التقت طفلتي الصغيرة ذات السنوات الاربع بفتيات أكبر منها في أحد الاماكن العامة وسرعان مانشأت بينهن صداقة طفولية ..انضمت الينا الفتيات بعد الانتهاء من اللعب ..وفجأة ، فجرت فتاة في السابعة من عمرها قنبلة في وجهي حين سألتني :" خالة ..انتِ سنية لو شيعية " ..اصابني سؤالها بذهول كبير وسألتها :" لماذا تسألين ؟" فقالت :" ماما تريد تتعرف عليكم وتريد تعرف انتِ منين ؟" ألجمني سؤالها بصمت طال لفترة ..لم اود ان اعرف حينها من أي طائفة كانت لاخبرها عن طائفتي وكنت اود ان اقول للطفلة :" قولي لأمك ..عيب عليها ان تسأل مثل هذا السؤال " لكن الرسول بيننا كانت طفلة صغيرة ولم يكن من اللائق تربويا واخلاقيا ان احملها هكذا رسالة فاكتفيت بأن قلت لها :" اخبري امك اننا جميعا مسلمون " ثم فضلت مغادرة المكان مع عائلتي الصغيرة ...
أعترف انني كنت متفائلة الى حد ما بحدوث تغيير في العراق بعد ان انتهى عهد الولايات الثانية والثالثة وبدأ عهد جديد ينبئ بشيء من اللاطائفية ..تصورت ان محاولات حقيقية للمصالحة الوطنية قد تثمر وينسى الناس او يتناسى ماأفرزته الخطابات الطائفية طوال سنوات حكم مختار العصر، لكن استفحال خطر داعش بقوة ونزوح اهالي المحافظات الغربية وتضحيات ابناء الوسط والجنوب من ابناء الحشد الشعبي بدمائهم لطرد داعش أعاد الطائفية بقوة الى الساحة العراقية فأهالي المناطق الغربية يجدون ان تهميش الحكومة لمناطقهم وممارسات الجيش معهم وتقصير الحكومة في اعادتهم الى ديارهم بعد نزوحهم مبررا لاتخاذ موقف طائفي منهم ، والفريق الآخر يعتبر ان استنفار ابناء الجنوب والوسط للدفاع عن المناطق الغربية وتضحيتهم بابنائهم من اجل الذين سمحوا بدخول داعش الى اراضيهم مبررا لاتخاذ موقف طائفي منهم ..ولم يتوقف الأمر عند المشاعر التلقائية فقط بل اسهم في تضخيمها واستفحالها تلك الخطابات النارية التي يطلقها السياسيون من الطرفين وماقامت به القنوات الفضائية والإعلاميون واصحاب مواقع التواصل الاجتماعي مدفوعو الثمن من استفزاز لمشاعر المواطنين وتنمية وتضخيم لمشاعرهم الطائفية ..
بقي عندي شيء من التفاؤل حين دعت الحكومة الى التكاتف بين ابناء الحشد الشعبي وابناء العشائر لتحرير المناطق المغتصبة من داعش واعادة اهلها اليها ، وحين بدأ البعض يطلق خطابات وسطية ومعتدلة لينأى بنفسه عن تلك الحقائق العفنة التي كشفتها ملفات فساد المسؤولين وسرقاتهم وسلوكياتهم الطائفية ...
في اسبوع العيد ، خبت جذوة التفاؤل حين اختلطت دماء ابناء ديالى بدماء الشاب ضحية التظاهرات منتظر البصري، فالاولى دماء باتت رخيصة منذ ان صارت ديالى ضحية لطائفية واضحة والثانية دماء لم ينجح الدستور في حقنها حين دعا الى حق التظاهر فالسلاح اقوى من الدستور في بلدي ..ثم تلاشى التفاؤل اكثر حين لم تعد مقابر المدن تكفي لاحتضان شهدائها فباتت تتسع وتتسع وربما تزحف على المناطق السكنية وتصبح المدن بالتالي مقابرلأهلها ..اخيرا ، اختفى التفاؤل تماما حين فجرت الطفلة في وجهي سؤالها عن طائفتي ، فحين ينطق الاطفال بما يؤمن به الكبار ندرك باننا نخلق جيلا مشوها يدفع ثمن خيباتنا وفهمنا الخاطئ وتلاعب الساسة بنا ...أدرك تماما الآن ان تفاؤلي لن يعود إلا حين ننجح في تغيير قناعات الكبار التي ربما سيغيرها انقلاب حقيقي في منظومة التعامل مع المواطن العراقي من قبل الحكومة والاحزاب الدينية والمؤسسات الإعلامية والتربوية فهي القادرة وحدها على محو الطائفية أو تعميقها ..
كنتُ متفائلة
[post-views]
نشر في: 24 يوليو, 2015: 09:01 م