اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > مظاهرات الحائرين ومناورات البقالين

مظاهرات الحائرين ومناورات البقالين

نشر في: 5 أغسطس, 2015: 09:01 م

انا مؤيد بالفطرة لأي احتجاج. وابذل جهدا هائلا لاتعلم الهدوء احيانا. وفي العراق اعتقد ان كل مظاهرة مفيدة لانها قد توقظ "الكبار النائمين او المستهزئين بالشعب". ومع ذلك فقد كتبت احيانا عن "حيرتي" بشأن تدخل الجماهير في التغيير الثوري. وراجعت اليوم مقالا كتبته في شباط ٢٠١١، مع انطلاق ثورة مصر وتونس، قلت فيه ان النخب السياسية الحاكمة اعجز من ان تتخذ قرارات كبرى للتغيير والتحديث، لان الساسة الحاليين جزء من نظام اخلاقي عتيق وعاجز ولم يجر تطويره لينسجم مع تغير الدنيا. وفي الوقت نفسه فان الجمهور لا يمتلك نقدا جذريا لأنظمتنا الاخلاقية والفكرية التي تغلف كل التدهور، وهذا نقص فادح يمكنه ان يفرغ كل حركة احتجاج من محتواها، ويحول الثورات الى مسار نحو الفوضى او تكرار الفشل
ووفق هذه الحيرة، فلا الساسة قادرون على صناعة قرارات جريئة وصحيحة كبرى. ولا الجمهور قادر على ان يضع نفسه وتاريخه وأخلاقه في ميزان نقد حقيقي يخفف اسباب التخلف او يتخلص منها. وبالتالي فإنه لا توجد ضمانة تجعلنا نحدد نتائج واضحة لرغبتنا بالتغيير. ولذلك فان بلادنا تقوم باسقاط نظام، وتصنع واحدا جديدا سيئا او مريضا في الغالب
ان مراجعة طريقتنا في التفكير ونقد نظامنا الاخلاقي، عملية تحتاج روحا مثابرة صبورة وحرة لم تتوفر بعد. ونحن لا نحب التعمق في النقد والتفسير. ولذلك بقينا ١٢ عاما نعيش على نموذج تحليل لخلافنا، هو نموذج طفولي وفقير ولا يتطور. فالشيعة مثلا، يتهمون السنة بانهم "يهرولون صوب تركيا او الخليج". وياتي السنة لكي يقولوا للشيعة "انتم ايضا تهرولون صوب ايران". بينما المشكلة ليست بين عميل ووطني. فبلد متعدد ومنقسم مثل العراق، يحتاج سياسة محترفة، اي انتاج تسويات واتفاقات وتنازلات مسؤولة ومدروسة وحوار داخلي مستمر ينظم الافكار ويمنع الفوضى. وهذا امر لم نتعلمه بعد. ولذلك فهناك فراغ سياسي في بغداد، اي اننا امام مهام خطيرة لم تنجز. وهذا الفراغ لابد ان يجري ملؤه، سواء بماء ايراني او تركي او سعودي او اميركي او حتى داعشي
التلميذ الكسلان يترك دفتره فارغا. فتاتي يد اخرى وتملأ الفراغات. ولم نتعلم الكتابة، او لم نرغب بالكتابة. وبقينا بدون تسويات عملية بين الجماعات السياسية، ولذلك سنبقى كلنا نبحث عن دعم خارجي، مرة للحماية ومرة للمنفعة ومرة للضمانات. وحين يعجز الداخل عن صناعة توازناته وضبطها، سيأتي الخارج ويفرض التوازن الذي يعجبه، ولذلك فان الجميع يريدون "دعمنا" بطريقتهم، سواء وافقنا او رفضنا!
وهناك فراغ اخر خطير. اذ حين تموت السياسة الحكيمة وتترك فراغا، سيزدهر سوق المؤامرة. ونكون امام "ألاعيب ومناورات البقالين" وهي مناورات صغيرة قد تحرق الديار، وتطرح نفسها كبديل عن الحكمة والتعقل والتخطيط والتدبير
ان الفراغ العراقي بلغ درجة العبث المتطرف المتأصل، وصار ينتج خرائط غامضة، وهذه خطوط مرتبكة ستؤجل الحلول المستقرة. لانها تتطلب مزيدا من الشرر واللهيب للتحوير والتدوير. وهناك باحث اجنبي ممن يستطيعون الانصات الى كواليس عاصمة مجاورة، نبهني مؤخرا الى نوع النقاشات التي تحصل حول العراق بين "البلد المجاور" ومسؤول اميركي
يقول ممثل البلد المجاور، متحدثا للمسؤول الامريكي: بالنسبة لاتفاق الحرس الوطني وتسليح القوى في الانبار.. هل سنناقش اتفاقا داخل دولة واحدة، ام بين دولتين؟ هل سنفترض ان يبقى السنة في العراق ام ينفصلوا؟
وفي نموذج اخر بشان قانون العفو العام، يسأل ممثل البلد المجاور: علينا ان نحدد هل "السجناء" في سجون الحكومة بعد معارك داعش، سجناء، ام اسرى حرب، ام رهائن؟
ان كل المفاهيم تنقلب، والحوار حول خارطة متموجة ومفاهيم منقلبة، هو امر غير ممكن بالنسبة لصانعي السياسات. ونحن لا نملك الا ان نستجيب وننجمد ونتموج! وحين تختفي السياسة، يمتلئ الشارع بمناورات صغار الباعة، و"الله يستر" من هؤلاء، لانهم لا ينجمدون ولا يحتارون ولا يخسرون.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 2

  1. حسين العبادى

    انا متابع قديم لكل ماتكتبه ولكل مايطرح يالمدى وصحف اخرى ارى ان سيسى العراق ات قبل ان يخرج مرسى العراق من قمقمه

  2. ستار مجبل

    ان التظاهرات المطلبية ليس ثورة انها احتجاج وضغط على الحاكم حتى يغير طريقة ادارته التي لم تنتج لنا احتياجاتنا . وان تحرك الناس من اجل احتياجاتهم لهو الفطرة الاولية التي اذا غابت متنا و نزلنا عن مستوى الكائنات الغير عاقلة , لا تحمل التظاهر احمال الثورة لا

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram