تفتتح "سو بريدو" كتابها السيري عن اوغست سترندبرغ – الذي تزامن نشره مع الذكرى المئوية لوفاته عام 1912 – مع ابتداء عرض مسرحيته الأكثر شهرة " مس جولي ". في بداية عام 1888، كان سترندبرغ، وزوجته سيري، وأطفالهما الثلاثة يقيمون في فندق في كوبنها
تفتتح "سو بريدو" كتابها السيري عن اوغست سترندبرغ – الذي تزامن نشره مع الذكرى المئوية لوفاته عام 1912 – مع ابتداء عرض مسرحيته الأكثر شهرة " مس جولي ". في بداية عام 1888، كان سترندبرغ، وزوجته سيري، وأطفالهما الثلاثة يقيمون في فندق في كوبنهاغن، لا يستطيعون دفع حسابه، من أجل افتتاح مسرحيته " الأب ". كان من بين نزلاء الفندق الكاتبة النسوية فكتوريا بينيديكتسون، التي كانت تعاني من اليأس في نهاية علاقة لها مع جورج براديس، الناقد الأدبي البارز الذي اعترف برواية سترندبرغ الأولى " الغرفة الحمراء " ( 1879 ) بكونها عملا عبقريا. في 7 كانون الثاني، توقظ إبنة سترندبرغ كارين، ذات السبعة أعوام، أباها في منتصف الليل : مرعوبة لأنها حكمت على روحها بعقوبة الخطيئة السرمدية لسهرها الى جانب سرير بينيديكتسون، التي كانت متناولة جرعة مفرطة من المورفين. وهي تتذكر هذه الحادثة في اواخر حياتها، قالت كارين : (( سوف لا أنسى أبدا التعبير الذي ارتسم على وجهه. كان مهتما جدا. لا شيء من التعاطف الإنساني أو الشفقة ظللت قسماته، فقط فضول مجرّد؛ كان مفتونا. ))
إنجاز بريدو هو إحياء إنسانية سترندبرغ. إنها تعرض هذا الخبير في تشريح العاطفة المفرطة كرجل طيب وفكه. لا تبرر التبعات الأكثر قسوة لحياته الشخصية المشوّشة تشويشا كاملا؛ بدلا من ذلك، تشير بشكل هادئ الى الألم، الذي سببه لنفسه وللآخرين، جنبا الى جنب مع إنجازاته المبدعة المدهشة ( 61 مسرحية، ثلاثة دواوين شعر، 18 رواية، تسعة أجزاء من السيرة الذاتية، بالإضافة الى رسوم، صور فوتوغرافية، تأليفات موسيقية، تجارب علمية وبحث نباتي ).
تعرّضه للعنف في البيت والمدرسة، وموت أمه المبكر، حطّما طفولة سترندبرغ. حين ترك المنزل الى جامعة اوبسالا في 1887، اعطى الأب، الذي كان حينذاك يسيطر على ثلث السفن البخارية في ستوكهولم، إبنه حفنة من السيغار وأخبره ان يعيل نفسه. (( بين الوقت والآخر، في مسرحيات ستردنبرغ وقصصه، )) تقول بريدو، (( يمكننا أن نجد شخصية تستخدم نفوذها لتقدم سيغارا لضحيتها، التي تواجه حياة ماحقة كالعاصفة. )) وإذ كان يأمل من اوبسالا أن تكون جديرة بنجومها ليناوس وسويدنبرغ، أُصيب سترندبرغ بلا شك بخيبة أمل من الطريقة التافهة (( التي كان يتصارع بها الأساتذة لنيل ترقية بواسطة الكراريس ومقالات الصحف )). بعد أن ترك الجامعة دون شهادة، حصل على وظيفة مساعد مكتبي في مكتبة ستوكهولم الملكية، حيث عثر صدفة على " إنجيل الشيطان "، المليء بالتعويذات والرقى السحرية، والمكتوب على 300 ورق بردي، كل منها جلد حمار كامل. وجد الخيمياء والسحر الأسود مغريان لبقية حياته.
سيري، كانت الإبنة الوحيدة للبارون الفنلندي راينهولد فان أسن. كانت أكبر عمرا من سترندبرغ بسنتين، ثرية، وعندما إلتقيا كانت متزوجة وأم لطفلة تبلغ السنتين من العمر. ساعيا وراءها بالقصائد، الرسائل، التهديد بالإنتحار والوعود بمهنة التمثيل، أقنعها بالتخلي عن طفلتها، زوجها، معظم ثروتها ومكانتها الإجتماعية في سبيله، في أقل من عام. كان ستردنبرغ، في الغالب، متهم بكره النساء. وبريدو كانت حذرة في مناقشة هذه التهمة فأبدلتها بوصف أكثر دقة، وإن أقل إثارة، لمواقفه أزاء زوجاته وعشيقاته. كان في الأصل يريد لسيري ان تحظى بالمهنة التي حلمت بها. وكان مستعدا لرعاية أطفالهما حين ذهبت الى فنلندا لممارسة التمثيل. في كتابه " متزوج "، يعرض بيانا نسويا عنى حقوق المرأة. لكن زواجهما نفسه إنتهى به الى طرح سيري على الأرض موجها لها اللكمات بقبضتيه امام أنظار الأطفال. شاعرا بنفسه (( مهتاجا حتى آخر عرق في خصيتيّ، )) أخذ معه الطبيب الى الماخور كي يمكن قياس طول قضيبه في حالة الإنتصاب ( 16 × 4 سنتيم )، ثم طلب من واحدة من البغايا أن تقدّر إنجازه (( المشرّف تماما )).
زواجه الثاني من (فريداول)، صحفية أصغر منه بأربعة وعشرين سنة، كان كارثة أكبر. بعد ولادة إبنتهما، وعندما أرادت زوجته استئناف مسيرتها المهنية، اعلن سترندبرغ أن صحافتها بلا نفع. في باريس، أصبح صديقا لغوغان، وتلاحظ بريدو التشابهات في الرسائل التي كتباها الى زوجاتهما السابقات أو المهجورات، ويشرحان فيها إنهما لا يستطيعان إرسال نقود لإعالة ذريتهما. كان غوغان يعزف على الماندولين، وستردنبرغ على الغيتار، وكانا يخططان لميوزيكال عن بحر الجنوب التي لم تسفر عن شيء. زواجه الثالث الفاشل، كان مع هارييت بوس، ممثلة شابة. حاول أن يلغي شهر العسل كي يمكنه العمل.
حين التقى جورج برنارد شو سترندبرغ، كان مندهشا تماما : (( لا أحد يمكنه تخيل أنه كان الصديق الحميم لواحدة من تلك الأُسَر التي كان يضعها على خشبة المسرح. )) كتاب بريدو الممتع عقليا تجعل من هذا شيئا ممكن تصديقه بالكامل. قالت فريدا، عندما سئلت إن كانت نادمة على زواجها من ستردنبرغ، (( من خلاله، ارتقت حياتي التافهة الى أعلى نجم. سأتزوجه ثانية من دون لحظة تفكير أو تردد. )) هذا، أيضا، ممكن تصديقه.
ترك سترندبرغ تأثيرا محببا بعيدا عن حلقته من العائلة والأصدقاء. عند نهاية حياته، كان له منزلة أشبه بالأسطورة في ستوكهولم. تعبيرا عن غضبهم لعدم منحه جائزة نوبل، ساهم أكثر من عشرين الف شخص من محبيه، أكثر من نصفهم مفقرين، في صندوق إعانة عام وأعطي جائزة مضادة لنوبل تبلغ قيمتها خمسين ألف كرونه. وهبها كلها تقريبا الى المؤسسات الخيرية. مشى وراء نعشه أكثر من عشرة آلاف شخص. في اليوم التالي، كان قبره مخرّبا.
عن: صحيفة الغارديان