في أيام دراستي العليا ببريطانيا انتبهت الى أن الطلبة السودانيين كانوا أكثر منا هدوءاً وجرأة. كنا مجموعة تتشكل من أغلب الدول العربية تقريبا. ذات يوم سألت آدم السوداني ذا العينين الزرقاوين والبشرة البيضاء: أنتم الوحيدون بيننا تجمعكم المحبة، اما نحن العراقيين، فيخاف بعضنا البعض. رد عليَّ: لأننا أحرار في دواخلنا، وهل نحن عبيد؟ ضحك مؤكدا انه لم يقصد ذلك وان جوابي هو أسّ مشكلتنا: دائما نتهم الآخر. بالمناسبة عرفت من آدم ان هناك قبائل سودانية بشرتها تنافس الأوروبيين بياضاً وشقرة.
كانت صديقتي وزميلتي بالدراسة المخرجة المسرحية نعمات حمّاد تحمل فكراً وعقلا وروحاً من نوع آخر. من أين أتتكِ هذه الروح يا أمّ طارق؟ اجابت، مثل آدم، ربما لأنني سودانية والسوداني حر بطبعه. هذا تعصب يا نعمات؟ سمّه ما شئت وها انت ترانا. كنا في لحظتها في المكتبة وكان مدير المكتبة يحترمها. شكوتها له مازحاً: نعمات مغرورة. استغرب ونفى عنها التهمة. وبعد ان شرحت له السبب قال لي: نعم لأنها أفريقية! وإذا؟ رد عليَّ ان للمكان دورا كبيرا في بناء ذهنية الفرد. انها الجغرافيا يا صديقي.
عادت امامي صورة ذلك النقاش وانا أرى اليوم الفرق في ردة فعل الانسان العربي الافريقي عن "أخيه" الآسيوي حول قبول أسلمة الدولة او رفضها. بتعبير آخر، صار يحيرني فشل الأحزاب السياسية الإسلامية في الحكم أفريقياً ونجاحها آسيوياً. الشعب في مصر وتونس أسقط حكومتي الاخوان، بينما ظلت الأحزاب الإسلاموية في إيران والعراق وتركيا، لا أحد يقول لكرسيها على عينك حاجب. الظاهرة جعلت الـ "ليش؟ " ترن برأسي.
خطر ببالي ان دول أفريقيا العربية، باستثناء ليبيا، ليست دولا ريعية، أي ان الدولة تحتاج من المواطن ان يمولها مادياً وليس العكس كما ترون حالنا بالعراق. ولأنها ليست ريعية صار الانسان فيها غالياً على دولته وليس رخيصاً. ربما يفسر هذا عدم مبالاة دولتنا بالأعداد الهائلة من قتلانا بينما تنقلب الدنيا بمصر، كمثال، لو قُتل بها مواطن واحد. لحم غالي ولحم رخيص. ليبيا مثلنا دولة ريعية لذلك صارت مثالا للنظام القمعي والشمولي في أفريقيا.
جاهرت برأيي هذا أمام صديقتي، وهي كاتبة عراقية، فصدمتني بمعلومة ما كنت أعرفها. قالت: هل تعلم أن جميع الدول العربية في افريقيا قد وقّعت على الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئين، عدا ليبيا، بينما لم توقِّع دولة عربية آسيوية عليه عدا اليمن؟ واليمن ليست دولة ريعية كما تعلمون. سبحان الله !
لحم غالي .. ولحم رخيص
[post-views]
نشر في: 4 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
الشمري فاروق
انه النفط مستعبد الشعوب....الاخ العزيز هاشم العقابي.... هل قرأت كتاب الدكتور سليم الوردي..المعنون..( الاستبداد النفطي) ستجد فيه الكثير عن دور الحكومات النفطيه..انها ليست نفطيه بل(نفظيه)