TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نهاية الانبطاح وخطر الفراغ

نهاية الانبطاح وخطر الفراغ

نشر في: 4 يوليو, 2015: 09:01 م

صمت المعتدلين الذين اقصد بهم انصار الاصلاح السياسي بمفهومه العام، سيتحول الى سبب لاستبدال مجموعة الاصطلاحات التي نستخدمها في وصف لعبة السياسة العراقية.
قبل سنة من الان كان صوت المعتدلين عاليا. ونجحوا في وضع ورقة اتفاق سياسي مدعوم بالمبررات الكافية. ولقد كان مشروع الاصلاح جادا الى درجة ان فريق المتشددين اطلق حملة مدوية وفاعلة ومنسقة ومؤثرة، ضد الاصلاحات مستخدما تعبير "الانبطاح والمنبطحين" في الاعتراض على المصالحات والتسويات والتنازلات المتبادلة.
لكن كل مسار اصلاحي يتعرض الى الانكفاء منذ بضعة اسابيع، حتى ان اي رد فعل كبير ازاء احداث كبيرة مثل سقوط الرمادي بيد داعش، لم يحصل، لا رسميا ولا شعبيا ولا عسكريا، وهذا مؤشر على درجة البرود والجمود والسكون الذي يعتري الامة باسرها.
ولذلك توقف فريق التشدد عن ادامة حملته المضادة للانبطاح والاصلاح، لان "الانبطاح" متوقف اصلا.
وقد توقفت اشياء كثيرة في الواقع طوال هذه الفترة. اذ ان مطالبات القوى الوطنية الاخرى بالاصلاحات توقفت هي الاخرى عن المطالبة بشيء.
القوى السنية مثلا لم يعد لديها ما تقوله في ملفات مهمة. شخصيا لم ار حراكا سنيا منسقا بشان ديالى ومحافظها، ولا نينوى ومحافظها، كما انهم لم ينجحوا في الاخذ بزمام اي مبادرة فاعلة لتحرير الرمادي والموصل. وهناك تأجيل لقضايا كبيرة في هذا الاطار، هو تاجيل غير مفهوم.
القوى الكردية منشغلة بوضعها الداخلي هي الاخرى، وسوى اشياء تتعلق بالاتفاق النفطي، فلم تكن هناك اي مبادرة كردستانية واضحة لتحريك الحوار الداخلي، او لتشجيع التطبيع الاقليمي، كما كان يحصل في عهد مام جلال مثلا.
وقل مثل هذا عن باقي القوى الوطنية التي تظهر بمظهر من استسلم لما يجري، بنحو سلبي. وعلامات هذه السلبية كثيرة. اولها ان كل الرئاسات فشلت في تنظيم لقاء على مستوى قادة المجموعات السياسية الاساسية، يمثل رمزيا رغبة حوار. وهذا استسلام واضح من صانعي السياسة، واشارة لنا بعدم جدوى اللقاء، او اننا فهمنا الامر كذلك ونحتاج توضيحا في لحظة الحريق الكبير!
وثاني علامات الاستسلام السلبي لما يجري، هو ان "فراغ العقلانية" يجري ملؤه بمقترحات حل تنتمي الى "الفوضوية السياسية". فهذا يطالب بالغاء مجالس المحافظات، وذاك يطالب بالغاء البرلمان، وغيره يطالب بالغاء الجيش، ومجمل الصورة يجعل المرء يشعر بانه يعيش في حروب اوربا القرن الثامن عشر، التي ازدهر فيها الجنون السياسي والكفر بالدولة والقناعة بعدم جدوى اي شيء.
لقد انتهى الانبطاح والاصلاح عمليا، رغم امال بانعاش المصلحين والمنبطحين لتاهيل بلادنا للحظة تصالح مع النفس تخرجها من ازمة الاقتتال الداخلي الطاحنة. لكن كل ما نقوله لن يلغي السؤال الكبير: ايتها الاحزاب والحركات التي كانت تناصر الاصلاح والتغيير، نحن نعلم ان حملات السيدة الفتلاوي وجماعتها، لم تؤد الى اخافتكم واجباركم على الصمت. لكن بالله عليكم لماذا هذا التأجيل للاتفاقات الكبيرة التي كان العبادي وحلفاؤه يعتبرونها "اساسا في النصر على داعش" ثم اصبحت اليوم جزءا من خزانة النسيان؟ هل فيكم من يصارحنا بسر "توقف السياسة" في هذه البلاد؟ ام انكم تعلمون السر كما نعلمه نحن، لكن كلانا لا يجرؤ على البوح، او لم يعد يجد جدوى من البوح؟
لقد توقفت السياسة عند صدام حسين فقام بغزو جيرانه. وقد توقفت السياسة عند نوري المالكي فبقي بلا حلفاء ووجد نفسه منسحبا من كل مكان وفاسحا المجال لداعش وانتكاستنا الكبرى. وها هي السياسة تتوقف اليوم للمرة الالف، ولابد للفراغ الذي تتركه، ان يمتلئ بكارثة جديدة لا سمح الله.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. د شيرزاد

    مايقولوه سرمد هو انعكاس لواقع موءلم في العراق وربما كل هذا الهدوء الذي ذكره الاستاذ سرمد هو هدوء ما قبل العاصفة الهوجاء. اي مراقب سياسي يرى مايحدث ولكن على ألطريقه العراقيه لا يريدون مواجه الحقيقه. لا تحتاج الى ذكاء خارق لترى ان القوى الشيعيه المواجله ع

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

 علي حسين ما أن خرج الفريق عبد الوهاب الساعدي ليتحدث إلى احدى القنوات الفضائية ، حتى اطلق بعض " المحلللين " مدفعيته تجاه الرجل ، لصناعة صورة شيطانية له ، الأمر الذي دفع...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

مثلث المشرق: سوريا ومستقبل الأقليات بين لبنان والعراق

سعد سلوم على مدار عقود، انتقلنا من توصيف إلى آخر: من "البلقنة" في سياق الصراعات البلقانية، إلى "لبننة" العراق بعد التغيير السياسي في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، وصولًا إلى الحديث اليوم عن "عرقنة"...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram