TOP

جريدة المدى > عام > "سيلفي".. أعجوبة هذا الزمن العقيم!

"سيلفي".. أعجوبة هذا الزمن العقيم!

نشر في: 29 يونيو, 2015: 12:01 ص

ما الغريب أو المثير للاعتزاز أن يلتقط الواحد صورةً لنفسه و لمن بجواره من الناس و الأشياء؟! كثيراً ما سألتُ نفسي وأنا أتابع تصريحات البعض وتأكيداتهم بفخرٍ أنهم التقطوا شخصياً "سيلفي" لأنفسهم قبل عشرين أو ثلاثين عاماً وكأنهم قاموا بمأثرةٍ لم يسبقهم إلي

ما الغريب أو المثير للاعتزاز أن يلتقط الواحد صورةً لنفسه و لمن بجواره من الناس و الأشياء؟!
كثيراً ما سألتُ نفسي وأنا أتابع تصريحات البعض وتأكيداتهم بفخرٍ أنهم التقطوا شخصياً "سيلفي" لأنفسهم قبل عشرين أو ثلاثين عاماً وكأنهم قاموا بمأثرةٍ لم يسبقهم إليها فاعل، أو أتوا بما لم تأتِ به الأوائل، على حد قول الشاعر!

 

وقد بقيت مدةً حائراً في ما يُقصد بـ " سيلفي " التي تجعل هؤلاء على هذه الدرجة من الاعتزاز والتباهي وتدفع بعض الصحف إلى متابعة الأمر باهتمام متميز حتى أصبح السؤال عن السيلفي في مقدمة لقاءاتها الصحفية، إلى أن "افتهمتُ" أن المقصود بهذه السيلفي selfie المثيرة للجدل والاهتمام الصورة التي يلتقطها الواحد لنفسه أو لذاته! فقلت لنفسي ولماذا لا يقولون "صورة ذاتية" و ينتهي الأمر؟!
غير أن المسألة ليست بهذه البساطة، كما بدا لي في الأول. ذلك أن أموراً كثيرة تكمن وراء استعمالها المتزايد مؤخراً مثلما أن أموراً كثيرة أخرى تترتب على ذلك، كما يظهر، مثلما هي الحال حين تحوّل الناس ببساطة عن " الفيمانِللّاه " ( في أمان الله )، مثلاً، إلى "باي باي"، و عن مرحباً إلى "هالو" ثم إلى"هاي"! وعن آه التعجب الوافية بالغرض إلى "واو" الأميركية بامتياز!
ومن تلك الأمور الكامنة وراء هذه التحولات، كما هو معروف، حب الظهور بمظهر المتأثر المنبهر بالثقافة الغربية، ومنها ما يقال عن ضعف الشعور بالانتماء القومي لدى هؤلاء المتحولين بعد خيبتهم في إمكانية خروج بلدانهم من تخلفها المزمن، ومنها أن الناس على دين ملوكهم، كما يقول المثل الشائع، وملوك الناس اليوم ليسوا أبا الأسود الدؤَلي، أو أبا الطيب المتنبي، أو الفراهيدي، بطبيعة الحال!
ونعود إلى "سيلفي"، موضوعنا هنا. نلاحظ أن أحداً منا ما كان ليُقدِم، في الماضي،على أن يلتقط لنفسه "سيلفي" أو يفكر بعمل "صبياني" كهذا على الإطلاق. أولاً، لعدم ملاءمة كاميرات أيام زمان لمثل هذه الهوايات "البورجوازية" في ذلك الوقت، وثانياً لأن مَن يلتقط لنفسه صورة خاصة بهذه الطريقة آنذاك ويُريها للناس سيقولون إنه مخبول، أو يُصبح أضحوكةً في أقل تقدير.
لكن اتّضح حديثاً أن هناك مَن كان يفعل ذلك من دون أن يعلن أن ما فعله كان "سيلفي" حتى عام 2015. ربما لأنه لم يكن يعرف فعلاً أن ذلك "سيلفي"، أو كان يتحرج من إعلان الأمر قبل أن تصبح الظروف مناسبةً لذلك!
وها قد أصبحت الآن هكذا، كما يبدو.
• فقد جاء في صحيفةٍ، مثلاً، أن الفنانة (…. ) قالت للمحررة أو المحرر عن أول صورة التقطتها : "أتذكر صورة التقطتها لنفسي في سفرة مدرسية حين كنت طالبة في المرحلة الابتدائية وكانت بحركة تلقائية وغير مقصودة وكانت هذه الصورة السبب لدخولي الوسط الفني ... كان ذلك في عام 1974" وعن أول صورة سيلفي قالت الفنانة "بصراحة أنا لا أحب صور السيلفي ولم التقطها في حياتي، أحب الصور الفوتوغرافية الجماعية". ولا أدري كيف أنها لم تلتقطها في حياتها بينما قالت في الأول أنها تتذكر صورة التقطتها لنفسها في سفرة مدرسية! لا بد أن المحررة أو المحرر كانت مهتمةً بمسألة السيلفي أكثر من اهتمامها بسياق الكلام عنها!
