عرفت الشاشة العالمية الممثل عمر الشريف في واحد من أكثـر المشاهد الدرامية في تاريخ السينما. انه مشهد من فيلم لورنس العرب ( 1962 ) عندما يتصل لورنس (بيتر أوتول ) لأول مرة بزعيم القبيلة العربي الشريف علي (عمر الشريف ) الذي سيصبح حليفه البارز و الأخير في
عرفت الشاشة العالمية الممثل عمر الشريف في واحد من أكثـر المشاهد الدرامية في تاريخ السينما. انه مشهد من فيلم لورنس العرب ( 1962 ) عندما يتصل لورنس (بيتر أوتول ) لأول مرة بزعيم القبيلة العربي الشريف علي (عمر الشريف ) الذي سيصبح حليفه البارز و الأخير في قتال الصحراء. من خلال هذا الفيلم صعد عمر الشريف فورا الى النجومية و الى شباك التذاكر الرئيسي، و تابع نجوميته في سلسلة من الأفلام ذات الميزانية الكبيرة خلال سنوات الستينات كان أبرزها ( دكتور زيفاكو 1965 ) و ( الفتاة المضحكة 1968 ) . لكن هذا الوضع لم يدم طويلا، فكما هو حال بطل الرواية في العصر الفكتوري، تفوّق نجاحه عليه الى حد انه، من أجل تسديد ديونه المتراكمة نتيجة انغماسه بالمقامرة و حياة اللهو، أخذ يقبل بأي عمل يجده أمامه، فدخل في دوامة من الأفلام ذات القيمة الهابطة.
ولد ميشيل شلهوب – اسمه الحقيقي – في مدينة الإسكندرية / مصر لعائلة مسيحية ميسورة لبنانية سورية، أمه ( كلير ) و أبوه ( جوزيف شلهوب ) ، و تلقى تعليمه في مدرسة أهلية و من ثم في جامعة القاهرة. عمل لفترة قصيرة -على مضض- في شركة الخشب التي يملكها والده، لكنه فشل بسبب هوايته للتمثيل ، و شعر بالسعادة عندما عرض عليه أحد أصدقائه – المخرج يوسف شاهين – دورا في فيلم ( صراع في الوادي 1954 ). كانت بطلة ذلك الفيلم الممثلة الراحلة فاتن حمامة التي أعجبت به و أصبحت زوجته في نفس ذلك العام بعد ان اعتنق الإسلام. دام زواجهما عشرين عاما و أنجبا ابنهما طارق الذي ظهر في فيلم دكتور زيفاكو بدور زيفاكو الطفل. أصبح عمر الشريف شخصية رئيسية راسخة في السينما المصرية، كما مثّل في الفيلم المدعوم فرنسياً ( جحا 1958 ) الذي زاد من شهرته. لكن اختياره من قبل المنتج سام سبيغل و المخرج ديفيد لين لدور الشريف علي في فيلم ( لورنس العرب ) كان نقطة التحوّل في مستقبله الفني. كما كتب في ما بعد يقول " ربما لو لم أمثل في فيلم لورنس العرب لاستمررت بالعيش في القاهرة و لكان عندي خمسة أبناء و الكثير من الأحفاد". انه يلقي اللوم في فشل زواجه من فاتن حمامة على غيابه المستمر في أوروبا و الولايات المتحدة.
كان دور الشريف علي محوريا في المخطط الدرامي لفيلم لورنس العرب. كان لبشرته السمراء و هالته الرومانسية تأثير كبير أمام بشرة أوتول الشقراء و عينيه الزرقاوين. أصبح الاثنان صديقين مقرّبين خلال صناعة الفيلم. أكسبه أداؤه الكرة الذهبية كأفضل ممثل ثانوي واعد إضافة الى ترشيحه لجائزة الأكاديمية، رغم انه يشير بأسى الى انه وقّع عقدا مع الأستوديو الذي منحه 8 آلاف باون فقط عن دوره وعن العديد من الأدوار اللاحقة. لكونه كان يتقن الإنكليزية و الفرنسية بطلاقة، فقد عمل بتواصل على مدى السنتين التاليتين و لو بصفة أجنبي ينفع لكل الأدوار. و هكذا فقد لعب دور قسيس إسباني في فيلم ( انظر للحصان الشاحب 1964 )، كما لعب دور البطولة في الفيلم التاريخي الهزلي ( جنكيز خان 1965 )، و دور عضو حزب يوغسلافي في فيلم ( سيارة الرولز رايس الصفراء 1964 ) ، و حتى دور ضابط نازي بشعر يشوبه الشقار في فيلم ( ليلة الجنرالات 1967). لكن الفيلم الذي لعب فيه دور بطل روسي نحيف ( دكتور زيفاكو) هو الفيلم الذي حقّق فيه أفضل دور بحضوره الجذاب الذي لا ينساه المشاهدون، رغم ان بعض النقاد شعروا بأن أداءه كان فيه شيء من الضحالة . لا شك في مكانته عند شباك التذاكر، رغم ان فيلم ( فتاة مضحكة ) الغنائي تم تسويقه لمشاركة بربارا سترايساند دور البطولة مع عمر الشريف. يقال ان علاقته مع سترايساند تجاوزت الشاشة و هو أمر لم تتقبله مصر بسبب تعاطفها مع إسرائيل. في ما بعد اعترف عمر بأنه تصوّر نفسه يحب سترايساند، و يتذكّر أيضاً انبهاره بالممثلة آفا غاردنر التي شاركته فيلم ( مايرلنك 1968 ) و لعبت دور أمه، لم يكن الفيلم مميزاً لكنه أفضل من الأفلام الأخرى التي ظهر فيها عمر الشريف مثل ( تشي 1969 ) تلك القصة الهوليودية المسوّفة المملة عن حياة تشي جيفارا، حيث واجه فيه عمر الممثل جاك بالانس بدور فيدل كاسترو و هو يتمتم بعبارته " تشي، أنا لا أفهمك أحيانا ". كما تم تصنيف أفلام ( الوادي الأخير 1971 ) و ( الفرسان 1971 ) بأنها سيئة.
يبدو مهماً جدا ان يقف عمر الشريف في الفيلم الفرنسي ( اللصوص 1971 ) أمام بطل شباك التذاكر آنذاك جين بول بلموندو، لكن بدور شرير ماكر ينتهي به الأمر مخنوقا على يد بلموندو في صومعة مهجورة تحت أطنان من الحبوب، و هو إيحاء بالمصير الذي كان ينتظره مهنياً. الأهم من تقليل أهميته و عروضه، فقد ظهر بدور قبطان طاغية لسفينة منكوبة . تقول الناقدة الأميركية بولين كايل عن أدائه في هذا الفيلم " لم يسمح له ان يبتسم ابتسامته الشهيرة أو حتى ان يبدو عاشقاً، وإنما بقي متجهماً ". في تلك الفترة اقترن اسم عمر الشريف بلعبة البريدج أكثر من التمثيل، حيث صار يصنف من بين أبرز اللاعبين في العالم . و علاوةً على تنافسه في عدة مباريات عالمية في اللعبة، فقد كان يكتب عموداً لصحيفة شيكاغو تريبيون عن اللعبة لعدة سنوات و ألّف عدة كتب عنها، كما كان اسمه مرخصاُ في لعبة البردج على الحاسوب. بالإضافة الى ذلك كان مقامراً عريقاً في المغامرة، يلعب بانتظام في كازينوهات باريس و في مضمار سباق الخيل في دوفيل. كان يكثر من شرب الخمر و التدخين حتى أنه خضع لعملية جراحية في القلب عام 1993 كانت كلفتها عالية جدا . مهنياً، أخذ ينجرف من دور بسيط الى آخر في سلسلة من الأفلام التلفزيونية و المسلسلات الصغيرة من النوع الذي يعرض على القنوات المغمورة، حتى انه قال لإحدى الصحف عام 2003 " على مدى 25 عاما كنت أقدّم أفلاما تافهة ". علاوةً على ذلك، كانت هناك لحظات غير مهذبة في حياته الخاصة؛ ففي عام 2003 اعتدى بالضرب على شرطي في أحد كازينوهات باريس الصاخبة فتم تغريمه و حكم بالحبس مع وقف التنفيذ، حينها قال للصحافة ان الاعتداء على شرطي " هو حلم كل فرنسي". بعد عامين ضرب حارس موقف السيارات في مطعم بيفرلي هيلز، فوضع تحت المراقبة و أجبر على دفع التعويض. لكنه على الأقل عاد الى عالم التمثيل الجاد من خلال دور البطولة في الفيلم الفرنسي ( مسيو إبراهيم 2003 ) الذي جسّد فيه دور صاحب متجر تركي مسن، ضمن له جائزة سيزار كأفضل ممثل و هي تعادل جائزة الأوسكار.
في عام 2006 صرّح بأنه ترك المقامرة و لعبة البريدج من أجل حياته العائلية و وصف نفسه بشبه المتقاعد من الشاشة . في العام السابق تسلم وسام اليونسكو لمساهماته في عالم السينما و التنوع الحضاري. تبدو أفلام لورنس العرب و دكتور زيفاكو من الماضي، لكن رغم ذلك أو ربما بسبب التقلبات المتداخلة في حياته، فقد بقيت شهرة عمر الشريف وهّاجة.
كاد عمر الشريف ان يقدّم نسخة رائعة من جيمس بوند لو كان صنّاع السينما يمتلكون الذوق و الخيال لتقدير موهبته. لقد حقّق هذا الممثل المصري شهرةً كسراب نشأ من حرارة الصحراء في لورنس العرب، و كان ممثلا عالميا وسيما و رجلا بمعنى الكلمة.
رحل عمر الشريف عن عمر 83 عاماً، تاركاً وراءه ابناً و حفيدين .
عن : الغارديان البريطانية