منتصف تسعينيات القرن الماضي غادر الشاب ستار جبار حسن العراق متوجها الى هولندا ، درس الموسيقى متخصصا بالايقاعات الشرقية القديمة ، دعمها ببحوث ودراسات ، مستعينا بمكتبة جامعة امستردام الضخمة بما تضم من مصادر عن موسيقى بابل واشور وغيرهما من المدن العراقية القديمة ، موسيقى الزمن القديم نشأت في المعابد ، كانت تؤدي وظيفة دينية ، فاصبحت جزءا من الطقوس المقدسة للتقرب الى الالهة ، لها مواعيد ثابتة لاقامتها عادة ما تكون مع بداية حلول فصل الربيع .
الموسيقي العراقي المقيم حاليا في هولندا اصبح مدرسا في احدى كلياتها الفنية لمادة الايقاعات الشرقية القديمة ، لم يقتصر جهده على هذا النشاط ،بل تعداه الى تدريب فرقة الكورال لاداء الاغاني العراقية القديمة باصوات شابات هولنديات ، يستطيع من يرغب في الاستماع اليها بزيارة موقع يوتوب ، ليسمع عمي يابياع الورد وفوك النخل بلكنة اجنبية ساحرة.
الفن العراقي القديم وصل الى بقاع واسعة الى العالم ، لفت انتباه الجمهور ، فاثار اعجابهم ولاسيما ان تاريخه يعود الى الاف السنين قبل الميلاد ، يعكس مظاهر حضارية اندثرت ، ومن حسن حظ البشرية ورد بعض تفاصيلها في الرقم الطينية ، ولعل ما يلفت النظر في بعض ماورد في الرقم الطينية ان رجال السلطة في مدن العراق القديمة ورجال الدين والكهنة ، كلفوا احد الاشخاص بمهمة حراسة "الطبل المقدس" لقاء أجر ، فضلا عن تمتعه بمكانة اجتماعية واعتبارية ، لاتقل مكانةً عن ضارب الطبل نفسه المسؤول عن ضبط ايقاع الاحتفال الديني.
قبل الاف السنين كانت الموسيقى في العراق القديم تصل الى مرتبة التقديس ، ولارتباطها بنشاط ديني ، بوصفها اداة لتطهير النفوس ، كما الدراما الاغريقية والرومانية الغاية منها تطهير ادران بني البشر ، حرصت الجامعات الفنية في العالم على دراسة الموسيقى العراقية القديمة ، وصناعة آلاتها ،ولاضير من اداء الاغنيات الحديثة بوصفها تشكل امتدادا لموسيقى بابل واشور وسومر .
حارس الطبل المقدس ، درجة وظيفية ما عاد لها وجود في العراق اليوم ، باستثناء حضوره في الرقم الطينية المحفوظة في مكتبات متاحف عالمية ، وجامعات بدت حريصة واكثر اهتماما من نظيراتها العراقيات بموسيقى بلاد الرافدين ، مستوى الاهتمام الاجنبي بقدر ما يثير التقدير والاعجاب يبعث على الأسى، لان الجهات الرسمية ، والاطراف المشاركة في الحكومة لم تضع في برامجها السياسية فقرة تؤكد اهتمامها بالفنون والاداب ، بل بعضها اتخذ موقفا متشددا ضد الجمال ، فشمله بدائرة التحريم ، فانعكس ذلك على انحسار النشاطات الفنية في مدن العراق الجنوبية التي عرفت حارس الطبل المقدس ومنحته امتيازا يليق بمكانته في ضبط العلاقة بين عامة الناس والالهة .
غياب "حارس الطبل المقدس " خلف لعنة في بلاد تعرضت الى حروب وكوارث ، ونكبات ، بلد لا يحترم الموسيقى ويعدها رجسا من الشيطان ، لايجيد اختيار الزاوية المفضلة للنظر الى مستقبله ، وهنا تكمن ام الكوارث ، الموسيقي ستار جبار حسن زار وطنه ليعلن ان فرقته ستحيي حفلات لدعم النازحين واستعادة حضور الطبل المقدس .
حارس الطبل المقدس
[post-views]
نشر في: 28 يونيو, 2015: 09:01 م