اقتبس المخرج أل باتشينو فلم "سالومي" من مسرحية "سالومي" لأوسكار وايلد وقام بإعدادها للسينما. النص المسرحي مكتوب بلغة شعرية شفافة ذات إيماءات أسطورية ورمزية توراتية المصدر ووجودية الرؤيا.
حافظ المخرج باتشينو في إعداده للفيلم على رؤية المؤلف ومصادره و
اقتبس المخرج أل باتشينو فلم "سالومي" من مسرحية "سالومي" لأوسكار وايلد وقام بإعدادها للسينما. النص المسرحي مكتوب بلغة شعرية شفافة ذات إيماءات أسطورية ورمزية توراتية المصدر ووجودية الرؤيا.
حافظ المخرج باتشينو في إعداده للفيلم على رؤية المؤلف ومصادره وأضاف إليه من منظوره كمؤلف ثان للنص.
ثيمة الفيلم كما هي في النص المسرحي تتلخص في القبض على يوحنا المعمدان وقد بشر بظهور المسيح الذي سوف ينشر العدل في الأرض ويخلص الإنسان من آلامه زمن الرومان الذين حكموا سوريا وفلسطين. ومن مرحلة حكم الملك هيرود "أل باتشينو" وزوجته "هيرودس" وابنتها الأميرة "سالومي" "الممثلة جسيكا جاستن".
اشتغل الإخراج على محورين:
الأول: موقف الملك هيرود – حاكم الربع- من سجين البئر – يوحنا المعمدان- الذي يطالب اليهود بتسليمه لهم، تساندهم الملكة هيرودتس بسبب فضح يوحنا المعمدان لسلوكها الداعر ولكونها تزوجت الملك، بعد أن سجن وقتل زوجها شقيق الملك.
الثاني: محنة الملك التي تتجسد في حبه لابنة زوجته سالومي.
في الموقف الأول يعتقد الملك بأن يوحنا المعمدان لم يجرم بحق أحد عندما بشر برسالته فهو بريء ويرفض تسليمه لليهود والسبب الثاني هو كون يوحنا نبياً وقتله يغضب الربّ.
الملكة هيرودس: أنا لا أؤمن بالأنبياء ولا أؤمن بكونه يشفي المرضى ويحيي الموتى كما أنه ينعتني بكوني داعرة.
الملك: أما يشفي المرضى من البرص فهذا جيد، لكن لا أسمح له بأن يحيي الموتى.
"إحياء الموتى معناه عودة كل الذين قتلهم ومنهم شقيقه".
في المحور الثاني: حب الملك للأميرة سالومي ابنة زوجته ورفضها لوقوعها في حب يوحنا المعمدان الذي أرادت أن تمتلكه ومن هذا الموقف الأخير انبثقت مأساة الملك.
إن موقف يوحنا المعمدان الرافض أن تقبل سالومي شفتيه القرمزيتين والرافض أيضاً النظر إليها. لأنه كما هو معروف في العقائد السماوية أن المرأة حواء مصدر الشر لأنها أغوت آدم بارتكاب المعصية بأكل التفاح وغضب الربّ عليهما وخروجهما من فردوسه. وكلما ازداد شبق سالومي لتقبيل شفتيه ورفضه لها كلما ازداد حنقها عليه.
صمم المخرج المشاهد السينمائية متوسلاً بأدوات مسرحية يظهر الممثلون على مساحة صغيرة من رقعة المسرح. هذه المساحة الصغيرة بمساحة الأحداث التي تدور فيها والفواجع المريعة للشخصيات تبدو وكأنها متاهة ليس لها حدود.
الملك يتوسطها على كرسي بلون أحمر والملكة على يمينه ومن البئر على اليمين يوحنا المعمدان والحاشية وقادة الجيش ومجموعة اليهود في خلفية المشهد والقمر في الخلفية مضيء أبيض، يتحول لونه أحمر بتصاعد الأحداث التراجيدية وسيل الدماء وهذا علامة على ظهور السيد المسيح.
بوسط المشهد – سالومي- جالسة على كرسي بثوبها الأحمر الفاتن وجسدها الممتلئ ناراً وشهوة ناصع البياض.
يفاجأ الملك بقدميه غارقتين في الدم وقائد جيشه الذي نظر إلى جسد الأميرة سالومي فصعق بجسدها وعندما علم أنها تحب يوحنا المعمدان تنمر بسيفه ، وكمشاهدين لم نشاهد سيفاً يغمد وإنما فقط سمعنا صليل سيف يسقط.
في قمة شبق الملك بجسد سالومي يطلب منها أن ترقص له وعندما ترفض يعرض عليها إعطاءها نصف مملكته لقاء طلبه فترفض فيعرض عليها الجواهر والحلي والهدايا من مختلف بقاع الأرض فترفض.
الملك: ماذا تريدين؟
سالومي: فقط هدية تقدم لي على صحن من فضة.
الملك: - في قمة غضبه وشبقه- موافق
سالومي: - من قمة غنجها ودلعها وسيطرتها- أقسم على ذلك قسم الملوك
ويقسم الملك بالإيفاء بوعده بصوت فيه بحة ممتلئ شبقاً وذلاً.
وبعد الرقصة الباذخة وهي عارية ترتفع حرارة الشبق لدى الملك ويبدو صريعاً أمامها فتطلب منه أن ينفذ وعده وقسمه:
الملك: لك ما تريدين. اطلبي
سالومي: رأس يوحنا المعمدان
ينتفض الملك وكأن صاعقة نزلت على رأسه لهول المطلب باعتبار قتل النبي جريمة لا تغتفر ويعاقب عليها الربّ. ويتهدج صوته متوسلاً إليها أن تطلب غير هذا المطلب لقاء أعطائها كل مملكته وكنوزها.
سالومي: أرفض
الملك: سأعطيك عباءة الحبر الأعظم من أجل إنقاذ روح واحدة
سالومي: - محتدة بغضب عاصف- نفذ وعدك، لا أقبل إلا يقطع رأسه
الملك: بعصبية مكتومة- ليكن ذلك
وبعد قطع رأس يوحنا المعمدان ووضع رأسه في صينية من فضة تقوم الأميرة سالومي بتقبيل شفتيه بشبق عارم قائلة: دعني اقبل فمك الذي أصبح مثل ثمرة ناضجة.. أنت الرجل الوحيد الذي أحبه من دون الرجال.. لا النبيذ ولا الفاكهة تستطيعان إطفاء شهوتي إليك.
سالومي: تخاطب رأس يوحنا المعمدان- عاملتني كطائشة ولم تحترم أمي
فتدخل لسانها في فمه وتخرجه ملطخاً بالدم-
ومن شدة هلع الملك أخذ يرتجف جسمه وشعر ببرد شديد والصواعق ترن في أذنيه. وبعد أن يصبح لون القمر وهو في المحاق أحمر يصرخ الملك مفجوعاً وهو يخاطب الملكة هيروتس: إن ابنتك متوحشة ، وهذه جريمة ضد الخالق. وبعد أن أمر بالانسحاب من مسرح الجريمة يدير ظهره قائلاً:" اخفوا القمر والبحر.. اقتلوا هذه المرأة".
صوت رعد قوي، وقرقعة سيوف.
وهكذا استحقت سالومي ثمرة جريمتها البشعة كعروس لم تطلع الشمس على ليلة دخلتها.
كان أداء الممثل أل باتشينو مسرحياً بامتياز في حركاته المتوترة صعوداً وهبوطاً، وكذلك بحة صوته العميق وتوسلاته الملتهبة وحتى تأملاته أعطته صورة المأخوذ.
الممثلة جيسكا جاستين/ سالومي/ كتلة متوهجة ملتهبة بشهوانية عدائية، أدت رقصتها المخمورة بعذاب الحبّ المرّ.. تهمة بشهوة الجنس والدم.
