TOP

جريدة المدى > عام > التعليم العالي في العراق إلى أين؟ ..دور الجهاز الإداري في الواقع السلبي

التعليم العالي في العراق إلى أين؟ ..دور الجهاز الإداري في الواقع السلبي

نشر في: 30 يونيو, 2015: 12:01 ص

(14)القسم الأول
كنا قد فتحنا في المقال السابق ملف الجهاز الإداري في التعليم العالي في العراق لبيان دوره، ضمن أدوار جهات عديدة، في الواقع السلبي الذي وصل إليه حال هذا التعليم، وأشرنا إلى أن هذه الجهة هي سلطة ضمن سلطات تهيمن على مساره اليوم، حين تقوده

(14)
القسم الأول

كنا قد فتحنا في المقال السابق ملف الجهاز الإداري في التعليم العالي في العراق لبيان دوره، ضمن أدوار جهات عديدة، في الواقع السلبي الذي وصل إليه حال هذا التعليم، وأشرنا إلى أن هذه الجهة هي سلطة ضمن سلطات تهيمن على مساره اليوم، حين تقوده إلى ما لا يلائمه من ممارسات وتعليمات و(سياقات) ما هي، في حقيقتها، سياقات سليمة وعصرية.

 

وقد وزّعنا حديثنا عن هذه السلطة على مقالين، تمحور الأول منهما، وهو السابق، حول مثال عملي عشناه مع إحدى الكليات، يوضّح كيف أن الإدارة، حتى وإن كانت ممثَّلة بموظف صغير، يمكن أن تُربك الأكاديمية وتُتعب الأكاديمي وتعرقل كل شيء، فكيف إذا كانت ممثَّلة بمسؤول أو موظف كبير؟. ونعود في المقال الثاني من تناولنا إلى ما انتهينا إليه من أن ذلك المثال يجب أن لا يُؤخذ بحجمه، وبكونه يتعلق بشخص واحد، هو هذا الموظف الصغير، بل بدلالته، وبما يمكن للاداري، أن يفعله، من تعويقِ سياقٍ وتأخير أعمالٍ وتأثيرٍ في شؤون جيش من الأكاديميين، خصوصاً إذا ما اقترن بتجاوزات و(سياقات) خاطئة و(تعليمات) زائفة مما نحاول أن نقدمه، في هذا المقال الذي سينقسم، لطوله، على قسمين، عبر ظواهر وتشخيصات وإشارات، معزّزة بأمثلة، ولكن باختصار وبدون المزيد من التفصيلات. وحين نتكلم عن الجهاز الإداري، فإننا نعنيه بمعناه الأوسع، أي كلّ ما هو غير تخصص المؤسسة، أي غير العمل الأكاديمي، وهذا يشمل: الإدارة والخدمات، والمالية، لننهي تناولاتنا بالحديث عن الإجراءات الأمنية المتعبة للكليات والجامعات.
ابتداءً، من السهولة ونحن نستحضر جل مقالاتنا السابقة بما تناولته من سلبيات التعليم العالي، أن نكتشف أن عدداً غير قليل من تلك السلبيات إنما يرجع إلى الإدارة وسوء الإدارة، مثل تأثيرات البيروقراطية، ومركزية القرار، والميول الواضحة في الكثير من القرارات والتعليمات نحو إتعاب الأستاذ الجامعي وتعويق عمله، بل إذلاله أحياناً، وفي عدم اتساق مسار التعليم/ التقويم السنوي. ولا بأس، قبل التفصيل في هذا، من أن نعرض مثالاً واضحاً كان وراء اضطراب الدراسة في كل سنة، وبدون استثناء، ذلك هو طرق تعامل المؤسسة الأكاديمية، وضمن ذلك جهازه الإداري، مع المناسبات الدينية، ولا نقول المناسبات الدينية ذاتها، وهي طرق تنمّ عن عدم تعلّم قيادات التعليم العالي وجامعاته، وضمن ذلك مرة أخرى الجهاز الإداري فيها الذي يُفترض أن يكون، إلى جانب هذه القيادات، قادراً على التعامل معها، عند وضع التقويم السنوي، بما لا يؤثر في الدوام وفي مسار الدراسة، وذلك من خلال مراعات تواريخها المعروفة مسبّقاً. بينما واقع الحال أن ما يحدث للدوام ولمسار الدراسة مع هذه المناسبات يُظهرها وكأنها تحلّ للمرة الأولى، لتكون ظاهرياً هي وراء هذا الاضطراب، بينما الحقيقة هي أنها بريئة من التسبب بهذا، بل السبب هو عدم أخذها بنظر الاعتبار مسبقاً من قبل هذه القيادات والمسؤولين والإدارة.
الواقع أن الإخفاق في تنظيم مثل هذا، وغيره الكثير، لا يكمن في تخلف المؤسسة والإدارة فحسب، بل في تولي من هم غير مؤهلين، وربما جاهلين بالعمل الأكاديمي والإداري وبطرق تسييره، للمسؤولية. حين يكون بعض الموظفين والمسؤولين جاهلين بمثل هذا وغيره، فهو مأخذ كبير، ولكن أن يكونوا أصحاب قرار فيه، فهي مصيبة تقود التعليم العالي إلى التخبّط والارتباك وعدم اتساق مسار عمليتها الأكاديمية. أتذكر حين عدت في ثمانينات القرن الماضي من الخارج، حاصلاً على شهادة الدكتوراه بدلاً من الماجستير، أن الجهة الإدارية والقانونية في وزارة الثقافة وقفت من شهادتي موقفاً سلبياً لا مرونة فيه، لأنني عندهم خالفتُ في ذلك عقدَ إجازتي الدراسية المتضمن الحصول على شهادة الماجستير. ولم ينفعني في مجادلتهم أن حصولي على شهادة الدكتوراه جاء بفعل اجتهادي المضاعف ولم أكلّف الوزارة في ذلك أية أجور دراسية مضافة، ولم أزد على ما ممنوح لي من استحقاقات الإجازة الدراسية لنيل شهادة الماجستير. ولم يتم قبول شهادتي إلا بعد إرسال حالتي إلى مجلس قيادة الثورة، وقتها، الذي وافق بالطبع على شهادتي. الواقع أنني كنت أظن أن مثل هكذا تعامل رسمي بيروقراطي عقيم كان طبيعياً أن يحدث في ظل نظام حكم مركزي، ولكنه لا يمكن أن يحدث في ظل نظام الحكم الحالي يُفترض أنه ديمقراطي وحضاري ومؤسساتي، وهو ما لم يتحقق اليوم، بل ربما صار السياق هو عكس ذلك. وبدلاً من أن يؤدي الجهاز الاداري للتعليم العالي وظيفته الرئيسة المتمثّلة في تعبيد الطرق وتسهيل كل شيء لتسير العملية التعليمية والتربوية والأكاديمية في أحسن ما يكون، نضرب أمثلة على ما هو عكس ذلك:
- نستذكر أولاً المثال الذي ذكرنا تفصيله في المقال السابق من حديثنا عن الجهاز الإداري في وزارة التعليم العالي وجامعاته وكلياته، ورأينا كيف أن إنجاز عمل، هو تزويد تدريسي بشهادة خبرة، لا يحتاج من أي موظف أو مؤسسة في العالم كله إلى أكثر من ساعة واحدة، قد استغرق إنجازه من إحدى الكليات ثلاثة أسابيع من البيروقراطيات التي لا تقتضيها العملية الإدارية والبروقراطية الطبيعية، بل المختلقة.
- إجابة أحد مسؤولي ملحقياتنا الثقافية في احد البلدان الغربية، ردّاً على رغبة طالب دراسات عليا بالموافقة على القيام برحلة بحثية تخدم دراسته في تخصص الأدب المقارن، بعدم وجود تخصص بهذا الاسم في ذلك البلد، (الأدب المقارن)، علماً بإن إحدى ما تُسمّى بمدارس الأدب المقارن الثلاث تعود إلى ذلك البلد.
- رفض أحد مسؤولي التعليم العالي للموافقة النهائية على رحلة بحثية إلى إحدى جامعات المغرب الرصينة، بعد استكمال جميع متطلباتها، لطالب دكتوراه يدرس (البنيوية) لأنها رحلة إلى بلد عربي وليست إلى بلد أجنبي، وهو ما يدل على جهل ذلك المسؤول لحقيقة أن المغرب هو الأفضل لدارس (البنيوية) من أي بلد آخر، ولاسيما في الأدب والنقد العربيين.
- حفظ طلبات احتساب العمل في الجامعات العربية والأجنبية خدمةً أكاديميةً لغرض التقاعد في جرارات جامعة بغداد، وربما جرارات جامعات أخرى، ما يُقارب السنة والنصف، دون اتخاذ أي إجراء بشأنها، رغم مرور أكثر من سنة على إقرار تعديلات قانون الخدمة الجامعية، التي نصّت على احتسابها.
- الإجراءات المعذّبة التي رأينا، من قبل، دائرة العلاقات الثقافية في جامعة بغداد، ورئاسة الجامعة، وربما رئاسات جامعات أخرى، تمارسها قبل تكرّمهما بالموافقة على مشاركة الأستاذ الجامعي في المؤتمرات العلمية التي هي من صلب الممارسة الأكاديمية للأستاذ الجامعي، وامتداد أسلوبهما في تعذيب الأستاذ المشارك وربما إذلاله إلى ما بعد المشاركة في المؤتمر.
- ولأننا لا نجد في ما يخص مجال الخدمات من أمر خطير ومؤثر في العملية التعليمية والأكاديمية، مع وجود التأثير بالتأكيد، نكتفي بالإشارة فقط إلى بعض مظاهر ما صار عليه وضع التعليم العالي ومسار أعماله الأكاديمية والإدارية، نعني بها تحديداً النظافة والبريد. فافتقاد النظافة والتنظيف في الجامعات والكليات المختلفة صار علامة من علاماتها. وتعلّقاً بالبريد يكفي أن نقول إن ما كان يحتاج قبل عقود إلى يوم ليصل صار يحتاج إلى أيام، ولا نبالغ إذا ما قلنا إن ما كان يحتاج قبل عقود إلى يومين أو ثلاثة، لاسيما ما يتعلق من ذلك بالبريد ما بين الجامعات، صار يأخذ الأيام وربما الأسابيع.
أما المالية والحسابات، فإن الإشارة إلى ظاهرة واحدة ولكنها عامة ربما تكفي لتدل على اضطراب الأداء وفقدان السياقات في الإدارة، كما رأيناهما من قبل في مقالات عديدة وأمثلة كثيرة، في العمل الأكاديمي، تلك هي انعدام وحدة الإجراءات نوعاً وتوقيتاً ومقاديرَ وخطواتٍ إجرائية، وكل ذلك بخصوص جل ما يتعلق بالمالية من رواتبَ ومخصصات ومُنَحٍ ومكافآت وغيرها. فما عاد غريباً مثلاً أنْ يتسلم موظفو كليةٍ ما رواتبهم اليوم، ويتسلم موظفو كلية مجاورة رواتبهم بعد ذلك بيومين أو ثلاثة، وأنْ تصرف جامعة أجور محاضرات لتمتنع أو تتاخر جامعة اخرى عن ذلك، وأن تقتطع كلية أو جامعة من رواتب أو مخصصات أو مكافآت تدريسييها، بهذا العنوان من الاقتطاع أو ذاك، بقدر يختلف عمّا تفعله كلية أو جامعة أخرى. وضمن ما نشير إليه في ما يخص المالية، تأتي ما نسميها كاريكاتيرية مكافآت العمل الأكاديمي، ونضرب، أمثلةً على هذا، بالآتي:
- جمود رواتب التدريسيين من نحو عشر سنوات، إن لم نقل إنها قلّت مقارنة بقيمة الدينار، الأمر الذي تآكل فيه الاقتراب الذي سعت إلى تحقيقه بعض الحكومات بين راتب الأستاذ العراقي ورواتب أساتذة أقطار عربية عديدة، بل إن الفرق الكبير جداً الذي كان بين راتب الأستاذ العراقي ورواتب الأساتذة في جميع أقطار الخليج العربي الذي كان مهيمناً قبل التغيير، يكاد يعود إلى سابق عهده، بينما يكاد يتساوى راتبا الأستاذ العراقي والأردني.
- مقادير المكافآت المختلفة، وأضرب أمثلة أظنها ستبرر لي وصف هذه المكافآت بالكاريكتيرية. فقد شاءت الصدفة أن أتسلم قبل بضعة أشهر مكافأتين على تقييم ترقيتين في وقت واحد، الأولى من جامعة البصرة وكانت بمقدار (120) دولاراً تقريباً، والثانية من جامعة عجلون الأردنية وكانت بمقدار (400) دولار؟ وإذا كان هذا بيننا وبين بلد آخر، فإن الأستاذ العراقي إذ يتسلم على مناقشة اطروحة دكتوراه في جامعاتنا (150) ألف دينار، فإن هذا الأستاذ نفسه يتسلم على مناقشة مماثلة في جامعات كردستان مبلغ (500) ألف. وإكمالاً لكاريكاتيرية المكافآت المختلفة لا نظن أحداً لا في العراق ولا في أي بلد في العالم سيصدق أنّ الأستاذ الجامعي يتسلم مقابل خبرته لاطروحة الدكتوراه مبلغ (25) ألف دينار، وخبرة تقييم بحث في مجلة أكاديمية مبلغ (10) آلاف دينار. فهل هذا كله معقول؟ لا أظن لعاقل، في التعليم العالي أو خارجه، بقادر على أن يقول: نعم.
- إزاء ذلك يأتي التبذير غير المعقول في أمور هي في الحقيقة فساد إداري أكثر منها صرفاً سليماً، كما هو حال تبديل أثاث الكليات والجامعات بشكل غير مبرر غالباً حينما تُرمى قطع أثاث قد لا يعيب الكثيرَ منها شيءٌ ولا يحتاج بعضها الآخر لأكثر من صيانة أو تصليح بسيط، ليحل محلها أثاث جديد غالباً ما يكون أردأ نوعياً مما يستحق معه دفع المال الذي يُدفع مقابله. وفي هذا السياق واضح أن العمداء ورؤساء الجامعات وبقية المسؤولين قد لحقتهم العدوى من الوزراء واعضاء مجلس النواب حين صار كل جديد منهم يبدل كل شيء، من أثاث وسيارة وربما موظفين، بمجرد تسلم مناصبهم حتى وإن لم يكن في الموجود ما يعيب.
وللحديث صلة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. المهندس اياد عبد العزيز سعود

    السلام عليكم .....التعليم لم يعد مجديا بعد ان اصبح سلعة يمكن شراؤها، كثرة الكليات الاهليه وتدني مستوى خريجيها الثقافي والاكاديمي وعدم الاهتمام بالمنهاج العلمي والادبي في الجامعات الحكوميه وتكالب التدريسين على المال والسفرات والايفادات بحجة الاستزادة من عل

يحدث الآن

قتل مفرزة إرهابية بضربة جوية بين حدود صلاح الدين وكركوك

الامم المتحدة: إخراج سكان غزة من أرضهم تطهير عرقي

الطيران العراقي يقصف أهدافا لداعش قرب داقوق في كركوك

"إسرائيل" تستعد لإطلاق سراح عناصر من حزب الله مقابل تحرير مختطفة في العراق

حالة جوية ممطرة في طريقها إلى العراق

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

فيلم
عام

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

ترجمة: عدوية الهلالييعرض حاليا في دور السينما الفرنسية فيلم "الجدار الرابع" للمخرج ديفيد أولهوفن والمقتبس من الكتاب الجميل للصحفي والكاتب سورج شالاندون - والذي يجمع بين حب المسرح والعيش في مناطق الحرب في لبنان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram