TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > احذروا قول.. لماذا ؟

احذروا قول.. لماذا ؟

نشر في: 15 يوليو, 2015: 09:01 م

تابعت قضية رئيس وزراء إيطاليا السابق برلسكوني، وأنا أفكر في حالنا، وليس في إيطاليا. أصغيت إلى حديثه الذي دعا فيه أنصاره إلى الهدوء، بعد أن أيدت المحكمة العليا الحكم الصادر بحقه الذي يضعه وراء اسوار السجن، وتوقفت عند خطاب واحد، قال فيه: "اهتمامي الدائم في مصلحة بلدي والاحترام الكامل للقواعد والقوانين.. برغم الظلم الذي تعرضت له".
الإيطاليون وبعد سنوات اكتشفوا ولسوء طالعهم أن هناك مجرماً يعيش بينهم، لا يمكن طلب الغفران له وعليه أن يقدم اعتذاره للشعب علناً، وعليه قبل الاعتذار أن يرضخ لحكم المحكمة، لأن رفضه للقانون يضر بمصلحة إيطاليا، ويسيء لسمعتها بين شعوب العالم.
حين تابعت القضية قبل قراءة تفاصيلها تصورت أن الرجل أنفق 30 مليار دولار على الكهرباء، ثم اكتشف في ما بعد أن نائبه ضحك عليه وغشه، أو أنه استورد أسلحة فاسدة راح ضحيتها المئات من الأبرياء. وقلت مع نفسي من المؤكد أن برلسكوني ارتكب معصية كبيرة حين طلب من الجيش الانسحاب من الموصل وتركها فريسة لداعش، وذهب خيالي بعيدا وقلت بالتأكيد إن الرجل سهّل صفقة الأسلحة الروسية التي تبين للقاصي والداني أن أموال عمولاتها دفعت على أسلحة "أكسباير".
ولكن حين قرأت الخبر أدركت أنني تجنيت على مسؤولينا كثيرا حين اتهمتهم بالفساد وسرقة المال العام والانتهازية والتزوير، فهذا السياسي الإيطالي ارتكب جرماً أشد وأبشع من كل ما فعله السيد محافظ بغداد الذي صنف اهالي العاصمة الى جماعتنا وجماعتهم.. إن جريمة السيد برلسكوني هي انه "اشترى صوت احد السياسيين ليحصل على الاغلبية"!
هكذا هبت العاصفة، إذ كيف يمكن الوثوق بسياسي تحايل على القانون؟ لكن هذا السياسي لم يخرج على الناس ويقول إن عدد من انتخبوه يفوق عدد الذين اكتشفوا تحايله، ولم يصرح بأن سجنه يعد انقلاباً على الديمقراطية، ولم يهدد الناس بتظاهرات مليونية ترفع شعار "بالروح بالدم نفديك يا برلسكوني"، ولم يتهم المنددين به بأنهم من أذناب موسوليني ويريدون إعادة الفاشية، فقط اكتفى الرجل بأن اعتذر من الإيطاليين، وقرر أن يستأنف الحكم.
تحصد دول العالم المستقرة اليوم ثمار حلم سياسييها ومسؤوليها بدولة مستقرة اقتصاديا وسياسيا، في المقابل نحصد اثني عشر عاما من الخيبات والأزمات.. ونحقق أرقاما قياسية لا في التنمية والبناء، وإنما في مجال أوسع وأرحب، وهو لائحة الدول الأكثر موتا وتشريدا..
حكمت إيطاليا على برلسكوني بالحبس.. فيما نحن حُكم علينا أن نعيش في ظل مسؤولين لا يريدون لأحد أن يسألهم مجرد سؤال: لماذا؟

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو اثير

    لو كان المالكي رئيس وزراء أيطاليا وحدث ما حدث في العراق في أيطاليا لقام الشعب ألأيطالي بتعليقعه على أحد أعمدة شوارعها كما فعلوا بالدكتاتور موسوليني في منتصف ألأربيعينات من القرن الماضي ... ولكن هنا في العراق لايمكن أن يحدث ...!!! والسبب هو أن السيد المالك

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الغرابي ومجزرة جسر الزيتون

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

العمود الثامن: مطاردة "حرية التعبير"!!

 علي حسين أبحث في الأخبار ومجادلات الساسة عن موضوع لعدد اليوم ، وربما عن فكرة أقنع بها القارئ المحاصر بقطع الطرق والأرزاق، وبالعيش في مدن مثل حقول الألغام، شعارها التمييز، ومنهجها الإقصاء، ودليلها...
علي حسين

قناديل: حين استيقظ العراقي ولم يجد العالم

 لطفية الدليمي لعلّ بعض القرّاء مازالوا يذكرون أحد فصول كتاب اللغة الإنكليزية للصف السادس الإعدادي. تناول الفصل إيجازاً لقصّة كتبها (إج. جي. ويلز) في سبعينات القرن الماضي، عنوانها (النائم يستيقظ The Sleeper Awakes)....
لطفية الدليمي

قناطر: أنقذوا الثقافة من الأدعياء

طالب عبد العزيز منذ قرابة عقد من الزمن وأتحاد الادباء في البصرة يعاني من أزمة في اختيار مجلس إدارته، وهو بعلة لا يبدو التعافي منها قريباً، بسبب الاقتتال على المقاعد الخمسة الأولى التي تمثله....
طالب عبد العزيز

الانتخابات العراقية عام 2025: التحديات الداخلية في ظل ضغوط دولية متزايدة ..

كارول ماسالسكي ترجمة : عدوية الهلالي في يوم الثلاثاء، 11 تشرين الثاني 2025، أجرى العراق سادس انتخابات برلمانية ديمقراطية منذ سقوط صدام حسين عام 2003. وقد حققت القائمة الشيعية «ائتلاف الإعمار والتنمية»، بقيادة رئيس...
كارول ماسالسكي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram