أعاد التغيير الحكومي الذي جاء بالسيد العبادي رئيساً لمجلس الوزراء، شيئاً من الامل بإمكانية تشكيل عراقٍ تصدّع وتداعى بنيانه، وتفككت اواصر الرحمة والتكافل الوطني بين مكوناته. والأمل في ظروف بلادٍ مقهورة مستلبة الارادة، مثل بلادنا، يشكل طاقة خلاقة تستنهض الناس المغلوب على أمرهم وتدفعهم الى صنع المعجزات ومواجهة أخطر الكوارث، وتحمل أعباءٍ تفوق في حالاتٍ استثنائية طاقة البشر الأسوياء..
ويظل الانسان المشبوب بطاقة الامل مشدوداً الى ما ينطوي عليه هذا الامل من وعدٍ وتطلعٍ بتحقيق دواعيه، والاستجابة لمتطلبات حياته ورغباته الانسانية، والتجاوب مع ما يراه حقاً له في عيش كريم وكرامة محفوظة ومستقبلٍ مشرقٍ آمن. وكلٍ من الأمل وما ينبني عليه ليس مفتوحاً على زمن ممتد بلا حدودٍ ولا آماد.
فالانسان المشدود الى القيم العليا التي تتطلب التضحية والصبر، قد تنهكه مكاره الحياة، وهو يتحمل شظف العيش والتضييق على حريته وحقوقه وانتهاك حرماته، وما يراه فساداً وتجاوزاً وتعطيلاً لمسارات الحياة الطبيعية وأسباب التطور في المجتمع والشروط الانسانية للتقدم..، وهذه كلها عوامل مميتة تستنفد مصادر الأمل وتسد باب الرجاء، وتذوي معها الطاقة على الصبر، إنتظاراً للفرج والوعد الآتي، أياً كانت المُثل والقيم العليا التي تستدعيها..
وفي التاريخ القريب، إنهارت تجارب إنسانية فرّطت بتضحيات الملايين من البشر، دون أن تحقق لهم الوعد بحياة يزدهر فيها المجتمع بخيراته وحرياته وبانفتاحه على عالمٍ آخر لا مكان فيه لاستغلال الانسان للإنسان، ولا قوانين وتقاليد وعاداتٍ تُكبّل طموحاته في أن يصبح سيد خياراته. وفي مثل هذه السيرورة، فقدت الاشتراكية التي كانت حُلماً، وقد تظل هاجساً للملايين من المهمشين والجياع، القدرة على التعبئة على الصبر في لحظة مظلمة من حركة التاريخ..
وقياساً على تجارب انسانية معاصرة لا سبيل لمقارنة تضحيات العراقيين، حتى وان كان في هذا التقدير شيئاً من المبالغة، مع معاناة شعوب، وأممٍ أكلها الضيم والأسر والحروب والنهب والكوارث التي تسببت بها الانظمة الجائرة التي استبدت في التسلط عليها. وكأن العقود الاربعة التي مرت على العراقيين منذ استيلاء قطعان الحرس القومي البعثي على مقاليد السلطة في البلاد في ٨ شباط ١٩٦٣ لم تكن كافية لهم، فبات العراق الجديد الذي أشاع الامل بحكمٍ تسوده الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة على قاعدة المواطنة الحرة، مكبّاً لتجارب من نوعٍ "وطنيٍ خالص" على صبره وتحمله انتظاراً للذي يأتي ولا يأتي..!
يستطيع البعض من الحالمين بالتغيير والاصلاح أن يتكئ على أمل التحول في منعطفٍ قادمٍ تفرضه الظروف والتحديات، فيتنبه من بيده القرار الى لزوم ما يلزم في اتخاذ خطوات ملموسة وتدابير مُحكَمَةٍ، للشروع بالاصلاح وتغيير الحالة المتردية التي يرى المتشائمون أنها بلا قاع.!
لكن من لا يدرك قياس المسافة بين الامل وتبدده، لا يستطيع أن يعرف أن بينهما خطٌاً مُموهاً، هو في واقع الحال مجرد تعبير عن الوهم لا غير، فبيئة الامل قد تتلاشى وهي تسير على رمالٍ متحركة، تنعدم في تفاصيلها الخطوط البيانية والتوجهات، ولا ينفذ من متاهاتها سوى أولئك الذين لا يحبذون الخوض في المتاهات، ويستدلون وهم يخوّضون في كثبانها على ما ينبئهم به الأدلاء المجربون، وهم أصحاب القضية وضحاياها..
في أول سؤالٍ ملحٍ يواجه من وعد بالاصلاح والتغيير: هل تحققت البيئة الدافعة للتغيير..؟
وماذا عن استشراء كل ما كان في اساس الانحطاط الذي حل بالعراق طوال سنوات الانفلات والتعدي والانفراد والفساد..
أيمكن أن يستمر الأمل رافعة لاستنهاض الناس في مثل هذه البيئة..؟
وإلى متى..؟
أيكون ممكنا تحقيق الإصلاح خارج بيئة الأمل..؟
[post-views]
نشر في: 29 يونيو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
اولا ان السيد العبادي لم يغير شيئا بل اعاد العراق الى الوراء اكثر من سلفه المختار ولايوجد اي منجز لهذا الرجل لحد الان لا على صعيد القوة العسكرية ولا على صعيد المؤسسة الامنية عندما انهارت بانهيار الحكم المالكي الهش انذاك ولا اعتقد انه يستطيع اعادتها لانه