لو كنا نملك مراكز بحثية عراقية لأعلمتنا بان مدينة البصرة أكثر محافظات العراق استهلاكا لمساحيق الغسيل والصابون والشامبوات ومكيفات الشعر والكلور لا لأن السكان فيها أكثر حرصا على النظافة إنما لأن ماءهم المالح يستنزف صحة اجسادهم مثلما يستنزف منذ عقود جيوبهم. وقد خابت الظنون والدعوات والمناشدات كلها في حلِّ أزمتهم التي باتت تعاودهم في الاشهر اللاهبة من كل عام. حيث تشير التقارير التي تكتبها الدوائر التابعة لوزارة الري إلى أن نسبة الملوحة ارتفعت في مياه شط العرب إلى أعلى نسبة لها وقد دفعها المد الملحي لتدخل أنهر قضاءي ابي الخصيب وشط العرب اللذين لا يبعدان عن مركز المدينة سوى 10 كم، بعد أن توغل في مدخل الشط عند نقطة راس البيشة بالفاو مرورا بالسيبة وسيحان وهو آخذ باندفاعه المتعجل وسيصل الكرمة، شمال العشار حال اكتمال ليلة النصف من شعبان، لأن الريح ستكون شرقية آنذاك، حيث سيبلغ المدُّ أعلى مستوى له.
منذ عقود وعقود والبصريون يتوسلون الصابون ان يكون أسهل وأسرع رغوة على رؤوسهم واجسادهم، ومنذ عقود وعقود وأنفسهم تذهب حسرات على تذوق طعم الماء من صنابيرها في بيوتهم، وهم يستهلكون من حلفاء المبردات اكثر من أي مدينة عراقية أخرى، وهم يستبدلون صنابير المياه مرة كل سنة لأنها تتآكل بفعل الملح، وبيوتهم اكثر بيوت الارض رطوبة، ومرضى الكلى في البصرة هم الأكثر في عموم العراق، وهم الاكثر استهلاكا للأشجار فهم يتبضعون الحمضيات والفاكهة والورود بأنواعها لكنها ما ان تلامسها قطرات مائهم سرعان ما تموت. وبعد فأجساد موتاهم هي الاكثر تفسخا على الطريق بين بغداد والنجف، ذلك لأنها تذوي وتتفتت بفعل الماء العفن المالح الذي استهلكته فهي تنخر وتبيد قبل أن يتسلهما الدود والنمل. اللهم أشهد أني لم أقل أن الروائح الكريهة تبعث منها ذلك لأنها محروقة بالشمس ومملحة.
في كل عام نعاود الحديث عن قضية ارتفاع المد الملحي في شط العرب، وفي كل مناسبة يتحدث مسؤولو المدينة عن معالجات أو عن قرب إيجاد الحلول النهائية لمعاناة السكان، لكن، ما ان تنقضي أشهر التاسع والعاشر حتى يبدأ منسوب الملح بالانخفاض فتصمت الافواه ويُنسى الموضوع. هذه المدينة التي تضطرب في كل شيء، ويلعلع الرصاص بين عشائرها في مناسبة أو دون مناسبة، وتعثر الشرطة على جثث البعض من أبنائها مرمية في أقاصي التراب، أو قريبا من نقاط الحدود، ويلتهم الصمت شكاوى اهليها، فيما يبلغ عدد صادراتها من النفط وحدها قرابة الـ 2 مليون برميل يوميا، وتبلغ عائدات موانئها ومنافذها الحدودية ملايين الدولارات شهريا، وتعمل على تغذية الاقتصاد العراقي كله ومنها يأخذ العراقيون اجمعهم، من كان ولاؤه للعراق ومن لم يكن ايضاً. لكن حالها لم يتغير. أفي اللغة من الشكوى ما هو أبلغ من ذلك؟
عشرات الشركات الاجنبية والمحلية تحدثت عن تنظيف مجرى شط العرب، وعشرات المقترحات قدمت لإيجاد الحل للارتفاع السنوي في ملوحة ماء شط العرب جراء اندفاع المد الملحي، الذي بات زائرا سنويا. وتحدث عباقرة الري والزراعة وجهابذة مجلس المحافظة، ولمثل ذلك أقيمت الندوات والبرامج وبمشاركات من جامعات وتنسيق مع الامم المتحدة وتفتقت وتقرحت ايضا ذهنيات مهندسي الاستشارة في ديوان المحافظة عن حكم ولألئ ودرر تناثرت أفكارا ومعالجات ووضع فلان الفلاني، المحاضر الفلتة، الرسومات والتخطيطات على الداتشو مستعرضا مسير الماء من دجلة والفرات مرورا بشط العرب فأقام- على الورق طبعا- جسرا وقناة وسايفونا ومرر بالأزرق والاحمر الماء الحلو العذب الفرات- على الورق طبعا- رقراقاً حتى دخل البيوت والبساتين- على الورق طبعا-
لكن شيئا من ذلك لم يتحقق!! من يدخل مبنى الحكم المحلي في البصرة لا يجد حكومة بالمعنى الحرفي إنما سوق جمعة، ولكي لا أبخس حقها في شيء، أدعو كل من يجد في نفسه العقل ان يدلني على مشروع واحد صحيح. ترى إذا كانت الحكومة وبعد مضي 12 سنة غير قادرة على تأمين الماء الصالح للغسل والشرب و عاجزة عن تأمين الكهرباء ولم تفعل مشروعا واحدا خاصا بشبكة المجاري والصرف الصحي والطرق والسكن والصحة والتعليم. لعد شنو شغلها بربكم؟
يعني واحد شيريد يكول أكثر من هذا بعد؟؟؟
يعني الواحد شيريد يكَول بعد؟
[post-views]
نشر في: 30 يونيو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...