• وقال مدير عام في المجال الفني : وأما عن صورة السيلفي .. لم التقط لنفسي بيدي ولكن من قبل الآخرين نعم التقطت لي سيلفي مع بعض الأصدقاء". ولا أدري أيضاً كيف أنه لم يلتقط لنفسه بيده .. و "نعم التقطتُ لي سيلفي مع بعض الأصدقاء"!
• أما حمودي الحارثي، ومَن لا يعرف عزيزنا عبّوسي أيام زمان، فقد قال لصحيفة المدى ( 14 /4 ) عن أول صورة سيلفي التقطَها : "أول صورة التقطتها على شاطئ الكرخ، وأنا كنت دائما آخذ المكان العالي وأغطي على الكل من أصدقائي! كانت عام 1947 وآخر صورة سيلفي هي مع جريدة المدى ومع حضرتِك ..". معنى ذلك أن أول سيلفي التقطها حمودي الحارثي كانت عام 1947، وهو ليس بالأمر الغريب على "طلعات" عبوسي المعروفة للجميع. لكن الغريب أنه لم يعلن عن ذلك إلا في وقت متأخر جداً، و لولا هِمَّة المحررة إيّاها لظل الأمر سراً ولم نستفد من هذه المعلومة الخطيرة! غير أننا لم نعرف مع هذا كيف فعلها عبّوسي وهو في تلك السن المبكرة وابن أسرة بسيطة الحال، وكانت الكاميرا شيئاً نادراً آنذاك بالنسبة للبسطاء من الناس .. لكن عبوسي بالتأكيد حالة خاصة لا تنطبق عليها مثل هذه المعايير التقليدية!
• وأما سيلفي نانسي عجرم، فتفرد لها صحيفة البيّنة الجديدة عنواناً بارزاً مع صورة : "نانسي في سيلفي الطائرة في طريقها للكويت!"، جاء تحته : "نشرت المطربة اللبنانية نانسي عجرم صورة لها من داخل الطائرة المتوجهة من بيروت الى الكويت للمشاركة في الحفل الفني الكبير ... وكتبت نانسي تعليقا على الصورة التي نشرتها عبر انستغرام، وظهرت فيها بدون مكياج : صباح الخير مع سيلفي من الطائرة ". وكما هو واضح، فإن هناك أموراً مهمة وخطبرة تضمنها الخبر منها أن السيلفي قد أُرسل من داخل الطائرة وليس من خارجها، وأن نانسي ظهرت من دون مكياج، وأنها قالت : "صباح الخير مع سيلفي من الطائرة "! و هذه أمور لها ما بعدها، كما لا يخفى، و ليست أي كلام فارغ!
• بل أن صحيفة مصرية متحجِّبة لم تتحرج من نقل خبر عالمي بعنوان "فيل يلتقط سيلفي لنفسه"، وملخصه أن شاباً كندياً ذهب مع صديقته إلى جزيرة تايلندية، وعند وقوفه إلى جانب أحد الفيلة تولى الفيل زمام الأمور، وحمل الكاميرا بخرطومه لالتقاط الصورة بنفسه .. وأضاف الشاب الذي يعمل مصوراً "أن الفيلة حيوانات ذكية للغاية، وأظن أن الفيل الذي صادفته كان على علم بما كان يفعله."!!
وعلى كل حال، فإننا إذا تتبعنا تاريخ السيلفي، نجد أن أول من التقط صورة ذاتية في التاريخ العالمي الحديث، وفقاً لـ ( wikipedia )، روبرت كونيلوس، وهو رائد أميركي في مجال التصوير الفوتوغرافي، الذي أنتج صورة لنفسه بطريقة " daguerreotype "، وهي طريقة قديمة في التصوير الفوتوغرافي على ألواح فضية، وذلك عام 1839.
أما الاستعمال المبكر لكلمة "سيلفي selfie"، في زمننا هذا، فيعود إلى عام 2002. وقد ظهرت للمرة الأولى في منتدى انترنت أسترالي ( ABC Online ) يوم 13 أيلول 2002. وانتشر ذلك بشكل أوسع مع الفيسبوك فيما بعد، حتى راح شعيط و معيط بل وجرّار الخيط يتفاخر بها! فمرة تظهر الرئيسة الكورية الجنوبية السابقة في لقطة سيلفي حميمة مع لاعب كرة مشهور هناك كما يبدو، ومرةً نرى باراك أوباما يلعب بذيله "في حالة سيلفي" مع رئيسة الوزراء الدانماركية الحسناء على النحو الذي قلب سحنة زوجته السمراء عاليها سافلها كما هو معروف حتى قيل في حينها أن الاثنين أصبحا على وشك الانفصال، وقبل أيام ظهر الرئيس الصيني الوقور مع رئيس وزراء الهند المرِح في سيلفي راح يتباهى بها هذا فرِحاًعلى موقعه الشخصي بالانترنت!
وليس بعيداً أن أظهر أنا نفسي أيضاً في سيلفي وأقول إني قد التقطتها لنفسي، بيدي شخصياً، ربما حتى قبل أن يفعلها روبرت كونيلوس، الذي تزعم ويكيبيديا إنه أول مَن التقط سيلفي في التاريخ .. والله أعلم!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram