TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مُقصّرون مع تركيا

مُقصّرون مع تركيا

نشر في: 10 يوليو, 2015: 09:01 م

في مرات عدة نفى كبار المسؤولين الأتراك، بمن فيهم الرئيس رجب طيب أردوغان ورئيس حكومته أحمد داود أوغلو، الاتهامات الموجهة الى أنقرة بأنها تتواطأ مع داعش وتقدّم لعناصره التسهيلات اللوجستية، ومنها غضّ الطرف عن عمليات عبور هذه العناصر من تركيا إلى سوريا والعراق.
النفي التركي كان يأتي دائماً في صيغة الغضب الذي يجري التعبير عنه بلغة عصبية، لكن ذلك في الواقع لا يتعدى كونه "تمثيل في تمثيل"، والرئيس أردوغان بالذات يجيد التمثيل ويتقن التعبير بلغة الجسد، ويحيط نفسه بفريق دعاية وحرب نفسية يُحسن خلق الأجواء المؤثّرة في المستمعين والمشاهدين لخطب أردوغان، على طريقة ما كانت تفعله وزارة الدعاية الألمانية في عهد هتلر.
لو لم تكن تركيا متواطئة مع داعش ومتورطة في تقديم التسهيلات له ما كانت الولايات المتحدة ستضطر لإرسال وفد إلى أنقرة لبحث هذا الأمر على نحو خاص. الولايات المتحدة، مثل أية قوة عظمى أخرى في العالم، تعرف تماماً ما تريد، وتعرف ما تفعل لتحقيق ما تريد، وتعرف ما تقول للتعبير عما تريد وعما تفعل. وقد أرسلت إدارة الرئيس أوباما منذ أيام الجنرال المتقاعد جون ألين المكلّف بناء تحالف مناهض لـداعش، الى أنقرة على رأس وفد للطلب من الحكومة التركية العمل لمنع عبور "الجهاديين" حدودها مع سوريا.
لابدّ ان الجنرال الأمريكي ومرافقوه قد حملوا معهم وثائق قاطعة على عدم صحة ما درجت أنقرة على نفيه بشأن الاتهامات الموجهة لها بتقديم التسهيلات اللوجستية الى عناصر داعش المارين بمطاراتها وأراضيها والعابرين حدودها باتجاه سوريا والعراق.
المصادر الأمريكية أعلنت أن الجنرال ألين ومرافقيه أجروا مع المسؤولين الأتراك مباحثات "بشأن الجهود المشتركة لقتال المتشددين".. هذه بالطبع لغة دبلوماسية تخفي وراءها معنى آخر هو أن واشنطن قد وصلت إلى مرحلة التبرّم حيال الدور التركي السلبي في الحرب الدولية ضد الإرهاب عامة، وداعش خاصة.
ما لا يريد أردوغان ومساعدوه الاعتراف به أنهم إذ يتغاضون عن نشاط داعش وسواه من المنظمات الإرهابية الناشطة في سوريا والعراق إنما لكفّ شر هذه المنظمات عن تركيا، وقبل هذا وهو الأهم، استخدام داعش والمنظمات الأخرى لمنع قيام إدارة ذاتية كردية عند الحدود مع تركيا، فأنقرة ترى في هذه الإدارة خطراً عليها على المدى البعيد، يشجّع نزعة التحرر والاستقلال لدى كرد تركيا نفسها. وقد عبّرت أنقرة عملياً بوضوح عن هذا الموقف على هامش نجاح القوات الكردية في تحرير مدينتي كوباني وتل أبيض من سيطرة داعش، فلم يتردد أردوغان ومساعدوه في الإفصاح عن مشاعر القلق لديهم حيال ذلك.
من الصعب إقناع الإدارة التركية الحالية بأن عليها البحث عن حلول لمشكلتها الكردية داخل حدودها، لكن يمكن الضغط على أنقرة لحملها على الكفّ عن فتح حدودها ومطاراتها وتوفير مراكز الاتصال والتجمع والارتباط لعناصر داعش.. هذا الضغط لا يتعيّن أن يقتصر على الولايات المتحدة.. نحن أيضاً، في العراق، يمكننا فعل ذلك دبلوماسياً واقتصادياً، فثمة الكثير من نفطنا يذهب إلى تركيا ويمرّ عبرها، وثمة الكثير جداً من السلع التركية نستوردها، وثمة الكثير من الاستثمارات التركية موجودة لدينا... ودفاعاً عن النفس حتى القتل مبرر.. ونحن مقصّرون في هذا... لنعترف.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 3

  1. د عادل على

    لولا اوردغان لهلك أبو بكر البغدادى ولكانت سوريا في سلام-------تركيا تريد ان تكون قوة عظمى في المنطقه-----لولا تركيا لما كانت ثورة وفوضى وتخريب في سوريا---انا لا اريد ان ادافع عن بشار لان سوريا محرومه من الديموقراطيه ولكن بشار الأسد 1000 مرة احسن من الثورة

  2. ابو سجاد

    يااستاذ عدنان هل تركيا وحدها مقصرة مع العراق الم تكن اير ان اكثر تقصيرا وايلاما من تركيا بتدخلها المباشر بالشان العراقي لماذا دائما ماضيعك تخص تركيا دون ايران هل من سبب لذلك

  3. عبد الكاظم الفتلاوي

    ان فرص العراق بالضغط على تركيا نادرة او معدومة يسبب عدم وجود موقف موحد لدى قادة العراق ازاء تركيا او اي قضية اخرى فليس في نية الكرد التوقف عن ضخ النفط عبر تركيا والكرد يهددون بتصدير النفط دون موافقة المركز.كما ان البضاعة التركية الواردة عبر الاقليم تاتي ل

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram