الكهرباء ليست مشكلتنا.. نعم، إننا نعيش الآن في جحيم حقيقي يدفع البعض منّا إلى التظاهر والاحتجاج بوسائل أخرى، وهذا أدنى ما يتعيّن أن يكون عليه رد الفعل، لكنّ الكهرباء، مع هذا، ليست مشكلتنا الحقيقية.
المشكلة ليست العجز في إنتاج الكهرباء، ولا العجز في توزيع الكهرباء، ولا العجز في تحقيق العدالة والمساواة في التجهيز بين المحافظات والمناطق والمحلات، ولا العجز في توفير النفط لمحطات الكهرباء.. نظامنا السياسي هو المشكلة.. نظامنا هذا عاجز وقاصر ومنتهي الصلاحية وغير قابل للاستهلاك الحيواني ناهيكم عن البشري. ما لم نُدرك هذه الحقيقة وما لم نعمل لإصلاح نظامنا السياسي أو تعديله أو تبديله بقضّه وقضيضه ستبقى مشكلة الكهرباء، ومئات مشاكلنا الأخرى، قائمة إلى أبد الآبدين.
مجلس النواب يتّجه لمساءلة وزير الكهرباء عن مشكلة الكهرباء، وبعض النواب صرّح بأن إقالة الوزير صارت "قاب قوسين أو أدنى".. لا أعرف الوزير قاسم الفهداوي الذي بقيتُ محايداً في موقفي ومشاعري حياله إلى ما قبل يومين عندما اجتاحني شعور بالقرف والاشمئزاز مما فعله بتقديمه "هدايا" نقدية (خمسون ألف دينار) لصحفيين غطّوا مؤتمراً صحفياً له، فهذه ممارسة مهينة لمهنة الصحافة ولكل المشتغلين فيها، لكن لا لوم ولا تثريب عليه، إنما على "الصحفيين" الذين بلعوا الاهانة واستمرؤوها... بئس من صحفيين فاسدين.
قد يكون وزير الكهرباء الحالي سيئاً وغير كفء ولا يستحق منصبه، لكنّه ليس العضو الوحيد في الحكومة الحالية، والحكومات السابقة، الذي "يتحلى" بهذه المواصفات. أكثر من نصف أعضاء الحكومة الحالية والحكومات السابقة، في الأقل، هم في غاية السوء.. فاسدون، عديمو الكفاءة والأهلية والخبرة.. والمشكلة تكمن في نظامنا السياسي التحاصصي، فالوزراء في نظامنا لا يختارهم منْ يُعهد اليه تشكيل الحكومة وقيادتها، بل رؤساء الأحزاب والكتل النافذة في مجلس النواب والنظام السياسي، وفي العادة هؤلاء لا يختارون وزراءهم وسواهم من مسؤولي الدولة الكبار من بين الأكفأ والانزه والأكثر خبرة ووطنية من أعضاء وكوادر أحزابهم وكتلهم، وإنما هم، كما تفيد به تجربة الاثنتي عشرة سنة الماضية، يفضلّون أفراد حاشياتهم وأقاربهم ومواليهم، وهؤلاء في العادة أيضاً هم الأكثر تملقاً والأقدر على التزلّف، وبالتالي الأسرع في الدخول إلى قلوب الزعماء وفي بلوغ كراسي السلطة.
مشكلة الكهرباء لن يحلّها مثول وزير الكهرباء أمام مجلس النواب للمساءلة، ولا إقالة هذا الوزير الفهداوي وتعيين بديل له، ففي الماضي حوسب أكثر من وزير للكهرباء تحت قبة البرلمان، ووزارة الكهرباء كانت أكثر الوزارات التي تبدّل وزراؤها، إقالةً واستقالةً، في العهد الجديد... والنتيجة أن الجحيم العراقي ظلّ على حاله في الصيف وفي الشتاء سواء بسواء، ذلك انه من إنتاج نظامنا السياسي العاجز والقاصر ومنتهي الصلاحية وغير القابل حتى للاستهلاك الحيواني.
قبل الكهرباء.. بعد الكهرباء!
[post-views]
نشر في: 28 يوليو, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 4
محمدسعيد العضب
تشخيص صائب وحق وكلام عقلاني مشهود , لكنه ومع الاسف الشديد لا ينطبق علي اوضاع نخبه حاكمه جاءت بنظام سياسي اعرج ملائم لمزاجها الخاص بحيث يوفر لها امكانيه الاثراء المستعجل وتحويل ثرواتها المكتسبه قانونا عبر نظام تحويل خارجي بائس وبيع دولارات ال
ام رشا
ارفع صوتك اذا انت عراقي واصرخ تسقط العملية السياسية وبدربك قدم اعتذار للشعب العراقي عن تركيع وتحسين وتجميل وتبرير العملية السياسية البائسة والشعب العراقي شعب طيب بكلمة وحدة طيبة طالعة من القلب يلين سلام عليكم.
الشمري فاروق
لقد وصلنا الى مرحلة وجوب اسفاط هذا النظام وانهاء هذا الظلم الذي يتعرض له هذا الشعب من سلوكيات احزاب الاسلام السياسي ة...والاسلام منهم براء....لقد اثبتت الوقائع فشل هؤلاء الحكام لان معظمهم من اللصوص وسراق المال العام
ابو سجاد
ياسيدي لقد انتهى زمن الشعارات واليوم سيعود زمن الثورات قبل مدة قلنا علينا ان لانبقى نتستر بالشعارت لان زمنها عغى عليه الزمن وهؤلاء لايعرفون غير الانقلابات ام الديمقراطية والحرية والتعبير عن الراي وحقوق الانسان فكل هذه مجرد شعارات يرفعوها هؤلاء الخونة والل