TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > امرأة المدينة المشتعلة

امرأة المدينة المشتعلة

نشر في: 10 يوليو, 2015: 09:01 م

تغص الاسواق هذه الايام بنساء يتسابقن لشراء ملابس العيد لهن ولاولادهن فالعيد وان خلا من طقوس الماضي فهو مايزال فرصة للتباهي بالملابس الجديدة ..
في مكان ليس ببعيد ،لن تشعر تلك المرأة بمجيء العيد ، قد لاتجد الوقت اصلا لتلملم بقايا اثاث منزلها المتناثر او تحمل اناءً او غطاءً تستر به نفسها واطفالها...براميل متفجرة ..هذه هي ( العيدية ) التي لم تكن تحلم بها وهي تصر على البقاء في مدينتها (الفلوجة ) لخشيتها من التحول الى (نازحة ) يتاجر السياسيون بنزوحها..انها تعيش ايامها خارج اطار انتظار العيد فهي تنتظر الوصول الى ملاذ آمن مع اطفالها ..وقد ترتفع اصوات التكبير في الجوامع صبيحة العيد وتفوح رائحة ( الكليجة ) ويمرح الاطفال في المتنزهات بثيابهم الجديدة بينما تواصل احتضان اطفالها المرتجفين هلعا وهم يسهرون على دوي الانفجارات المتلاحقة على مدينتهم الممزقة ..
في منزلها ، لم يعد هناك الكثير من الطعام ..هنالك الحر الخانق فقط والظلام بغياب التيار الكهربائي والامان ..هل تخرج من منزلها للبحث عن مأوى ام تستسلم لرائحة الموت التي باتت تغلف المكان ..حيرة كبرى بدأت تفتت آخر ماتبقى لها من فولاذ الصبر ..تنظر في عيون اولادها لتستجدي القوة فتشعر بخوف اعظم ..لقد سهرت اعواما على تربيتهم بعد رحيل والدهم ..كيف ستنقذهم ؟..قال لها احد اولادها الثلاثة .." اماه لنقصد قرية اخرى قبل ان نموت من الجوع " ...ابتسمت رغم ألمها وأدركت ان اولادها مازالوا اطفالا فعلا فهم يخشون الجوع اكثر من خشيتهم من الخطر القادم ..
نظرت من نافذة منزلها..صمت رهيب تمزقه بين لحظة واخرى اطلاقات نارية وانفجارات ..ستنتظر حتى الصباح لترى ماسيفعل سكان المدينة وستحاول ان تغفو قليلا مع اولادها فقد يحتاج الأمر الى ساعات من السير تحت سياط اشعة الشمس..
عاودها التفكير في العيد ..تذكرت لونه وطعمه في منزلها الصغير ..اصوات الجوامع وتبادل التهاني بين الاقارب والجيران ..لم تكن من النساء اللواتي يستقبلن العيد بثوب جديد او صبغة شعر جديدة منذ رحيل زوجها ولم تكن تملك جميع المواد اللازمة لتحضير " الكليجة " احيانا لكنها كانت تستقبل العيد لأجل اولادها ....كانت تبذل جهدها لتهيء لهم ملابس جديدة وتعد لهم فطورا مميزا ويكفيها ان يندفعوا الى تقبيلها والدعاء لها بالصحة والسلامة وبحج بيت الله الحرام...
امراة المدينة المشتعلة ستعيش العيد هذا العام دون ان تعرف له لونا او طعما ومازالت تنتظر امام النافذة وقد تعلقت عيناها باتون الجحيم في مدينتها ..ستحاول الا تفكر في العيد فلم يعد عيد الفقير والغني كما كان يطلق عليه آباؤنا واجدادنا بل صارعيد الآمن وغير الآمن ..ومدينتها غير آمنة فليس هناك عيد مقبل اذن !!
في مكان آخر ، تتواصل الاجتماعات بين السياسيين لبحث القضايا العالقة وتنتهي جلسات البرلمان دون البت بالعديد من الملفات الساخنة فينطلق السياسيون للبحث عن اماكن يسافرون اليها لترفيه عوائلهم خلال العيد بينما تنتظر آلاف العيون المحاصرة في الفلوجة وحديثة والكرمة والصقلاوية انقاذا جويا او بريا ..محليا او دوليا ..بطائرات (سوخوي ) او (اف 16) ..عسكريا او مدنيا ..قبل ان تتحول مناطقهم الى وصمة عار جديدة في جبين من سمح لداعش بدخول العراق ومن منحها فرصة اغتصاب المدن الواحدة تلو الاخرى ومن عجز عن حمايتها بسبب ثارات طائفية ونقاط (خلافية ) في مناقشة سياسة البلد ...

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. محمد كريم

    احسنتي النشر

  2. اكرم حبيب

    ادمتني كلماتك سبقك ابني وقال اي عيد واهلنا مشردون مع احترامي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: صنع في العراق

 علي حسين اخبرنا الشيخ همام حمودي" مشكورا " ان العراقي يعيش حاله من الرفاهيه يلبس أرقى الملابس وعنده نقال ايفون وراتبه جيد جدآ ، فماذا يحتاج بعد كل هذه الرفاهية. وجميل أن تتزامن...
علي حسين

قناطر: في البصرة.. هذا الكعك من ذاك العجين

طالب عبد العزيز كل ما تتعرض له الحياة السياسية من هزات في العراق نتيجة حتمية لعملية خاطئة، لم تبن على وفق برامج وخطط العمل السياسي؛ بمفهومه المتعارف عليه في الدول الديمقراطية، كقواعد وأسس علمية....
طالب عبد العزيز

تشكيل الحكومة العراقية الجديدة.. من يكون رئيس الوزراء؟

إياد العنبر يخبرنا التراث الفكري الإسلامي بأن التنظير للسلطة السياسية يبدأ بسؤال مَن يحكم؟ وليس كيف يحكم؟ ولعلَّ تفسير ذلك يعود لسؤالٍ مأزومٍ في الفقه السياسي الإسلامي، إذ نجد أن مقالات الإسلاميين تبدأ بمناقشة...
اياد العنبر

هل الكاتب مرآةً كاشفة للحقيقة؟

عبد الكريم البليخ لم يكن الكاتب، في جوهره، مجرد ناسخ أو راوٍ، بل كان شاهداً. الشاهد على لحظةٍ تاريخية، على مأساةٍ إنسانية، على حلمٍ جماعي، وعلى جرحٍ فردي. والكاتب الحقيقي، عبر العصور، هو ذاك...
عبد الكريم البليخ
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram