يرصد الروائي العراقي ناطق خلوصي، بعين جريئة، مجتمع تلك "المنطقة الحصينة" فاضحاً شخصيات متنفذة فاسدة، إذ تتضح معالم الزمان والمكان بيسر، حتى من دون أن يسمي فضاءه الروائي، لكن "المنطقة الخضراء" تتراءى بوضوح أو تلك الشخصيات، رغم أقنعتها الروائية، والتي جعلها "مجلس الوزراء" برئيسه، سلطان أبو صماخ وقرينه (مساعده) فاخر جسام ذهب، مجلس أمناء يدير السياسة بدهاء اللصوص المحترفين والزعماء الفاسدين الذين لا يتورعون عن اللجوء إلى أكثر الوسائل دناءة وإجراماً من أجل تحقيق مصالحهم الشخصية حتى لو بلغ بأحدهم الأمر أن يصبح قواداً على زوجته!
يرسم خلوصي أجواء روايته "مذكرات زوجة رجل مهم"(*) بقلم الروائي العليم وحس المواطن الشجاع، وهو يضع خطوط السرد، بالتجاور أو بالتقاطع، عبر زمنين: زمن كتابة المذكرات التي تضعها "شهد" زوجة الرجل المهم وزمن السرد الذي يسرده الروائي لتتناوب الكتابتان، زماناً ومكاناً، نسج نص روائي مشوق وشجاع ودرامي حار، بلغة سهلة ممتنعة، مثل حكاء شعبي ماهر وإن حكى حكايته باللغة الفصحى.
وإذ تستحق الرواية مقالاً نقدياً مفصلاً لا يسعه هذا العمود الموجز، فسأكتفي بتسليط الضوء على خط الثلاثي الرئيس: سلطان أبوصماخ وفاخر جسام ذهب وزوجته (شهد) وهي تكتب مذكراتها الشخصية بعيداً عن عيون الراصدين بمن فيهم زوجها.
فريق عمل متفاهم، متجانس، متكامل ظاهرياً، لكن لكل من شخصياته الثلاثة عالم من الأسرار والمباهج والمباذل، كلٌ على انفراد، بمن فيهم الزوجة نفسها: استسلمت لنزواتها، فاستجابت لفاخر (شاب في بيت صديقتها لتحمل منه بلا زواج).. ثم تبتلع الطعم لاحقاً لتتواطأ، بل تشارك فاخر، زوجها فيما بعد، جرائمه السياسية وهو يفتك بخصومه.
يبدأ سلطان أبو صماخ بـ"التوغل" في بيت الحاج فاخر بشكل علني، يبيت هناك، بعد سهرة حمراء، بينما يمهد الزوج لأبي صماخ (رئيس مجلس الأمناء) السبيل له لممارسة الجنس مع زوجته، وعلى سرير الزوجية، طمعاً بمنصب كبير!
سلطان أبو صماخ كان من رواد ملهى في الصالحية أيضاً.
تبدأ علاقة الصداقة (؟) بين الثلاثة منذ وجودهم في المنفى السياسي قبل أن تسوقهم الصدفة ليكوّنوا (مجلس الأمناء) في المنطقة المحصنة، ببغداد، وبحراسة المارينز، إثر سقوط النظام السابق.
تتشكل أزمة الزوجة (شهد) مبكرا، منذ تعرفت على ذلك الشاب المتدين، الذي يؤدي الفروض كاملة ولا تفوته صلاة الجمعة، لكنه يتناول الخمرة مساء حتى لا يقوى على الوقوف.. الحاج فاخر مارس، شاباً، زنا المحارم مع أخته وعندما سألته زوجته (شهد) عما كان يفعله مع أخته (كوثر) في غرفتها أجاب: كنت أدربها على الفنون القتالية!
جاء فاخر بصناديق غذائية كثيرة إلى البيت وعندما سألته عنها أجاب: هدايا غذائية للعوائل المتعففة.. بل رشوة قبيل الانتخابات لشراء أصوات السذج؟ سألته.
لم تعرف بمحتوياتها حتى طبخت لزوجها (فاخر) بعضا منها ليسقط صريع تلك الأغذية المسمومة، فاقدة الصلاحية. نشر خبر الأغذية المسمومة في الصحافة.. لكنه أصبح نائباً في البرلمان العراقي رغم ذلك!
هذه الرواية الواقعية، إن شئتم، كتبت بصناعة سردية على يد سارد ماهر، كأنه يستجيب إلى ما دعوت إليه، أكثر من مرة، وهو "أدب الطوارئ" في بلد يحتاج هذا النوع من الكتابة التي لا تتخلى عن قيمتها الجمالية، لكنها تفكك ما يجري بحمية المثقف المخلص لوظيفته النبيلة: التصدي للفساد.. روائياً.
"مذكرات زوجة رجل مهم" عمل روائي تحريضي لا يقدم على إنجازه غير مواطن مخلص لم يجد غير الكتابة طريقة للتعبير عن الألم الماثل في بلد الحضارات = بلد الخسارات.
(*) منشورات دار ميزوبوتاميا – بغداد 2015.
فساد كبار المسؤولين.. روائياً
[post-views]
نشر في: 3 أغسطس, 2015: 09:01 م