يحاول أصدقاء مخلصون، لا شك في اخلاصهم وسويتهم الثقافية والوطنية، الاسهام في تقديم مقترحاتٍ لبرامج وأفكار سياسية واجتماعية وترفيهية، تُمكّن قناة "المدى" الفضائية من إشهار شاشتها في كل بيت ومنتدى. وفيما يُقَدم من أفكار وبرامج منوعة إبتكاراتٍ مغرية، قد تكون جاذبة وملفتة لاوساط كثيرة بين الشباب والفِتية، وربما بين ربات البيوت أيضاً، وهي لا تتعارض من حيث الجوهر مع هوية المدى وقناتها. غير انها في غالبيتها لا تعكس " نبضاً " لناسٍ ترى "المدى" نجاحها في مدى اقترابها من نبضهم ومن وهواجسهم وتجلياتهم الانسانية الحميمة.
ومع أن حياة العراقيين المكروبة، المغموسة كل ساعة وعلى مدار الليل والنهار بالعذابات وما تفجره في قلوبهم من اللوعة والحسرات، والقليل من الامل في المرتجى، فان مساحة الفرح المُلتمّة في قلوبهم قد لا تتكدر بمشاهد من ضيمٍ يثير الشجن في ظرفٍ اعتيادي، ومجتمعاتٍ تراجعت من قواميسها اليومية مفردات النهب العام بالملايين والمليارات، ومظاهر الفساد والانتهاكات والرثاثة الدونية، مثل آلاف النساء المرميات على قارعة الطريق وفي زوايا الارصفة مع صِبية في عمر الورود، ساقهن الارهاب والتهجير القسري بعيداً عن ديارهن، ليطاردن من يجور على نفسه بتقديم عون زهيد.
فالمشاهد اليومية لانتهاك إنسانية "عراقيتنا" ونحن رعايا دولة هي نفسها مُنتَهَكة، منعدمة الصلاحية، بات رؤيا عادية كما الموت نفسه، وكما القتل على الهوية، وكما الاستشهاد في مواجهة الارهاب المنفلت من عقاله باسم الدين والمذهب.
فكيف في مشهد سيدة جليلةٍ بين المشاهد يختزل كل فجيعتنا، ويكشف ببضعة كلمات الخزي الذي يتجسد في اللوحة السياسية التي يتصدرها أمراء التطاحن الطائفي، لصوص خزائن البلاد، المتلفعين بالبرّ الزائف والتقوى المنافقة..
ليس تجنياً أن نعرض واقع حالنا في هذا العراق بالقول إن بضعة ملايين من فقرائه ينامون جياعاً او أقرب الى الفاقة والاملاق في بيوت من الصفيح أو على مقربة من مكبّات النفايات، وقد لا يكون للبعض منهم حتى مثل هذه الملاجئ يتفيّأون بها. التجني الكافر هو في هذا الاعتياد على هذه الحقيقة والمرور عليها كما لو انها قدرنا، ونحن نتعايش مع نقيضها والسبب الذي يعيد انتاجها كل لحظة، وتصبح هي الاخرى مظهراً عادياً، وتعبيراً عرضياً لما آلت اليه آمالنا في العراق الجديد، وما وعد به..
التجني الكافر بات متجسداً في مشهد الفقر والفاقة والعوز وبيوت الصفيح، وهو يتجاور مع الرشوة والنهب والفساد، دون أن يتحول الاحتجاج عليه والغضب حيال أوليائه الى نهوضٍ يغسل عارنا الذي يتلفع بالصبر المستكين..!
في واحدة من أهم المشاهد الرحيمة، تابعت وقد تدفقت مشاعري بكاءً ، إمرأة خمسينية تبيع تمراً في احدى الزوايا المهملة في سوقٍ شعبي.
كانت المفاجأة صاعقة وهي تجيب عن سؤال هند مقدمة برنامج "شكد بجيبك" عما في جيبها لتلعب على حظها في البرنامج، كان جوابها انها تريد رزقاً حلالاً وليس اللعب على الحظ.!
حاولت هند ان تفسر لها انها تريد أن تطرح عليها سؤالاً بسيطاً فإن أجابت تَكسِبْ! . عادت لتقول: يكفيني الرزق الحلال.
وحين طرحت المذيعة هند السؤال عليها امعاناً منها لعلها تستجيب فتكسب ما يعينها على يومها، قالت بإباء: لا أعرف الجواب..
جاءها الجواب من الحضور، ولفتت هند انتباهها الى ان الجمهور ساعدها بالجواب الصحيح. عادت أم العراقيين وفخرهم: انا لا اعرف الجواب ولا اريد ان اسمعه، ويكفيني الرزق الحلال..!
أيكفي أن أبكي..
أيكفي أن نبكي جميعاً..
أيجوز ان تكون أحاسيسنا قد تبلدت الى هذا الحد اللاانساني..
ياللعار..
أنحن في رمضان..!؟
المرأة التي أبكتني، وذكّرتْني بكرامتنا المنتهكة..
[post-views]
نشر في: 1 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
ابو سجاد
العار فينا نحن الشعب ليس هناك شعبا حرا ابيا يبقى صامتا دون ان يحرك ساكنا حين يرى بام عينيه وطنه ينهار وامواله تسرق وتنتهك حرماته ويدنس عرضه وعندما يرى الحرة تختصب و تباع في سوق الرقيق حقيقتا انه شعب ميت ولايستحق الحياة الا ان ينتفض ويغسل عاره بمحاسبة كل ا