سنحت لي فرصة الاستمتاع بمشاهدة فيلمين للمخرج البوسني دانيس داتوفتش . ففي دورة ماضية شاهدت فيلم (سيرك كولومبيا)، وفي وقت لاحق فيلمه المهم (يوميات جامع خردة)..
وداتوفيتش الان من بين افضل مخرجي البوسنة مع المخرجة ياسمينا زابانيتش، وكان قد لفت اليه انظار النقاد بعد عرض تحفته الفنية (ارض محايدة) قبل عقد من الزمن والذي نال عنها جائزة الاوسكار لافضل فيلم اجنبي.
الموضوع المشترك في افلام هذا المخرج هو الصراع البوسني – الصربي والاثار التي ترتبت على هذا الصراع الكارثي الذي جرّ مأساة كبيرة على البلقان.. ففي فيلمه (ارض محايدة) يضعنا عند فصل مهم من هذا الصراع، وخلفياته وربما يكون له الفضل في ان يتعرف المشاهد على واحدة من اهم الاحداث التي شهدها العالم اواخر الالفية الثانية.
أما فـي (سيرك كولومبيا) فقد اعتمد المخرج الكوميديا السوداء في إبراز خلفية الحرب الأهلية ، ودراماتيكية الأحداث في دول البلقان ويوغسلافيا السابقة معتمداً على حكاية بسيطة إلا انها زاخرة بالدلالات تسرد بأسلوب ممتع حكاية عائلة في بلدة صغيرة في البوسنة
ولم يعمد (سيرك كولومبيا) إلى سرد الحدث التاريخي ذاك طبقاً لما دونته الوثيقة، وما تبعه من حرب أهلية طاحنة أدت إلى تشرذم دولة حديدية مثل يوغسلافيا، فانه اعتمد حكاية في بلدة صغيرة تفصح علاقاتها المتوترة وشخصياتها المحبطة جو القلق والترقب من القادم الكارثي.. حتى ان المخرج وفي لقطة ذكية ينهي فيلمه باطلاقات مدافع على البلدة وهي الإشارة المباشرة الوحيدة عن الحرب في الفيلم. الفيلم ينأى عن التقريرية والمباشرة وبما يجعل المتلقي في قلب الموضوع.
واذاكان داتوفيتش قد اوفى ما في ذمته من تصوير لبشاعة ما حدث في يوغسلافيا السابقة بفيلميه هذين، فانه مع فيلمه الاخيرة (يوميات جامع خردة) يأخذنا من خلال حكاية باسلوب وثائقي لنعيش اثار هذه الحرب من خلال عائلة رجل يمتهن جمع الحديد الخردة مصدرا لمعيشة عائلته .. تواجه هذه العائلة التي يختارها المخرج من الشرائح التي تعاني بؤسا معيشيا وظرفا صعبا عندما تمرض الزوجة ولاتملك حق الضمان الصحي في معالجتها ولاتسعفها امكاناتها المادية في توفير وسيلة العلاج.
اللافت في هذا الفيلم ان المخرج لم يلجأ الى التزويق والتضخيم في هذه الحكاية لاستثمارها في صناعة فيلم بما ينال من صدقها، بل عايش بكاميرته العائلة نفسها متقفيا معاناتها ومحاولاتها العبثية في الحصول على علاج للزوجة .. وهي ماساة بمثابة تجل عن حرب طاحنة .. يقول البطل جامع الخردة في حوار له انه لم يجن من الحرب حتى حق العلاج.
في افلامه، داتوفيتش يرسم لوحة بانورامية لحرب البلقان واثارها.
في فيلمه الجديد (نمور) وهو السادس في مسيرته والذي عرضه مهرجان دبي في دورته الاخيرة يذهب داتوفيتش الى الباكستان يستوحي أحداثه من الصراع الأسطوري بين المحارب جالوت والملك داوود، وتدور حول رجل مبيعات سابق من باكستان يدعى "أيان" (عمران هاشمي)، يصطدم بالممارسات غير السوية في السوق التي كان يعمل فيها، فيلمع نجمه. تشجعه زوجته التي تعمل في بيع الأدوية، على الالتحاق بشركة متعدّدة الجنسيات متخصصة بأغذية الرضع. وسرعان ما يمسي أهم رجل مبيعات في الشركة، إلى أن يكتشف ممارسات فاسدة تتسبب بوفاة الكثير من الرضع في باكستان. وحين يفشل بإصلاح الوضع من الداخل، يقرر أيان خوض المعركة بمفرده، رغم مساندة طاقم تصوير دولي يوثّق ذلك، فإنه سرعان ما يدرك أن هذه المعركة لن تنتهي سريعاً، هذا إن انتهت على خير.
داتوفيتش.. من ارض محايدة الى باكستان
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
مجلة بريطانية تدعو للتحرك ضد قانون الأحوال الشخصية: خطوة كبيرة الى الوراء
استشهاد مدير مستشفى دار الأمل الجامعي في بعلبك شرقي لبنان
استنفار أمني والحكومة العراقية تتحرك لتجنيب البلاد للهجمات "الإسرائيلية"
الـ"F16" تستهدف ارهابيين اثنين في وادي زغيتون بكركوك
التخطيط تحدد موعد إعلان النتائج الأولية للتعداد السكاني
الأكثر قراءة
الرأي
مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض
د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...