TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > شعوب لا تستوعب الحماقات

شعوب لا تستوعب الحماقات

نشر في: 3 أغسطس, 2015: 09:01 م

اكثر من ذكرى مدمرة مرت هذه الايام. البعيدة هي اجتياحنا للكويت. والقريبة هي مأساة سنجار وسهل نينوى وتلعفر. والتي تلتها حكايات حزن مريرة في مناطق غرب العراق، وسبقتها مأساة سبايكر. انني احرص على تعداد كل هذا كي لا اثير غضب بعض القراء، الذين اصبحوا يستقتلون لمعرفة ما اذا كان الكاتب سنيا ام شيعيا مثلا، بدل ان يركزوا فيما كتب
يوم الخميس سألني مذيع في محطة اجنبية، ماذا يعني لك ربع قرن على اجتياح الكويت؟ قلت له ان كل ما يحصل مع العراق في اخر خمسة عقود، هو مجرد مناسبة لفحص الحماقة السياسية وتأملها. ويجب ان لا نتخيل ان التدبر في خطر الحماقة، عملية سهلة. ان فهم الحماقة كنقص في الحكمة، وتخيل ما ينتج عنها، هو امر معقد جدا. ولانه معقد فان شعوبنا لم تنجح في فهم ما حصل. ولانها لم تنجح في فهم معنى الحماقة، فقد راحت تصفق لكثير من القادة الحمقى. وتحولت من شعوب لديها فرصة عظيمة، الى شعوب في طور التمزق المؤلم
لقد كان العراق فرصة كبيرة في الاربعينات، تهفو اليها القلوب، وبقي يصمد كفرصة كبيرة حتى السبعينات، لكن نتائج الحمق السياسي اصبحت في الكم والنوع، ضخمة وخانقة الى درجة يصعب اخفاؤها. وصرنا ننتقل من خطأ الى خطأ. من معركة الى حرب. ومن موت الى مجزرة. ومن جوع الى مجاعة. ومن دموية الى سادية شاملة وسوداء. والامر يتواصل حتى هذه اللحظة
وأسوأ ما في هذه اللحظة انه لم يعد هناك ضحية وجلاد كما في الماضي، لان الجميع صاروا جلادين بمعنى من المعاني، يحملون قسوة ترفض الحوار، وعنادا يمنع التسويات، واستعجالا يبدد فرص التهدئة، وينقص كمية الحكمة الممكنة، ويعقد مشروع الاستقرار النسبي او الشامل
وفي حديث مع صديق، جرى التطرق الى معنى "الدول العظيمة" وان التنوع في الثقافة والقومية والدين والعادات، هو الوحيد الذي منح بغداد معناها، وساهم في تكوين مدننا المهمة الاخرى. اما نزوح الاقليات واختفاؤها فسيكون نهاية لمعنى "الفرصة العظيمة" في العراق
ان حديث صديقنا جعلني افكر للحظة، واتساءل: ما اهمية ان تمتلك بلدا عظيما، اذا كنت عاجزا عن منع وصول الحمقى الى السلطة فيه؟ او اذا كنت عاجزا عن فهم معنى وصول الحمقى الى السلطة؟ وعاجزا عن التمييز بين الحكمة والحمق؟
وللحظة مرت في ذهني صورة مستحيلة بالطبع لكنها تواسي سقوطنا الرهيب! ماذا لو كان السيد نعيم عبعوب رئيسا لاميركا لثلاث شهور؟ ماذا لو كان عزت الدوري رئيسا لحكومة انكلترا لاسبوعين؟ وماذا لو كان فريقهما مكونا من شخصيات فاشلة اخرى موجودة بكثرة في المنطقة الخضراء والحمراء؟ ان ما اريد قوله، هو ان الذين تعاقبوا على حكم البلاد في اخر نصف قرن، كان بامكانهم ان يدمروا اي بلد عظيم وكبير لو حكموه لاسبوعين او شهرين، فما بالك بالعراق الذي كان ناشئا ووليدا، وبقي يدار من قبل الحمقى كل هذه العقود؟
ان التأمل في ما حصل مع الكويت، مجرد مناسبة لتخيل الحماقة ونتائجها. كما ان التدبر في مأساة سنجار، وكيف تفجرت المشكلة المذهبية، والعودة لحوارات ٢٠١٠ و٢٠١٢ السياسية، تكشف لك كم نجحت الحماقة في تمزيقنا. والمسافة بين ١٩٩٠ و٢٠١٥ تكشف لك اننا لم نفعل شيئا سوى السباحة في بحر من عدم التعقل، ينقصه التوازن، وينقصه فهم السياسة الممكنة، ولا احسب ان هذا المسار سيتصحح بسرعة. حيث لم تفلح كل الصدمات السابقة في جعلنا ننظر الى زاوية متعقلة. اذ لا يزال صوت الحماقة هو الاعلى في بلاد تشهد اختلالا عميقا لتوازنات العقل والجنون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. ابو سجاد

    يارجل من الممكن ازالة تلك الحماقة من ارض العراق هو النزول الى الشارع بشكل متواصل وعدم التقاعس عن تادية واجباتنا تجاه الوطن ولكن لايتم ذلك الابقيادات مثقفة ووطنية وصادقة بنواياه الفرصة لاتزال مؤاتية لاسكات صوت الحماقة وعلينا من جديد الاستفادة من حماس الشب

  2. كلمة حق

    كل ماحصل وسوف يحصل هو نتاج حماقةالحرب العبثية التي حصلت بين العراق وايران . استعرضوا الماضي وتداعيات هذه الحرب لتعرفوا صحة ما اقول .

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram