ريتشارد ويليامز، مبدع " مَنْ ابتكر روجر رابيت "، هو الحلقة بين العصر الذهبي للرسوم المتحركة المصنوعة باليد والرسوم الكومبيوترية اليوم.
بمناسبة بلوغه الثمانين، يروي لنيكولاس رو كيف حوّل صفوفه الدراسية العليا عن الكارتون الى برامج كومبيوتر
&nbs
ريتشارد ويليامز، مبدع " مَنْ ابتكر روجر رابيت "، هو الحلقة بين العصر الذهبي للرسوم المتحركة المصنوعة باليد والرسوم الكومبيوترية اليوم.
بمناسبة بلوغه الثمانين، يروي لنيكولاس رو كيف حوّل صفوفه الدراسية العليا عن الكارتون الى برامج كومبيوتر
حين احتفل رسام الصور المتحركة ريتشارد ويليامز بميلاده الثمانين في شهر آذار كان محط تهليل واسع الانتشار كواحد من أكثـر الشخصيات تأثيرا في صناعة أفلام الكارتون. تمتد مسيرته الفنية من صنع دعايات تجارية صغيرة الى أفلام رئيسية هوليوودية عالية الكلفة، منها فيلم التقدير للعصر الذهبي للرسوم المتحركة، "مَنْ ابتكر روجر رابيت" (1988)، فيلم نُسِب الى شكل فني من نشاط يدوي وحيد كان انقضى وقته.
مستذكرا انتصاراته العديدة – وكذلك بعض من كبواته البارزة – يعزو ويليامز الكثير من نجاحه الى القرار الذي اتخذه في نهاية الستينات، حين أنزل بنفسه مرتبته في شركته الخاصة، عالية الربح والحائزة على جوائز تقدير متعددة. في ذلك الوقت، على الجانب الآخر من الأطلسي، كان بعض من صنّاع الرسوم المتحركة العظام لسنوات الثلاثينات والأربعينات بدأوا بالتقاعد. وحين أعفتهم شركتا ديزني وورنر بروذرز من خدماتهم، بدأ ويليامز باستئجارهم. خلال العقود القليلة التي تلت، أصبح معا مديرا ومساعدا لأمثال ميلت كال، مبدع شخصية شير خان، النمر في فيلم " كتاب الغابة " لديزني؛ آرت بابيت صاحب مجد غوفي [ الصديق المخلص لميكي ماوس، وعلى عكس بلوتو هو كلب ناطق ]؛ وغريم ناتويك، الذي صنع أغلب رسوم " سنو وايت "، كما ابتكر بيتي بوب [ شخصية الفتاة الكارتونية الشهيرة في الثلاثينات، وأصلها كاريكاتور عن المغنية هيلين كين].
أول المستأجرين كان كين هاريس – باغز باني [ الأرنب، بطل مسلسل لووني تونز ] وآخرون – (( الأفضل بين الكل، بشكل يمكن إثباته، )) يقول ويليامز. (( كان في القمة بين رسامي تشاك جونز [ صانع رسوم متحركة ومخرج ومنتج أفلام كارتون ] ويمكنك بطريقة ما أن تكتشف مشهدا لكين هاريس في الفيلم، إذ كان يرسم بشكل أجمل من أي رسام آخر. )) على نحو مناسب، بدأ لقاؤهما الأول بضحك. (( فُتِحَ باب المصعد وما أن خطا خارجه لم أستطع تمالك نفسي، )) يقول ويليامز. (( ’ أجل، أجل ‘، قال هاريس، ’ أنا أبدو شبيها بضبع. ‘ وكان كذلك. كان تشاك جونز هو الذي شبهه بالضبع. ))
في غضون العقدين التاليين، كان ويليامز وفريقه الحالم من الرسامين منهمكين في بعض من أكثر الأعمال تميزا ونجاحا في تلك الفترة. نسختهم عام 1972 من " كريسماس كارول " فازت بالأوسكار، وحاز فيلمهم التلفزيوني، " موهبة زيغي "، على جائزة إيمي. في هوليوود جهّز ويليامز مشاهد التايتل لسلسلة أفلام "بينك بانثر"، وكذلك "من إبتكر روجر رابيت"، وكان من نتيجتها حصوله على جائزتي أوسكار أخريين.
لكن ربما هما المشروعان الآخران اللذان سيحددان أخيرا بشكل افضل العلاقة بينهما؛ المشروع الذي ينجح والمشروع الذي يفشل. الفاشل كان "اللص والإسكافي"، فيلم رسوم متحركة طويل ملهم بحكايات الشعوب الصوفية واستحوذ على فكر ويليامز طوال مسيرته الفنية. من منتصف الستينات وجّه كميات كبيرة من الوقت والمال، وكذلك خبرة المتعاونين معه، في مسار تحقيق طموحه بإنتاج أفضل فيلم رسوم متحركة صُنِع يوما. بعد العديد من البدايات الخاطئة، تمّ أخيرا إبعاده من مشروعه الخاص به من قبل مناصريه في بداية التسعينات. لكن من هذا الحطام الخرِب ظهر إنتصارا غير متوقع.
جمع ويليامز سوية كل ما تعلمه عبْر السنين واستضاف سلسلة من الصفوف التعليمية العليا في الرسوم المتحركة، التي أدّت في النهاية، في عام 2001، الى نشر كتاب " أدوات البقاء لصانع الرسوم المتحركة "، كتاب هو وسيلة مساعدة تعليمية مميزة لجيل جديد من طلاب وأصحاب مهنة على حد سواء. قبل خمس سنوات، أصبح الكتاب مطبوعا على مجموعة من أقراص الدي في دي، وفي شهر نيسان هذا العام تحوّل الى برامج على الآي باد.
(( كانت أقراص الدي في دي تطورا واضحا لعرض الحركة، )) يشرح قائلا. (( لكن الآي باد مصنوع لها تماما. كنا حصرنا أفلاما جديدة، وكنا قادرين تماما على التلاعب بالأجزاء الخلفية والأمامية من الرسوم لنرى بالضبط كي نحصل على شيء ما من الحركة. ستكون هذا أداة للناس لدراسة الرسوم المتحركة، وهو أيضا شيء يمكنهم في الحقيقة استخدامه على مكاتبهم. ))
برغم أن توقير ويليامز للمهارات الحرفية الكلاسيكية لصانعي الرسوم المتحركة الأوائل هو جوهر عمله، لكن كان يُنظر اليه دائما بوصفه الحلقة بين العصر الذهبي للرسوم المصنوعة باليد وعصر الديجتال الحالي. كانت هذه الصلة مدركة في بداية صفوفه عندما تسجل على نحو غير متوقع 12 من رسامي بيكسار [ ستوديو أفلام للرسوم المتحركة بالكومبيوتر ]. (( كانوا انتهوا لتوهم من صنع فيلم " توي ستوري "، الذي لم يُطلق للعرض بعد، لذلك لم يكن الانطباع الذي سيتركه معروفا. كنت أعرف أنه أول فيلم مشغول بالكومبيوتر، لذا شعرت بأن من واجبي أن أخبرهم أنني لا أعرف شيئا عن الكومبيوتر. قالوا أن هذا لم يكن السبب وراء تسجيلهم، وفي نهاية الكورس قالوا أن 90% مما تحدثت عنه ينطبق عليهم. يبدو أحيانا كما لو أن كل شيء تغيّر، لكن في الواقع لم يتغير شيء على الإطلاق. ))
وُلِدَ ويليامز في كندا عام 1933، وتربّى في تورنتو. والدته كانت رسامة صور إيضاحية، وهي نفسها عُرِض عليها يوما العمل في ديزني. (( أخذتني لمشاهدة "سنو وايت" عندما كنت في الخامسة من العمر وقالت لي فيما بعد أنني لم أعد الشخص نفسه أبدا. لا لأنني كنت خائفا مثل كل الأطفال الآخرين، الذين ظنوا أن المخلوقات كانوا حقيقيين، )) يقول هو. (( كنت أعرف أنهم رسوم، وذلك ما سحرني. )) في سن الرابعة عشرة زار ويليامز فعلا ستوديوهات ديزني والتقى والت، (( وربما تعتقد أنها كانت ذكرى واضحة، لكن ليس لي سوى ذكريات غامضة عنها)).
بعد تجربته مع ديزني رمى نفسه في الفن، الذي قاده، لفترة، بعيدا عن الرسوم المتحركة. (( في واحد من الغاليريهات شاهدت قاعة ملأى برسوم رامبرانت، فأجهشت باكيا وقلت ’ سحقا للرسوم المتحركة، هذا هو الشيء الحقيقي. ‘ )) بعد معهد الفن سافر الى اسبانيا حيث عيّن نفسه فنانا. (( كانت المعيشة رخيصة بحيث كان يمكنني العيش سنة كاملة من مجرد بيع لوحة واحدة. لكني لم أكن حقا أرغب بعمل بورتريهات لزوجات رجال الصناعة. وبرغم أني كنت أقنع نفسي بأن الرسوم المتحركة لا يمكن ان يخرج شيء جيد منها، لكنني حقا أردت المحاولة، والرسوم المتحركة باغتتني الى حد ما. وجدت نفسي أقوم بهذه الأشياء الصغيرة المرسومة بتسلسل قصصي ومفكرا في فيلم حول مثالين ثلاثة. ))
في منتصف الخمسينات انتقل ويليامز الى لندن للعمل على ما سيصبح فوزه الأول بجائزة البافتا [ الاكاديمية البريطانية لفنون السينما والتلفزيون ] " الجزيرة الصغيرة "، الذي موّله بالعمل في الدعاية لشركات التلفزيون المنطلقة حديثا. (( عندما أتى جماعة مستر ماغوو [ مسلسل كارتوني كلاسيكي ] لصنع بعض الاعلانات بدأت معهم كمازج ألوان، وفي غضون ستة أشهر كنت أصنع رسوما متحركة وخلال ستة أشهر أخرى كنت أقوم بالإخراج. وتلك غدت حياتي منذ ذلك الحين، عاملا إعلانات تجارية كي أكسب الوقت الذي يمكنني خلاله محاولة الاستمرار بعملي الخاص بي. ))
يصف هو " الجزيرة الصغيرة " بكونه (( مناقشة فلسفية تدوم نصف ساعة، وفيلم لشاب غض جدا، استغرق مني صنعه ثلاث سنوات ونصف وفي المراحل المبكرة ذهبت لمشاهدة " بامبي " [ فيلم كارتون كلاسيكي ] وفكّرت، يا له من هراء عذب. ذهبت لمشاهدته ثانية حين انتهيت من " الجزيرة الصغيرة " فخرجت أمشي على أربع من الذهول. كما حدث مرات عديدة منذ ذلك الحين، أدركت أنني لا أعرف شيئا. كيف فعلوا ذلك؟ الجواب كان أن ميلت كال، وكل اولئك الآخرين العظام، كانوا يعملون فيه. ))
عندما زار ويليامز هوليوود أول مرة، يقول انه كان مرعوبا بمرأى الغرفة الخلفية للرسامين اكثر مما كان بلقائه مع نجوم السينما. (( كانوا مخلصين بعضا لبعض، لكن ايضا مع قسوة حقيقية. سئل بيتر استينوف ذات مرة عن العمل في ديزني وأول شيء تذكّره كان ’ كل اولئك الرجال العجائز الذين يعملون ويتحركون بسرعة.‘))
قال ويليامز أنه كان يعمل مع كين هاريس لسبع سنوات قبل ان يقول هاريس، (( ربما يمكنك أن تكون صانع رسوم متحركة )). وقتذاك كنت أتجاوز الأربعين من العمر، قائدا لستوديو في أوربا وحائزا على اكثر من مئة جائزة عالمية. لم أكن بلغت بعد الخمسين من العمر حين قال لي أنني يمكن أن أصبح صانع رسوم متحركة ’’ جيد ‘‘. لكنه كان محقا في ذلك لأنك لا تعرف أبدا ما لا تعرفه. ولهذا السبب كان العمل مع اولئك الرجال مفيدا جدا. آرت بابيتن كان معلما بالفطرة. كنت وقتها وفرت مالا كثيرا من الدعايات بحيث أقفلنا الستوديو وصار هو يعطي دروسا عن الرسوم المتحركة. كان أمرا مثيرا جدا، إذ كان يقدم لنا كل الكليشيهات التي كانوا يعملون وفقها في الثلاثينات. كانت طريقة غريبة في إدارة شركة، وكان الأغرب منه أن ادعو المنافسين للمشاركة في هذه الصفوف، لكن في النهاية نتج عن هذا شيئا من ازدهار الرسوم المتحركة الانكليزية. ))
ربما كانت ذروة هذا الطريق نجاح "من ابتكر روجر رابيت ". يقول ويليامز أنه كانت في رأسه فكرتان عندما وقف على المنصة حاملا زوجا من الأوسكار. (( واحدة كانت عن أمي. كانت حقا رسامة جيدة، لذا أنا مدين لها بمهنتي. فكرتي الأخرى كانت، ’ الآن صار لي المال اللازم لعمل " اللص"‘.))
كان المال يتزايد، لكنه لم يكن أبدا كافيا، وحين أُبعِدَ ويليامز عن المشروع كانت الحقوق مملوكة لأشخاص مختلفين في أجزاء مختلفة من العالم، وكانت نُسَخه تستخدم بالكامل رسامين آخرين. كان ويليامز يتجنب مشاهدتها. (( لم أكن مهتما، لكن ابني، الرسام أيضا، قال لي لو أني اردت القفز من جسر فعليّ إذن إلقاء نظرة. ))
عن: الغارديان