استطاعت المخرجة العراقية المغتربة عايدة تشليبفر من ايصال صورة متكاملة وواضحة عن العنف والقسوة التي مارستها عصابات داعش مع مسيحيي الموصل بعد اجتياحهم للمدينة وانسحاب الجيش والقوات الامنية العراقية منها ، من خلال عرض فيلمها "نون" في مهرجان وهران الدولي
استطاعت المخرجة العراقية المغتربة عايدة تشليبفر من ايصال صورة متكاملة وواضحة عن العنف والقسوة التي مارستها عصابات داعش مع مسيحيي الموصل بعد اجتياحهم للمدينة وانسحاب الجيش والقوات الامنية العراقية منها ، من خلال عرض فيلمها "نون" في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي . حيث وفر عرضه فرصة للمشاهد العربي عموما وجمهور المهرجان خصوصا لمشاهدة ما فعلته داعش في نينوى من اعتداءات بشعة بحق الأهالي عموما والمسيحيين خصوصا .
(نون) هو عنوان الفيلم وهو حرف ارتأت عصابة داعش اختياره كرمز يرمز الى بيوت المسيحين التي تم الاستيلاء عليها واصبحت ضمن ممتلكات الدولة الاسلامية . نون هو الحرف الاول من كلمة "نصارى" وهو اسم لم يتعود العراقيون على اطلاقه على المسيحين من شعبهم / بل يسمونهم مسيحيين فقط .
دلالة العنوان واضحة ، وكان من الذكاء اختياره كمدخل لثيمة الفيلم التي تجاوزت حدود الاستيلاء على بيوت المسيحيين فقط بل قتلهم وتشريدهم وإجبار البعض منهم على دخول الاسلام مرغمين، ودفع الجزية لمن يمتنع .
لم تكتف عايدة بالوثائق الفلمية التي توفرت لها ولا بالمقابلات التي اجرتها مع عدد من الاشخاص ، راعي الكنيسة المسيحية ، او بعض الشهود ، من المهجرين او من مسيحيي مدن اخرى تحدثوا عن الرابط الاجتماعي والاخلاقي الذي كان يربطهم بإخوانهم مسلمي العراق . بل ذهبت الى مخيمات النازحين ، لتكشف عمق المأساة ، شهادات من اناس عاشوا المأساة كاملة ، ومازالوا ، فالعيش في المخيمات بعيدا عن ارضهم وبيوتهم هو عين المأساة .
كاميرا المخرجة عايدة تنقلت في العديد من مخيمات اللاجئين والمهجرين ، متحركة بعفوية تشبه عفوية طرح الناس لقضيتهم ، فالكل يتحدث على سجيته ، عدا البعض الذي كان اللقاء معه معد مسبقا ، لذلك كان حديثهم ينم عن دراية وتحليل لأسباب ما جرى وطرح الحلول .
كذلك كان بالإمكان اخذ اراء مواطنين عراقيين من غير المسيحيين ، لأن الهدف هو فضح جرائم التنظيم ، والاتفاق على مدى القبح والعنف الذي تمارسه داعش يزيد من تحقيق الوصول الى هذا الهدف.
الغاية من فيلم نون هي الوصول لهدف محدد هو فضح عصابات داعش وادعائها الاسلام من خلال عرض صور ومشاهد تؤكد همجية هذا التنظيم ، لأنه لا يعترف بما ورد من آيات قرآنية واحاديث نبوية ، تؤكد على احترام الديانات الاخرى ، خصوصا جملة "لا إكراه في الدين" وهذا نابع من مرجعية هذا التنظيم التي تكفر كافة الفرق الاسلامية الاخرى ، فكيف الحال بمن يعتنق ديانة غير الاسلام اصلا.
نجحت عايدة تشليبفر في بلوغ هذا الهدف الى حد ما ، وكان بالإمكان التوسع في طرح جرائم هذا التنظيم من خلال التطرق الى الخراب الذي سببه للكثير من المناطق الاخرى ، كالتفجيرات التي وقعت في العديد من المدن وخصوصا بغداد ، حيث تطرقت فقط الى الهجوم الاجرامي الذي شنته القاعدة في حينها قبل ولادة داعش على كنيسة النجاة وسط بغداد ، وكان بالإمكان عرض بعض التفجيرات التي حدثت قريبا من المكان وعلى ايدي نفس العصابات ، حتى يكون هناك توازن في الطرح ، لان هذا التنظيم الارهابي لا يستهدف المسيحيين فقط وان طالهم الكثير منه .
تختتم عايدة تشلبيفر فلمها (نون) بلقاءات مع اطفال مسيحيين من داخل مخيمات النزوح ، شهادات عفوية ، ودموع على وجوه نضرة لم تعرف بعد ، ما معنى التفرقة او اختلاف الاديان ، ولا تعرف معنى الارهاب ، بعظهم يود العودة الى اصدقائه والاخر يريد ان يعود لغرفة نومه ، وجوه ما زالت اثار الخوف والهلع بادية عليها ، تعاطف الجمهور معها ، ربما لان المأساة من قبل هكذا عصابات يمكن ان تحدث في اي مكان من العالم .
نون هو اول فيلم يتحدث عن مأساة مسيحيي العراق ، التي تسببت بها عصابات داعش ، ومشاركته في مهرجان وهران الدولي للفيلم العربي ، كان مهما جدا للتعريف بحقيقية هذه العصابات الاجرامية .
المخرجة عايدة تشليبيفر ، متحصلة على شهادة الدراسات العليا في الاخراج السينمائي من اكاديمية الفنون في القاهرة ، ورئيسة المهرجان الدولي للفيلم العربي بزيورخ ، ولعبت دورا رئيسا في فليم الحاج نجم البقال ، للمخرج عامر علوان ، سبق وان اخرجت افلام وثائقية مثل " عصابات بغداد " 2007 ، " أنا ايضا اريد ان اكون " 2013 .