقودني اليوم الى الفنان السعودي ناصر القصبي الذي عرفناه منذ ١٥ عاما، باعمال فنية تنتقد التشدد في السعودية وعموم المنطقة. وفي عمله الاخير "سيلفي" الذي اخرجه المخرج العراقي الشاب اوس الشرقي، بمشاركة من الفنان العراقي الاخر اياد راضي، فهذا العمل حظي باهتمام الجميع، لكن كثيرا من العراقيين صاروا يستغربون ان السعودية تنتج نقدا كهذا لداعش وللتشدد الجهادي! وهذا معناه اننا نفشل في فهم مشاكلنا مع جيراننا، وكما يعتقد بعض العراقيين ان ايران "شر محض" فان عراقيين اخرين يرون في السعودية مجرد "شر محض" ولا ينتبهون الى ان فهم جيراننا بشكل صحيح هو طريق حاسم لاعادة تعريف علاقاتنا الاقليمية والدولية، ففي هذه البلدان تيارات متناقضة، وفيها الجيد والسيء، مثل العراق بالضبط، الذي يمتلئ بساسة فاسدين، وعناصر مجرمة وخطيرة، كما يزخر بالاناس الطيبين. ومستقبل المنطقة يتطلب ان يحصل تواصل صحيح بين الاتجاهات المعتدلة، كي يجري تصحيح التوازن المختل بين نزوات الجنون وارادات التعقل.
ان مسلسل "سيلفي" يكشف حقيقة واحدة، هي اننا كشيعة وسنة امام اختبار كبير: كم منا يجرؤ على انتقاد المتطرفين من ابناء طائفته وجماعته، كما فعل ناصر القصبي طوال ١٥ عاما، وهو امر جعله وجعل شجعان اخرين ولا شك من كل بلداننا، عرضة لهدر الدم مرات ومرات؟ متى يتاح لنا "سيلفي" لبغداد والبصرة وطهران، وايضا سيلفي اكثر وضوحا للسعودية نفسها، كشريك في الخراب القائم، وشريك في اي نهضة محتملة؟
سيلفي سعودي لبغداد والبصرة
[post-views]
نشر في: 20 يونيو, 2015: 09:01 م
انضم الى المحادثة
يحدث الآن
معرض العراق الدولي للكتاب: بوابة نحو التميز الثقافي والتضامن الإنساني
النفط يتصدر المشهد وتبدلات مفاجئة في ترتيب دوري نجوم العراق بعد الجولة الثامنة
العراق يُطلق منصة لتنظيم العمالة الأجنبية وتعزيز الرقابة الإلكترونية
العراق تحت قبضة الكتلة الباردة: أجواء جافة حتى الاثنين المقبل
ضبط طن مخدرات في الرصافة خلال 10 أشهر
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...
جميع التعليقات 1
Lafy Kareem
ثقافة نقد الذات جميلة وصحية ، كم أتمنى انتشارها في عالمنا العربي والشرق أوسطي الملبد بالمآسي ، ليت ( الضفة الأخرى ) تنتهج النهج نفسه ، شكرًا للفنان السعودي الرائع ناصر القصبي وشكرا للكاتب السعودي الرائع خلف الحربي وشكرا للمخرج العراقي الرائع أوس الشرقي ،