لعل البعض منا يتساءل : هل تنتهي ظاهرة العبد والسيد في العصر الحديث الذي نعيش سنينه الآن ؟ أم مازلنا نلحظ كيف تتطور ابعادها وتمتد في آفاق جديدة غير متوقعة ؟ ولقد رحنا نراها تتجسد في صيغ متعددة , لو تاملناها في الواقع اليومي سندرك الكثير من اشكالها الم
لعل البعض منا يتساءل : هل تنتهي ظاهرة العبد والسيد في العصر الحديث الذي نعيش سنينه الآن ؟ أم مازلنا نلحظ كيف تتطور ابعادها وتمتد في آفاق جديدة غير متوقعة ؟ ولقد رحنا نراها تتجسد في صيغ متعددة , لو تاملناها في الواقع اليومي سندرك الكثير من اشكالها المختلفة .. والحاجة او الملكية المادية هي التي تحدد طرفي الصراع / العبد وحاجته للسيد الذي في الزمن الأوروبي القديم كان العبد يعتبر جزءاً من الملكية الشخصية للسيد , وحتى في زمن صعود الاقطاع في العراق فإننا وجدنا هذه الاطروحة او الحالة تبرز الى السطح رغم مجيء قانون رقم ( 80 ) ثمانون الذي شرع بعد ثورة 1958 لغرض تنفيذ مقررات وبنود الاصلاح الزراعي , وهو في حقيقته محاوله لتخليص جماهير الفلاحين من عبودية الارض ومالكها الذي هو شخص الاقطاعي المتمرس بالاستيلاء ولو بالقوة على حقوق الفلاحين , لكننا وجدنا استفحال قضية الاقطاع كسيد قد عادت الى السطح في السنوات الاخيره . لقد عجزت منظمة حقوق الانسان عن تدارك حالات الظلم والقسوة وغمط حقوق العاملين في الحقول التي تتطلب استخدام المزيد من الايدي العاملة , عجزت عن تخليص الكثير من المظلومين سواء من النساء او من الرجال وحتى الاطفال , واليوم تغير الحال وامتد طغيان الأسياد على العباد .!! وليس كحالة التباين المادي والمعيشي في العراق بين من اصبح يملك كل شيء وبين من لا يملك شيئا قط ـــــ بين الذين اصيبوا بالتخمة وبين من ظل يبحث في صناديق القمامة لكي يأكل .. وقلنا ان من يحدد مركز السيد ووضع العبد هي الحاجه المادية اولا وربما تلعب المعتقدات الدينية والاجتماعية كحالة رضوخ قسري لدى العبد راضيا في استمراره كعبد وعدم الثورة على وضعه العام . وعلينا ان نعلم ان هذه القضية تتوغل جذورها بعيدا حتى اقدم العصور الغابرة جدا والتي يطلق عليها المؤرخون بالعصور السحيقة ..
يقينا يتذكر العديد منا ذلك الصراع الاسطوري الذي حدث في مجمع الآلهة ( اسطورة الخلق البابلية مثلا ) كان دافع الصراع هو البحث عن مخلوق يقوم على خدمة الاسياد من الالهة الكبار، ومن الطريف ان هذا المخلوق جاء على هيئة انسان مستلب الارادة ازاء سطوة الالهة الجبابرة / العتاة الذين جعلوه لا حول له ولا قوه ــــ انا هنا لا أتحدث عن تورط أبينا آدم بشجرة المعرفة وتناوله التفاحة بتشجيع من أمّنا الذكية والحساسة حواء الجميلة كما يصورها الرسام القديم او اللوحات التي شاهدناها من قبل عبر الرسوم العالمية ـــــ موضوعي يخص الانسان ومجمع الالهة / والاخير عبارة عن برلمان يتصف بروح المافيا او التكتل المنفعي وهو في حقيقته تضامني محصور في اهدافه بين الالهة في المنفعه فقط , ومجمع الالهة لا يدخله الا من تقوم الالهة او العشيرة اذا جاز لنا ذلك , من تزكيته للاشتراك في المنافع ,وكما هو حال المتقاعسين والفاشلين عن تأدية الواجب المناط بهم , فإننا لن نفاجأ بما يرتكبه هذا المجمع وما يتخذه من قرارات بشأن الرعيه بل نرى ان الرعية تفعل صاغرة لكل ما يتخذه من مقترحات بالطبع سوف تصب في صالحه هو, وتلك خاصية كل تجمع او كتله , ولأن ما هو أدبي ومعرفي يهمنا اكثر من الواقعي المجرد فإنني اوردت حكاية الهة بابل في قصة الخلق التي اوردتها الدساتير والكتب القديمة وسأذكركم بما اتخذته (تيامات) من موقف صلب وعنيف ضد هذا المخلوق الطارئ الذي اطلق عليه بالانسان .. تيامات هي اول صيحة رفض (لأية حقوق يمكن ان تعود لهذا الكائن الذي اطلقته الالهة في فضائها الرحب ثم انسنته) دارت في البرية ضد الانسان والذي حاول مجمع الالهة اعطاءه مكانة تسعفه في حياته القادمة وهل كخدمة الالهة توجد حظوة ومكانة اخرى ؟ كلامي هنا عن اعتراض تيامات على اعطاء مجمع الالهة قيمة اعتبارية او مادية ملموسة لهذا المخلوق الذي لا يشبه الالهة بشيء ولا الاشباح الذين يسرحون ويمرحون في العالم السفلي , اذاً يشبه من هذا الذي اطلقت عليه الالهه بالانسان ؟ في تصوري انه يشبه نفسه وينبغي له ان يعرف هذه النفس عن قرب بل عليه ان يعرفها عن دراية وعلم والا يترك الاخرين يعبثون به وبقيمه النادرة والثمينة ولأن الالهة تيامات الرافضة ( وهي من الالهة وكذلك من الأسياد ) اعطاء الانسان تلك الاهمية التي تفضل بها عليه مجمع الالهة تدرك ما تنطوي عليه روح الانسان من طموح وتحقيق رغبات واحلام كثيرة , سيعمل على تنفيذها كل يوم , فقد شكلت تيامات حلفا , مع من يتساوق ويتماهى مع نزعتها القاسية على تدمير الانسان وانهاء حياته الفانية ولكن الالهة تيامات شنت حربها المسعورة ضد الانسان احتقارا منها له وتجاوزا لوجوده على الارض , ولعل من ابرز الفلاسفة والمفكرين الذين اهتموا بمقولة العبد والسيد هو البير كامو الفرنسي في احد كتبه / الانسان المتمرد او كتاب السقطة ، لكن كامو تحدث بصورة مغايرة لطرح احدى الفلسفات العالمية الشهيرة الا وهي الماركسية التي ادخلت هذه الاطروحة في جدلها التاريخي .. لكن الانسان منذ ذلك العهد البعيد الغور في التاريخ حتى اليوم وهو يعاني من ظلم اسياده او اولياء نعمته .. اقول منذ ذلك العهد القديم وحتى اليوم والانسان يصارع ويقاوم احدى اخطر بوابات محوه ودحره وتصفية الحساب مع اي تطلع يريد له ان يرفع من شأن وجوده القوي, ولولا احساس الناس بالغبن والتهميش غير المنطقي في الكثير من الاحيان لما قامت الانتفاضات والاحتجاجات العارمة والثورات الحاسمة في عصرنا الحديث تحديدا ..
يلازمني اعتقاد مطرد ان كل اساطير العالم متشابهة واغلبها ينحى باللائمه على تجني الالهة وجبروتهم غير المبرر ضد الانسان وان اختلفت اساطير العالم ببعض تسمياتها او اسماء الاماكن والشخوص وبعض النتائج , الا انها صراحة تتجانس في الصراع في ما بينها دائما ومن تتهيأ له فرصة الاطلاع على عدد من الاساطير سوف يدرك ان الهم الانساني موحد ضد الطغيان والجبروت واننا لا نختلف عن غيرنا في اتخاذنا الموقف الصعب من قوى الشر والطغيان , ان الشعور بالحيف والظلم لدى الانسان اين ما كان يظل موحدا رغم اختلاف اللغات والهيئات والتوجه نحو الحياة اليوميه بكل مشاربها وصنوف عيشها المتباينه .. نعم ستظل الالهة منشغلة بتأسيس عالمها وتنقية حياتها وزيادة ثروتها ,بعيدا عن هذا المخلوق الذي لا يكف يطلب المزيد من المكاسب والامتيازات كلما نال حظوة او اخذ قسطا او جزءاً من حقوقه وحريته فان الرفض والازدراء ينبغي ان يكون من نصيبه حسب ما تراه الالهة , وسيظل هكذا هو الحال حتى قيام الساعه مالم يجد وسيلة رادعه ومناسبة لخلاصه من اسياده الجبابرة العتاة , ولكن كيف ؟ ذلك هو السؤال وتلك هي القضية!.