اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > "بنيان صالح في ذاكرة المسرح العراقي"

"بنيان صالح في ذاكرة المسرح العراقي"

نشر في: 29 يونيو, 2015: 09:01 م

 تمتلك البصرة ذاكرة ابداعية ثرية في نطاق التجربة المسرحية في العراق. ولكل جيل مرجعيته الخاصة على صعد مختلفة. يحاول اليوم (د. عباس الجميلي) ان يقيّم تجربة (كاتب) مسرحي، له الريادة في الارتفاع بالنص الى مستويات نضالية عليا، وحساسة، تتعلق بثـروة ال

 تمتلك البصرة ذاكرة ابداعية ثرية في نطاق التجربة المسرحية في العراق. ولكل جيل مرجعيته الخاصة على صعد مختلفة. يحاول اليوم (د. عباس الجميلي) ان يقيّم تجربة (كاتب) مسرحي، له الريادة في الارتفاع بالنص الى مستويات نضالية عليا، وحساسة، تتعلق بثـروة الوطن البشرية، والاقتصادية، والموقف المطلوب تبنيه من الصراعات الدولية، دفاعاً عن حقوق المواطن العراقي الشرعية. يصف د. سلمان كاصد مشروع الجميلي عن الكاتب المسرحي (بنيان صالح)، بأنه ناقد في النظرية، وعارف في طبيعة حركة النص المسرحي كما جاء في تقديمه للكتاب.

كان بنيان يحرص على الاقتراب من مشكلات المجتمع، في نصوصه التي يغذيها بافكار تقدمية تعزز دلالاتها ما يجري في الشارع العراقي، وما يمر به من مشاعر وافكار وصراعات ما تقتضيه فنون المسرح من محكات ابداعية، ومعايير درامية لا يمكن تخطيها على مستوى الصياغة" وتركيب الأفعال والاحداث، والشخصيات في سياق فني محدد. 
من الملفت في تجربة (بنيان) الانتباه الى الدور الحقيقي (للمرأة) في الحياة العامة، والخاصة. في المعمل والحقل، او في الزواج، والبيت الأسري. 
يحاول (الجميلي) ان يخصص كتابه الموسوم: (جمالية الوثائقية الفكرية في الدراما) للكاتب بنيان صالح، مع نص مسرحية كتبها بنيان تحت عنوان: "العمة الزرقاء" ليطبق عليها قوانين الدراما. 
الجميلي تعرف على الكاتب في نهاية الستينات من القرن الماضي "التقاه" في (نادي الفنون) ويصفه على الشكل الآتي:
"شاب هادئ، وقور، ومثقف جريء تعلق بالمسرح" كان الجميلي حينها، وانا اتذكره تماماً حينما كنا طلاباً في قسم المسرح، باكاديمية الفنون الجميلة في بغداد (1969) كان يسبقني بمرحلة دراسية، منفتحا على الحياة، محباً لزملائه واساتذته، مواكبا لقضايا المسرح واشكالاته في بغداد، وفي مدينته البصرة، كريما رغم فقره حينذاك. 
يحدثنا هذا الفنان المسرحي، عن (جماعة كتابات مسرحية) التي اسسها بنيان صالح مع نخبة من المبدعين البصريين امثال: حميد مجيد، جبار صبري، وسواهما من المثقفين.
بنيان يصف محلته (البرغوثية) ، التي ولد فيها عام (1935) بانها (مأوى للفقراء) المعدمين. تعلم هناك في مدرسة (الجبيلة) الابتدائية – كما يخبرنا الجميلي واكملها في عام (1951). 
هنا يتطرق – الكاتب – الى تجربة بنيان الاولى، وهو يتلمس دربه المسرحي تحت اشراف (عزيز زهرون) وهو من الطائفة المندائية الأصيلة، التي تعتبر نواة عراقية عريقة في القدم، وحاضرة في تشكلات الوعي المعاصر في العلوم، والصناعة، والفنون والآداب. 
زهرون كان مديراً للمدرسة، ومشرفاً على حفلات التخرج في نهاية العام الدراسي. المهم في هذا ان بنيان يتذكر مشاهدته لمسرحية (مجنون ليلى)، وكيف ارتحلت قبيلة (ليلى)، وهم يتهادون في جمالهم وسط باحة المدرسة ، والعجيب في الأمر ان الطلبة الممثلين هم من شكل هذه "الجمال" في تكوينات فنية جاذبة!
كذلك يتذكر المؤثر الرئيس الثاني، هو حضوره المجالس الحسينية، واندماجه مع حكاياها الحزينة، وما ينتظر ابطالها من مآسٍ مفجعة، (جعلته شديد الحساسية من الظلم والظالمين). كزمن ، عمل (بنيان) في (شركة نفط البصرة) بهجرة اليهود من العراق في ايام حكومة (توفيق السويدي)، المرتهنة بقرارات الانجليز، حيث (توجد في البصرة جالية يهودية مهمة، لها حضورها السياسي، والاقتصادي والثقافي. فهم جزء من نسيج العراق). ذهبوا ضحية مخططات خارجية، ومؤامرات سياسية دولية. كان يقرأ (بنيان) كتباً رصينة، لكنها رخيصة الثمن تباع على الأرصفة، وفيها المؤلفة والمترجمة. وكذلك توفر عدد من المجلات المتعددية لموضوعات مسرحية في مصر والشام، من بينها الهلال، والآداب اللبنانية، وبالأخص مجلة المسرح المصرية. (وفي العقدين الستيني والسبعيني ظهرت فرق مسرحية للمثقفين في البصرة وكذلك للعمال، والطلبة (التي كانت تقدم عروضها على قاعة التربية). 
اختار الكاتب (بنيان)، موضوعات (ثيمات) ترتبط بصراعات اجتماعية، وسياسية. في مسرحية (سيرة أس) رصد شريحة من العملاء للأجنبي في شركات النفط! 
ومن بواكير مسرحياته الأخرى (الجنين الأشقر المحبوب)، التي جسدت تفاعل الفكرة، والحادثة، في بنية درامية مادية، تجمع، التاريخ مع الواقع المعاش برؤية سياسية في الغالب، لتقديم صورة عامة عن المرحلة. 
ومن بين مسرحياته الأخرى (العمة الزرقاء)، و(المانيكان) و(البندورة)، التي تعالج قضية المرأة من منطلق فني، واخلاقي يواكب حداثة فترة التسعينات المسرحية. 
هنا يعرج (الجميلي) لتحليل (البنية الدرامية) في تلك النصوص، باستعارة طروحات منظرين أجانب امثال (اريك بنتلي) وسواه، وكذلك بالاستعانة ببعض تحليلات (ياسين النصير) النظرية. فيجد ان (الثيمة) تربط اجزاء النص في وحدة عضوية، هادفة، تتكامل مع وحدة الفصل، والمكان والزمان، حيث تجتمع المتعة بالمعرفة. اما شخصيات (بنيان) فهي نماذج متناقصة في اراداتها (المتفاوتة بين القوة والضعف)، التي تعكس بنية المجتمع العراقي، وما تعيشه بعض الشخصيات من انعزال وغربة، وتهميش. وكان يحرص على ان تتبع العقدة حركة الشخصية، لا العكس، حسب (بنتلي) ليبرز صفاتها الجسمانية، والنفسية، والعقلية والخلقية على مستوى سلوكها الخاص، وتفكيرها، وطباعها. 
"نعمة" بطلة (العمة الزرقاء)، وتأتي الزرقة هنا استعارة قبيحة بمعنى الذم لا المدح!، وهي بمثابة تهمة لشخصية المرأة (نعمة) بوصفها عميلة للانجليز! وتفضح علاقتها المشبوهة مع (سيمون) ممثل الشركات النفطية الاجنبية. لذلك تنفر منها العاملات، ويقاطعها الأب، لنها تبدو شاذة في تركيب العائلة العراقية السوية. 
يوظف كذلك (الحوار) في بنية النص، بتركيز واقتصاد، وبرموز تواكب اتجاهات الصراع المتنوعة، لتعمق من دلالاتها تبعاً لمواقف الشخصيات من الاحداث. 
بالحوار الدرامي، ويتحقق ذلك التصاعد الخاص بالشخصيات والأحداث، والمعبر بلغة جذابة عن أفكار الشخصية واسلوبها في الكلام، ووقفاتها، وايقاع نطقها، لتكشف عن خباياها الداخلة، ونوعية افعالها، من خلال قيمة الحوار الفنية. فالدراما حسب (الن ستون) تعتمد شكلا تقنيا في نظامها، هو :"أنا" يخاطب و"انت" "هنا"، و"الآن".
من خلال هذه الثنائية التفاعلية، تجتمع الاثارة والاستفزاز، بردود افعال جدلية مثمرة، وصدامات درامية عبر حوار الشخصيات والانتقال من حدث الى حدث ، بمعمارية متماسكة والايحاء الى معاني مختبئة في ما وراء الكلمات. 
هنا يأتي دور (الحبكة، التي توحّد عناصر النص، بنسيجها، القائم في صدقية تتابع الاحداث، النابعة من قرارات خاصة بالشخصيات وكيفية تطبيقها، في سبيل خلق توازن ما بين (ما هية) الشخصيات، و(افعالها). 
سبق ان ربط (أرسطو) الشخصيات بالحبكة. وبعد ان انقلب التعبيريون على وحدات الزمان والمكان والفعل، فان الشخصيات والاحداث – حسب طارق العذاري – تحررت من السياق المنطقي للاحداث. وظهر البعد الفلسفي، وكذلك البعد الحياتي الغامض، تحت وطأة (الآلة) التي لا ترحم نحو المجتمع الطبقي وفي زمن العلم والتكنولوجيا الماحقة، التي باتت سببا في خلق مثل هذا التمزق الروحي، والاغتراب في المجتمعات الحديثة. 
ويأتي (الصراع) تعبيرا في الدراما لدى (بنيان) عن تقاطع الآراء وتصادم النوايا، وتناقض الوعي، والرغبات والمصالح، بين قوى عظمى، واخرى مسحوقة من خلال خلق واقع فني مسرحي، كما في مسرحية (العمة الزرقاء) المنسلخة طبقيا، والعميلة للانجليز، حيث تتمادى في اجرامها، لتقتل الأهل، والعمال، وتحرق الجميع، منذ أن وجدناها تسقي الشجرة الميتة، لتداري املها الخائب، في ما تكابده من صراع داخلي، بصلابة درامية، وفي حاضر أبدي كما يسميها (مارتن اسلن) ، هنا والآن، وليس هناك وبعدئذ الثيمة المركزية عند (بنيان) في الصراع بين المنتجين، ومن يسرق جهدهم.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

للحفاظ على «الهدنة».. تسريبات بإعلان وشيك عن موعد انسحاب القوات الأمريكية

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

العمودالثامن: حصان طروادة تحت قبة البرلمان

قناديل: أما كفاكُمْ تقطيعاً بأوصال الوردي؟

التجنيس الأدبي والاكتفاء الذاتي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram