شيئا فشيئا، يتحول المختلفان المصطرعان، الى نموذجين متشابهين في حالات كثيرة. وبقدر ما تكبر الانقسامات والخلافات بين اطراف الصراع، فان الصراع نفسه يؤدي الى توليد صفات متماثلة
ان الطرف "س" يقوم بالاصرار على فعل شيء وتكراره، حتى يضطر الطرف "ص" الى الرد بشكل مماثل. فيصبح الاثنان "في الهواء سواء" ويتورطان في ملفات واساليب وخطايا متشابهة
واليوم تشهد المنطقة واحدة من هذه الجولات. كل طرف يستدرج الاخر ليصبح بنفس "قذارته". الانظمة تستدرج "الثوار". الارهابي يستدرج الدولة. الفاسد يستدرج النزيه. المخابيل يستدرجون العقلاء ليصيبونهم بالجنون. وهكذا وبعد اعوام من الصراع لم يعد الكثير من الناس يجدون فرقا على سبيل المثال، بين القذافي ومن قتلوه، بينما يمزقون بلدانهم اليوم بحرب طاحنة. وقس على هذا فصائل السلاح المعارضة لبشار الاسد او بعضها. وغيرهم وغيرهم، وعندنا وعندهم.
ونلاحظ اليوم كيف ان وجود تنوع ثقافي يصبح مأزقا للحكومات. وتضطر الكويت والسعودية الى بذل جهد كبير لحماية الشيعة هناك. بالضبط كما ان حيدر العبادي يحاول ان يقوم بحماية السنة امام المجتمع الدولي على الاقل، وسط عنف معقد وخطوط تماس متداخلة وانفعالات تخرج عن السيطرة من كل الاطراف.
وفي الخليج تشدد ديني متمأسس، الملك صارعه، والدولة صارعته، سواء بالمستوى الكافي ام الناقص. وربما هنالك اجنحة تدعمه وتستخدمه بتوحش احيانا. وبالمقابل فان تيار الاعتدال العراقي يحاول اقناع متشددين عراقيين كثيرين بان القمع والتهميش السياسي والقتل الطائفي والثأر، ليست حلا. وان على حامل السيف والثوري والبطل والمجاهد، ان يفسحوا المجال لصاحب السياسة، لان توقف الدبلوماسية سيضاعف الخسائر ولن يسمح بظهور ادارة شاطرة للحرب. ومن المعروف ان من اصعب الاشياء، ايجاد ادارة متعقلة للحرب التي هي فعل مندفع حماسي.
ويبدو ان حكومات الخليج والعراق وغيرهما لن تنجح بسهولة في مهمة تخفيف الاحتقان وحماية التنوع. ربما لان المتشددين موجودون في السلطة نفسها، وهم داخل غرف صناعة القرار، مندسين او اصلاء او وكلاء او منفعلين بحماس كالصبيان. وربما لان "درجة الشبه في القذارة" بين الخصوم لم تبلغ المستوى المطلوب بعد، من قبل "طباخي" الالعاب النارية والمائية.
والدليل على وجود خلل كبير بحاجة الى اعترافات كبيرة، هو اننا كجيران لم نجلس على طاولة حوار حتى "لتبادل اوجاع القلب" كما يقال في اللغة الفارسية لوصف حديث النساء فيما بينهن. نعم لم يجلس العرب لاي مستوى من التكاشف المسؤول، بينما جهابذة طهران يتبادلون "اوجاع القلوب والعقول" مع الاميركان منذ شهور، ويديرون حوارا مثمرا بعد قطيعة دامت خمسة وثلاثين عاما، وسال فيها دم ومال وفيران.
كل متصارعين يجلسان على طاولة حوار، يثبتان انهما يتصرفان بشكل عقلاني، حتى لو كانت عقلانية من نوع شاذ. وهناك اطراف لا تدير حوارا مع خصومها ومنافسيها ولا تكثف اتصالاتها اثناء الكوارث، وتستهزئ بجهود التنسيق وتبادل الافكار، رغم طول فترة النزاع وامتدادها وتفاقم الخسارات، وهذه اطراف لا تمتلك كمية العقلانية المعتادة. وحين تختفي العقلانية او تصبح شحيحة او ممنوعة ومثيرة للسخرية، فسيجري تخريب الحرب وتخريب السلام في الوقت نفسه، ولن يمكن حينها ان نقوم بحماية حتى الانتصارات البسيطة، التي تتحقق بتضحيات هائلة.
انها مؤشرات كثيرة تدل على ان "سيل الوسخ لم يبلغ الزبى" وان المطلوب تأجيل التعقل وتأجيل الحلول، حتى يتحقق قدر اكبر من الخراب، وما اسهل ذلك في مجتمعات التخلف السياسي، حيث يتوفر الجنون والعدمية ولن تحتاج سوى مزيد من الوقت والموت والقسوة
الوسخ لم يبلغ الزبى
[post-views]
نشر في: 8 يوليو, 2015: 09:01 م
يحدث الآن
معرض العراق الدولي للكتاب: بوابة نحو التميز الثقافي والتضامن الإنساني
النفط يتصدر المشهد وتبدلات مفاجئة في ترتيب دوري نجوم العراق بعد الجولة الثامنة
العراق يُطلق منصة لتنظيم العمالة الأجنبية وتعزيز الرقابة الإلكترونية
العراق تحت قبضة الكتلة الباردة: أجواء جافة حتى الاثنين المقبل
ضبط طن مخدرات في الرصافة خلال 10 أشهر
الأكثر قراءة
الرأي
الخزاعي والشَّاهروديَّ.. رئاسة العِراق تأتمر بحكم قاضي قضاة إيران!
رشيد الخيون وقعت واقعةٌ، تهز الضَّمائر وتثير السّرائر، غير مسبوقةٍ في السّياسة، قديمها وحديثها، مهما كانت القرابة والمواءمة بين الأنظمة، يتجنب ممارستها أوالفخر بها الرَّاهنون بلدانها لأنظمة أجنبية علانية، لكنَّ أغرب الغرائب ما يحدث...