في مرات عدة نفى كبار المسؤولين الأتراك، بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو، الاتهامات الموجهة الى أنقرة بأنها تتواطأ مع داعش وتقدّم لعناصره التسهيلات اللوجستية، ومنها غضّ الطرف عن عمليات عبور هذه العناصر من تركيا إلى سوريا والعراق.
النفي التركي كان يأتي دائماً في صيغة الغضب الذي يجري التعبير عنه بلغة عصبية، لكن ذلك في الواقع لا يتعدى كونه "تمثيل في تمثيل"، والرئيس أردوغان بالذات يجيد التمثيل ويتقن التعبير بلغة الجسد، ويحيط نفسه بفريق دعاية وحرب نفسية يُحسن خلق الأجواء المؤثّرة في المستمعين والمشاهدين لخطب أردوغان، على طريقة ما كانت تفعله وزارة الدعاية الألمانية في عهد هتلر.
لو لم تكن تركيا متواطئة مع داعش ومتورطة في تقديم التسهيلات له ما كانت الولايات المتحدة ستضطر لإرسال وفد إلى أنقرة لبحث هذا الأمر على نحو خاص. الولايات المتحدة، مثل أية قوة عظمى أخرى في العالم، تعرف تماماً ما تريد، وتعرف ما تفعل لتحقيق ما تريد، وتعرف ما تقول للتعبير عما تريد وعما تفعل. وقد أرسلت إدارة الرئيس أوباما منذ أيام الجنرال المتقاعد جون ألين المكلّف بناء تحالف مناهض لـداعش، الى أنقرة على رأس وفد للطلب من الحكومة التركية العمل لمنع عبور "الجهاديين" حدودها مع سوريا.
لابدّ ان الجنرال الأمريكي ومرافقوه قد حملوا معهم وثائق قاطعة على عدم صحة ما درجت أنقرة على نفيه بشأن الاتهامات الموجهة لها بتقديم التسهيلات اللوجستية الى عناصر داعش المارين بمطاراتها وأراضيها والعابرين حدودها باتجاه سوريا والعراق.
المصادر الأمريكية أعلنت أن الجنرال ألين ومرافقيه أجروا مع المسؤولين الأتراك مباحثات "بشأن الجهود المشتركة لقتال المتشددين".. هذه بالطبع لغة دبلوماسية تخفي وراءها معنى آخر هو أن واشنطن قد وصلت إلى مرحلة التبرّم حيال الدور التركي السلبي في الحرب الدولية ضد الإرهاب عامة، وداعش خاصة.
ما لا يريد أردوغان ومساعدوه الاعتراف به أنهم إذ يتغاضون عن نشاط داعش وسواه من المنظمات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق إنما لكفّ شر هذه المنظمات عن تركيا، وقبل هذا وهو الأهم، استخدام داعش والمنظمات الأخرى لمنع قيام إدارة ذاتية كردية عند الحدود مع تركيا، فأنقرة ترى في هذه الإدارة خطراً عليها على المدى البعيد، يشجّع نزعة التحرر والاستقلال لدى كرد تركيا نفسها. وقد عبّرت أنقرة عملياً بوضوح عن هذا الموقف على هامش نجاح القوات الكردية في تحرير مدينتي كوباني وتل أبيض من سيطرة داعش، فلم يتردد أردوغان ومساعدوه في الإفصاح عن مشاعر القلق لديهم حيال ذلك.
من الصعب إقناع الإدارة التركية الحالية بأن عليها البحث عن حلول لمشكلتها الكردية داخل حدودها، لكن يمكن الضغط على أنقرة لحملها على الكفّ عن فتح حدودها ومطاراتها وتوفير مراكز الاتصال والتجمع والارتباط لعناصر داعش.. هذا الضغط لا يتعيّن أن يقتصر على الولايات المتحدة.. نحن أيضاً، في العراق، يمكننا فعل ذلك دبلوماسياً واقتصادياً، فثمة الكثير من نفطنا يذهب إلى تركيا ويمرّ عبرها، وثمة الكثير جداً من السلع التركية نستوردها، وثمة الكثير من الاستثمارات التركية موجودة لدينا... ودفاعاً عن النفس حتى القتل مبرر.. ونحن مقصّرون في هذا... لنعترف.
مُقصّرون مع تركيا
[post-views]
نشر في: 10 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 3
د عادل على
لولا اوردغان لهلك أبو بكر البغدادى ولكانت سوريا في سلام-------تركيا تريد ان تكون قوة عظمى في المنطقه-----لولا تركيا لما كانت ثورة وفوضى وتخريب في سوريا---انا لا اريد ان ادافع عن بشار لان سوريا محرومه من الديموقراطيه ولكن بشار الأسد 1000 مرة احسن من الثورة
ابو سجاد
يااستاذ عدنان هل تركيا وحدها مقصرة مع العراق الم تكن اير ان اكثر تقصيرا وايلاما من تركيا بتدخلها المباشر بالشان العراقي لماذا دائما ماضيعك تخص تركيا دون ايران هل من سبب لذلك
عبد الكاظم الفتلاوي
ان فرص العراق بالضغط على تركيا نادرة او معدومة يسبب عدم وجود موقف موحد لدى قادة العراق ازاء تركيا او اي قضية اخرى فليس في نية الكرد التوقف عن ضخ النفط عبر تركيا والكرد يهددون بتصدير النفط دون موافقة المركز.كما ان البضاعة التركية الواردة عبر الاقليم تاتي ل