اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > سجادة جبار جودي الحمراء.. استثارات الجمال بممكناته

سجادة جبار جودي الحمراء.. استثارات الجمال بممكناته

نشر في: 30 يونيو, 2015: 12:01 ص

-متن لاستهلال-عرض تحديثي-مبهر ذلك الذي شهدته قاعة المتحف الوطني للفن الحديث(كولبنكيان)/سابقا- ظهر جمعة الثاني عشر من حزيران/2015 للفنان(السينوغرافي) المبتكر جبار جودي العبودي،حمل عنوان سجادة حمراء(ريد كاربت) جرى عرضه على هامش مهرجان المسرح العراقي ال

-متن لاستهلال-
عرض تحديثي-مبهر ذلك الذي شهدته قاعة المتحف الوطني للفن الحديث(كولبنكيان)/سابقا- ظهر جمعة الثاني عشر من حزيران/2015 للفنان(السينوغرافي) المبتكر جبار جودي العبودي،حمل عنوان سجادة حمراء(ريد كاربت) جرى عرضه على هامش مهرجان المسرح العراقي الأول ضد الإرهاب،ذلك الذي أقامته دائرة السينما والمسرح بمشاركة أحدى عشرة فرقة مسرحية من جميع محافظات العراق-عدا أربيل- للفترة من التاسع من حزيران وحتى التاسع منه،بعد أن كان قد تم عرضه يوم الخميس(28/أيار/2015)ولعدة أيام في نفس القاعة،ليبقى هذا المعرض المسرحي- التشكيلي- السينمائي مفتوحا من الساعة 6:30مساء لغاية 8:30مساء.
جمع (جودي) في رهان معرضه (البانرومي)هذا ما بين هيبة وهيمنة(السينوغرافيا)- من دون الحاجة الى الضوء(المهندس)،حيث اكتفى بإنارة بسيطة وعادية جدا،مجترحا مفردات لتشكيل يقظ ومدروس ومتفق على كل تفصيلة منه،منها جدارية استوحى مفرداتها الفنان التشكيلي محمد مسير اندست ضمن سياق تهجيات تلك السجادة الحمراء،التي اغرانا بالسير عليها- عنوة وفضولا خلاّقا- جبار جودي،بعد أن أردفها بمقاطع فلمية مقترحة قام بتصويرها وتنفيذها المخرج السينمائي الشاب ملاك عبد علي فيما قام بـ(منتجتها)الفنان صلاح منسي والـ(داتاشو) كانت من نصيب الفنان هشام كاظم والـ(بروموشن)لكل من الاثنين (صلاح وملاك) ومعهم محمد مونيكا،تماهت في ثنايا عمل حداثوي كبير في عموم سياق وبنود مآثره البصريّة والجماليّة،أسهم به فريق عمل حيوي،مثابر ومتجانس زاد عدد مجسّديه على العشرين ممثلا وبعدد مقارب من فنيين وإداريين،قاد دفة الإدارة ومهام الإنتاج الممثل المبدع مرتضى حنيص.

الجمال الممكن...بلاغة الصمت
سيل سلوكيات بارعة الأثر والتأثير أنتجت ومهدّت-في خواص هذا المعرض- لعدة استجابات واستثارات نهلت- بتتابع قصد ودراية- من نبع تماثلات جمالية،بسطت نفوذ فرض صمت بليغ ومثمر تراعف(من الرعاف-أي النزف) مشفوعا بهدوء حكيم ومؤثر كذلك الصمت الذي يسبق العاصفة، زها يتجسّد نبضا بنبض مع تقانة الحركة وبراعة غرضية القصد،جراء ثراء وبهاء ونقاء ذلك العرض المهيب-الباهي بوحدات وتحريضات حسية ونفسية توالدت من أنين عزف حيّ توافد هائما وحزينا من خلجات آلة(الجلو)،تعاشقت كل هذه التوافقات الدرامية تحت مظلة مطر ناعم،لكنه حارق ومميت،جراء وطأة متواليات الخوف وهواجسه المكتظة،وفق ما حوت كل هذه العناصر الجمالية،والتي حاولت كلمات صانع رؤية هذا العرض ومخرجه(جبار جودي)تلخيص خطاباتها الفكرية والإنسانية عبر سيل سطور مسجاة فوق مساحة همُّ كونيّ من دليل سجادته الحمراء،وهي تقول لنا بصوت واضح،مسموع ودامع:
( لكي نعيش
لا بد لنا من أن نتقبّل الآخر المختلف
ليتسع نبض حياتنا ... لبعضنا البعض
ولنقابل كل ما حولنا من خراب
بأقصى الجمال الممكن ..
علّنا نتجاوز محنة وطن بأكمله ..
يسير الى الهاوية ).

حاجة الجمال الى الحقيقة
لطالما أثارت موضوعة الجمال واشتقاقاته التراتبية- عبر مخارج ومداخل وعينا التأريخي والمعاصر به- جملة من تساؤلات واعية ومتنوعة،لامست ولازمت الكثير من مجالات البحث والتقصي،عما يضع الجمال بموضعه الحقيقي،رغم انه بحاجة دائمة لما يثبت حقيقية وجوده،بسبب كونه مثار تساؤل بحثي-حتى هذه اللحظة المتطورة من عمر البشرية- وعلى أعلى درجات ومناسيب الوعي والتداول الأكاديمي،وهذا ما أعطى لكل تلك التساؤلات صفات الديمومة والحيوية المؤثرة في الأوساط المتهمة في خلق توازنات إجرائية لموضوعة الجمال وتعالقات وجوده المتجانس في مجمل ضرورات الفن،وعلى مدى حاجته لما يثبت ويعزز ذلك الوجود المتواصل في ثنايا ونسيج حياتنا اليومية.
تستنير الناقدة والباحثة الأميركية(سوزان سونتاغ)في ربوع كتابها الأثير(ضد التأويل) بما يفضي للارتهان بقبول قول(أرسطو) من أن(الشعر أكثر فلسفة من التأريخ) لتعتقد أن قوله كان مبررا-حينذاك- لأنه أراد إنقاذ الشعر،ويراد به- هنا- الفنون،على اعتبارها نوعا من(الرأي الوقائعي والمعين والوصفي)،ثم تحاول(سونتاغ)-بعد ذلك- أن تستدرك لتقول،بأن قوله(أي أرسطو) كان مضللا لانه يقترح بأن الفن يقدم شيئا على غرار ما تمنحنا أياه الفلسفة من خلال (الحجة) أو البرهان الذي هو-في ظني- الوجه الآخر للحقيقة في محافل إرثها الجمالي،وتضيف الناقدة بالتعليل والتقريع المبطن لتقول:(لقد تشكّل معظم النقد منذ ذك الحين من خلال الاستعارة التي تصوّر العمل الفني على أنه حجة،لها مقدمات واستنتاجات،عادة، يشعر النقاد الذين يريدون الإشادة بعمل فني لأنفسهم مرغمين على البرهان.)ص57-58،أسوق كل هذا لكي أستانف رحلة التقصي والانشداد الى قيمة براعة ما أرادت تهجّيه حروف ونار كلمات(سجادة حمراء) بعد أن فاوض مخرجها ومنّسق رؤاها جبار جودي لغة الصمت المهيب في التعبيرعن مكامنها البلاغية،وخطاباتها الجمالية،كما لو انه كان يستعين بمقولة الشاعر(كيتس)؛(الصمت مأهول بالأصوات) في تمريراته وحججه المتعددة اللوازم والطبقات الحافة بالوعي التام،من حيث تناسق المضون وابتهالات الشكل الفائض عن محددات وأدوات العروض المسرحية،بتقادماتها الحداثوية ومعادلاتها البصريّة،متجاوزا بذلك دريئة التقليد وانصياعه المزمن للموروث الدلالي والرمزي حتى في أوسع مهام التحديث الذهني والفكري لعناصر تلك العروض،التي سعت لكي تجاور الصورة- باعتبارها(منظمومة تعبيرية،ذات رصيد دلالي وقيمي)- تلك العناصر وتتفوق عليها من خلال انحسار اعتماد تلك الأعمال على نصوص شكسبيريّة معروفة وراسخة في الذائقة الجمعية،أو بسحب نصوص شعرية تجريبية معدّه ذهنيّا للمسرح،من تلك التي نحجت في إقصاء اللغة المنطوقة،على حساب تفويض الصورة كاملة في مساحات محددّة ومعلومة،لم تتعد الخشبة إلا في حدود معينة،ولنا في فتوحات ومآثر ما قدّم الفنان الكبيرد.صلاح القصب ما يعزّز مقاصدنا وتذكاراتنا الجمالية بهذا السعي المبكر في حياة النهوض بالمسرح العراقي،بكسر قيد السائد والمألوف فيه.

تعددّ خشبات إنتاج المعنى
لقد أسهمت(الصورة) المقترحة والمعدّة في مواءمات قراءتها للواقع بفحص مفرداته،في إنتاج وفرة من معان،ومجموعة من استجابات متفاعلة ومتوافقة من حيث وحدة الموضوع وتساميات الهدف المركزي والرئيس لهذا العرض وتوريداته البصرية وتداخلات لواحقه من رسم وسينما ومسرح ومصدات لاختبارات نفسية،في فضاء حرّ ومحسوب،تحسبه-من فرط كثافة ووفرة إنتاج المعنى الذي سعى إليه جودي- لم يعد مكتفيا بخشبة واحدة تدور عليها انثيالات تلك الهواجس واللوامس والظنون،بل اقترح مخرج العرض وصانعه استبدال الخشبة التقليدية بصالة ذات فضاء خاص أفاض بتوالد عدة خشبات،هي محددات وعوازل مرئية لأماكن جرى عليها تباري مشاهد حيّة بنوابض ومتممات،برعت تزيد من قيمة التفاعل ما بين المتلقي ونتائج تلك القراءات المتعدّدة والمتحركة في ميادين ومرامي مهام التأويل والتناظر الضمني للخواص الجمالية.وبسجادته الحمراء يكون جبار جودي قد وضع نقطة بدء ومثابة اجتياح كبير لما يعرف-اليوم- في العالم (بفن ما بعد الحداثة) في تأريخ المسرح العراقي،من خلال دقة ونبوغ ما قدم،ومن فرط دهشة(والدهشة هي توتر حيوي- من وجه نظر الروائي ميلان كونديرا)ما أقدم على الخوض فيه بجرأة نادرة ووعي مركز،من خلال عمل واسع الرؤية،متعدد الجهات مبتكر بخوالص سعيه ونبل مقاصده،وبحاصل جمع كل هذه الفنون(مسرح/سينما/موسيقى/تشكيل-رسم/فوتوغراف/أزياء) فضلا عن حوافل أخرى من نواتج وذروات فنون متواشجة ومجتمعة مع بعضها،على مساحة تلك السجادة التي خط عليها عذابات ومحنة وطن بات يئنّ جراء ما يحيط ويحدق به من ظلم وغل وخراب،وطن لا يريد له(جودي) في أن يسير الى الهاوية،مع رهط من مجموعة مثقفة،مثابرة ومتطلعة في مقدرة تحدّيها ومواجهاتها الإبداعية لدرء كل آثار الدمار بالممكن واللازم من قيم الخير والتسامح والجمال،وبما يشاغل متعة البحث وعراقة الجدوى وثوابت الجد الاستثنائي في هذا المفتتح الجمالي-الفكري الذي ابتكره(جودي) وهذا الانفتاح والتناسق المرهف المُعد والمرسوم وفق متواليات خبرة محكمة واستعدادات ذهنية متقدة،والتي كنت قد أشرنا إلى مبتكراته- في محافل مقالات سابقة- التي قّدمها في خضم عروض مسرحية شاخصة في ثنايا ووجدان تأريخ المسرح العراقي من تلك التي كان قد وضع لها(السينوغرافيا)،وبحجم ما يزيد عندي من ثقة امتيازات تؤهلّه في الدخول الى العالمية،لو شاء الحظ وانتصرت الصدفة لصالح تطلعاته،خوضا وعمقا في هذا المجال-الجمالي-الفكري الصعب،حيث لغة الضوء ومكونات المشهد من شخوص وحركات،هي من تستعير النطق ببلاغة حضورها لكي تقول ما تريد أن تقول،كما سعى للقول هذا الفنان مع مكونات مشاهده و متسعات رؤاه،بنصوع مواقفه الإنسانية والجماليّة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram