TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > نعم.. هناك مؤامرة!

نعم.. هناك مؤامرة!

نشر في: 5 أغسطس, 2015: 09:01 م

ثمة شبح يجول في أنحاء العراق، بخاصة الوسطى والجنوبية، ترتعد له فرائص البعض من النواب والسياسيين الآخرين والمسؤولين المحليين، ويدفعهم إلى تحسّس أعناقهم وشراء كميات أكبر من المناديل الورقية لمسح العرق المتصبب من أجسادهم، حتى وهم في مكاتبهم ومنازلهم المُبرّدة بدرجة 16 مئوية على مدى أربع وعشرين ساعة في اليوم وسبعة أيام في الأسبوع.
الشبح الجائل هذا يُصيب هؤلاء النواب والسياسيين والمسؤولين المحليين، في ما يصيبهم، بنوبة هذر يستعيرون فيها الكلمات البذيئة نفسها التي أُستُعمِلت قبل أربع سنوات في حق المتظاهرين المناهضين للفساد الإداري والمالي والمطالبين بالإصلاح السياسي، بوصفهم بعثيين ودواعش هذه المرة (في المرة السابقة كانوا قاعديين!). أصحاب النوبة هذه يقولون إن المظاهرات التي اندلعت شرارتها في بغداد يوم الجمعة الماضي وامتدّ نطاقها إلى محافظات المنطقتين الوسطى والجنوبية جميعها إنما هي "مؤامرة علمانية لإسقاط الإسلاميين وتجربتهم الإصلاحية"!! أصحاب النوبة هؤلاء يريدون تلطيخ سمعة المتظاهرين، على غرار ما سعى إليه رئيس الحكومة السابق، والهدف هو وقف هذه الحركة الشعبية الجامحة التي تهدّد بإسقاط عروش الفاسدين والمفسدين في هذه الدولة.
الحمد لله أن رئيس الحكومة حيدر العبادي إسلامي وليس علمانياً، وأن مقتدى الصدر هو الآخر إسلامي وليس علمانياً وأن قيس الخزعلي هو الثالث إسلامي وليس علمانياً وان خطيبي جمعة كربلاء ممثلي مرجعية النجف هما كذلك إسلاميان وليسا علمانيين.. هؤلاء جميعاً رفعوا أصواتهم عالياً في الأيام الأخيرة ليس فقط تفهماً لأسباب التظاهر ودوافع المتظاهرين وأهداف المظاهرات، وإنما أيضاً تشجيعاً على التظاهر وحضّاً على تلبية مطالب المتظاهرين.
إذا كانت ثمة مؤامرة لإسقاط الإسلاميين الممسكين بالسلطة في البلاد، فهي نابعة في الواقع من داخلهم هم، ومن تدبيرهم وصنع أيديهم.. المخططون لها ومنفذوها إسلاميون، فمفاصل الدولة الرئيسة في أيدي الإسلاميين، شيعة وسنة، والفساد الذي زعزع كيان الدولة مارسه ورعاه الإسلاميون في المقام الأول بحكم نفوذهم وسطوتهم في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية، وتردي الخدمات العامة يتحمّل المسؤولية الأساس عنه الإسلاميون الذي يتقلّدون أكثر المناصب وأرفعها في الحكومة الاتحادية والحكومات المحلية ويشكّلون الأغلبية الساحقة في البرلمان الاتحادي ومجالس المحافظات.
هو ذا النائب عن التحالف الوطني (الإسلامي الشيعي) عبود العيساوي، مثلاً، يقرّ ويعترف في بيان له بأن "ملفات الفساد متورطة بها شخصيات نافذة بمفاصل مهمة في الدولة" (السومرية نيوز).. ولا أكثر نفوذاً في مفاصل الدولة المهمة من ممثلي قوى الإسلام السياسي التي توزّعت في ما بينها مناصب الدولة على وفق نظام المحاصصة الذي توافقت عليه وتمسّكت به بعناد وضراوة منذ أكثر من عشر سنوات.
الهاذرون بنظرية المؤامرة، وهم من النافذين في الدولة والعملية السياسية، إنما يحاولون الهرب إلى الأمام باتهامهم العلمانيين، ويواصلون المؤامرة على أنفسهم لأنهم لا يريدون الاعتراف بأخطائهم وخطاياهم التي أوصلت الأمور إلى ما هي عليه الآن، خشيةً من تداعي عروشهم وانقطاع مصادر فسادهم، ولا يريدون الإقرار بأنه إذا ما كانت هناك مؤامرة لركوب موجة المظاهرات والسعي لإسقاط الحكومة (رئيسها بالتحديد) فإنما مدبّروها إسلاميون مثلهم، من داخل التحالف الوطني بالذات، وليسوا علمانيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. وليد اﻻبراهيمي

    نعم نريدها علمانية بعد ان عاثوا اﻻالمعممين في العراق فسادا وسرقة ومحاصصة .وارهاب وقتل وشتى انواع الحرمان والتبذير ﻻموال العراقيين ونهبثروة الفقراء وتمزيق الصف العراقي والخضوع .ﻻرادة ايران بالكامل مما تسبب ضياع لهويتنا العراقية التي فقدت .وﻻنعرف من نحن ..!

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

العمودالثامن: الحرب على الكفاءة

 علي حسين منذ ان ظهرت الديمقراطية التوافقية في بلاد الرافدين ،والمواطنونالعراقيون يبحثون عن مسؤول مختلف يمنحونه ثقتهم، وهم مطمئنون ، رغم أنهم يدركون أنّ معظم السياسيين ومعهم المسؤولين يتعاملون مع المناصب على أنها...
علي حسين

قناطر: ليلُ العشَّار الطويل

طالب عبد العزيز يحلَّ الليلُ باكراً في أزقّة العشَّار، أزقته القصيرة والضيقة، التي تلتفُّ عليه من حدود شبه جزيرة الداكير الى ساحة أم البروم، يحدث ذلك منذ سنوات الحرب مع إيران، يوم كانت القذائفُ...
طالب عبد العزيز

محاسبة نتنياهو وغالانت أمام محكمة الجنايات الدولية اختبار لمصداقية المجتمع الدولي

د. أحمد عبد الرزاق شكارة يوم عظيم انتصاراللعدل عبارة تنم عن وصف واضح مركز ساقه الاستاذ المحامي الفلسطيني راجي صوراني عن طبيعة الدور الايجابي المؤثر للمحكمة الجنائية الدولية متمثلا بإصدار مذكرتي القاء القبض تخص...
د. أحمد عبد الرزاق شكارة

الاندماج في العراق؟

أحمد القاسمي عندما نسمع بمصطلح الاندماج يخطر بأذهاننا دمج الأجانب المقيمين في بلد ما. فاستخدام هذا المصطلح بات شائعا منذ بضعة عقود في الغرب ويُستخدَم غالبا عند الحديث عن جهود الدولة أو مؤسسات المجتمع...
أحمد القاسمي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram