تعرض هذا البلد للتدمير مرارا، لا لان العراقيين مقاتلون سيئون في الحرب، ولا لان سيوفهم صدئة او بارودهم فاسد، بل لان عديمي الفهم في السياسة كانوا يخترعون اساليب رهيبة للتأثير على القرار السياسي والتشويش عليه، او الوصول الى السلطة بطريقة لصوصية غدارة، واعتبار ان السياسة "شأن عادي يمكن فهمه واتقانه" مثل شرب الماء.
ومنذ اسابيع بدأنا نلاحظ ان العقلاء ممن امتلكوا بعض الخبرة السياسية، لاذوا بالصمت. وهكذا تعرض الحوار الداخلي الى الجمود. لكن الامر لم يتوقف عند هذا، فصمت هؤلاء افسح المجال لناقصي الخبرة السياسية، لكي يخوضوا في مواضيع لا يفهمونها، ويستخدموا الصراخ والضجيج، مستغلين الفراغ الحالي، لمشاغلة الرأي العام عن اهم القضايا، واقحامنا في جدل حول شكل النظام السياسي، يبتعد عن جوهر الاسئلة حول مضامين الثوابت السياسية والدستورية في بلادنا.
وحيث ان الرأي العام في اوقات الكوارث الوطنية الكبرى، لايجد شهية لنقاش عميق، فانه يفضل ان ينصت لتنظيرات "فلاسفة السياسة الجدد" خصوصا من بعض نواب البرلمان الطارئين جدا، وهي تنظيرات سطحية مضحكة حول مستقبل نظامنا السياسي وعلاقاتنا الخارجية! والرأي العام المنهك مستعد للانصات لهذه "المعارك المفتعلة" بدل ان يطرح تساؤلات مصيرية مهمة حول السر في عجز العراقيين عن بناء الحد الادنى من الثقة، بين المجموعات القومية والمذهبية التي يتكون منها شعبنا المسكين، لكي نفهم على الاقل اسباب انهيارنا المتواصل، الذي لم نعد نحلم سوى بتخفيفه او التقليل من حدته.
وكيف يمكن ان نخوض حربا للدفاع عن العراق، بينما لانبذل جهدا لتصفية النفوس بين اهل العراق؟ وهكذا ولاننا اصبحنا نفضل خوض معارك تتصل بالقشور وتبتعد عن الجوهر، ولان اصوات عديمي الفهم في السياسة باتت اعلى وارفع، فاننا تجاهلنا كثيرا حكاية المقاتلين في المدن البعيدة، الذين صمدوا ويصمدون بوجه داعش، ويواجهون اهمالا حكوميا، واهمالا شعبيا وصحفيا ايضا. وجعلناهم يشعرون بانهم منقوصو الوطنية.
ان المقاتلين من اهالي المحافظات الساخنة يقدمون تضحية تبدو اكبر احيانا، من تضحية مقاتلي المناطق الاخرى من العراق. فالجنوبي مثلا يذهب الى الحرب على الاقل، وهو مدعوم من الحكومة بوصفه حاميا للنظام السياسي. اما المصلاوي فهو طرف مشكوك فيه من قبل الحكومة، لا تصدق بسهولة انه يدعم مشروع الدولة ضد داعش، حتى لو حمل السلاح وقاتل، وحتى حين يصعد الى حبال المشنقة تظل تحوم حوله شكوك اهل السلطة، في ولائه ودوافع انخراطه بالعمل ضد داعش، وهو يقاتل دون تسليح ودون مرتبات في احيان كثيرة، وهذا ما حصل ويحصل مع الاف الضحايا في الانبار ونينوى وتكريت وديالى، سواء الذين سقطوا اثناء طرد تنظيم القاعدة منذ ٢٠٠٦، او الذين يقاتلون حاليا في مدينة حديثة اخر مكان يصمد في الانبار. بل ان الشكوك والاهمال والتجاهل يشمل الابطال الذين تفنن داعش في اعدامهم قبل ايام بالموصل، وكلما شاهدت صورهم شعرت ان روح نينوى التاريخية قد تجسدت في مواجهتهم الشجاعة مع التنظيم الشرس، الذي يريد ذبح ما تبقى من الروح في هذه البلاد.
ان عديمي الفهم في السياسة، لم يخترعوا قاعدة جديدة وهم يملأون البلاد ضجيجا، بل هم يستأنفون وحسب، التخريب الذي قام به اشباههم طوال عقود لبنية الدولة والنظام، اي هؤلاء الذين يعتقدون ان "سيناريوهات الغضب والانفعال والكذب" ستصنع منهم ابطالا اسطوريين، ومنقذين للامة. ومع كل "منقذ" كنا نغطس في نكسة جديدة. ومع كل "حلم بطولة" كنا نخسر اكثر. ذلك ان البطولات والتضحيات الكريمة ستتبدد وتضيع اذا لم تكن هناك ارادات متعقلة خبيرة، توفر الحماية لنتائج التضحية. لان شبابنا لم يتوقفوا يوما عن التضحيات، لكن عديمي الخبرة كانوا يبددونها على الدوام، في السلطة او المعارضة
من لا يفهم في السياسة
[post-views]
نشر في: 24 يونيو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 2
ابو سجاد
يااستاذ سرمد نفس الكلام يكرر يوميا باعمدتكم السياسيين والسياسين ونريد منهم هذا ونريد ذاك يااخي الفاضل هؤلاء مجموعة لصوص وعملاء جاؤا لسرق اموال العراق وهدم تاريخه لاتخاطب هؤلاء على انهم سياسيين بل خاطبهم كونهم خونة للعراق وهذا هو الاصح وهل تستطيع ان تسمي
أبو ياسر
يا استاذ فهم بالسياسة ماكو زين الوطنية ليش ماكو على أساس الوطنية ونكران الذوات سواء كانت دينية عرقية أوقومية تعمر الأوطان تصلح السياسه والمجتمعات كثيره الأمثل وخاصة في منطقتنا العربية عرفوا ماذا يريدون فأصبحوا كما ترى