حيث تعددت الصراعات الدينية , وافتقد المجتمع لثقافة الاختلاف وتقبل الاخر , كما افتقد لظاهرة الحوار والتعايش بين الايديان وهذا ما ناقشهُ العددان الحادي والستون والثاني والستون من مجلة (قضايا اسلامية معاصرة) والتي يرأسها المفكر الاسلامي عبد الجبار الرفا
حيث تعددت الصراعات الدينية , وافتقد المجتمع لثقافة الاختلاف وتقبل الاخر , كما افتقد لظاهرة الحوار والتعايش بين الايديان وهذا ما ناقشهُ العددان الحادي والستون والثاني والستون من مجلة (قضايا اسلامية معاصرة) والتي يرأسها المفكر الاسلامي عبد الجبار الرفاعي , والصادرة عن مركز دراسات فلسفة الدين و المعنية بالهموم الفكرية للمسلم المعاصر , وحاولت المجلة الدعوة الى ترسيخ العقلية النقدية الحوارية وتجاوز العقلية السكونية المغلقة وبناء مجتمع مدني تعددي تسود فيه روح التسامح والعيش المشترك وتطهير التدين من الكراهية والاكراهات وتحرير فهم الدين من المقولات والمقالات والافكار والمواقف التعصبية العدوانية , وقد تطرق العددان المذكوران سابقاً الى العديد من الدراسات والحوارات والابحاث الفكرية لعدد من المفكرين البارزين , كما افتتح العدد الدكتور حسن ناظم بكلمته (تأويلية الفهم) حيث عرف تأويل النصوص بأنهُ تبيئة الغريب ، ويعمل المؤول على إلغاء المسافة بين حالة النص المؤول (زمن إنتاجه و ظروفه) وحالته الراهنة , وبيّن حسن ناظم إن الجدالات والنقاشات المحتدمة حول شرعية التأويل او لا شرعيته هي بالأصل صراعات حول واحدية المعنى وتعدده , واستدل الكاتب بأن وجود الانسان على الارض وتاريخه بيّنة جليّة على ما قيل وشيء واحد فقط يمنح المعنى الواحد للشرعية ويبطل المعاني الاخرى وهو السلطة في جميع صورها .
ثم تبتدئ الحوارات بحوار مع الدكتور طيب تيزيني حول الهرمنيوطيقا وما تكشفهُ عن الذاتية التأويلية , وقد تطرق الحوار الى العديد من التساؤلات من بينها كيف تُؤوَل الهرمنيوطيقا اذا كان موضعها النص الديني ؟ ليكشف تيزيني عن وجود نقاط لقاء بين الدين والهرمنيوطيقا مثل المسؤولية الفردية والحرية الفكرية واحترامها مروراً بستراتيجيات الحروب والسلام ، وهذا يبين إن التأويل والترجمان يعلمان عن الشيء نفسه في الحالتين كلتيهما تقريباً , ويشير إن النص القرآني امام اشكالية البنية والقراءة أي إن الدائرة النصية التي ينطلق منها الباحث ليتجه الى النص تتسع عمقاً وتشمل خمسة حقول معرفية هي التاريخ , والتراث , والزمان , وحقل سوسيو ثقافي , وحقل جغرافي مكاني لتنتقل هذه الحقول الى النص من خلال المعرفة والمصلحة , ليستمر الحوار بتساؤلات مختلفة مع تيزيني حول ممارسة الهرمنيوطيقا في بلداننا العربية ؟ ليدهشنا بتساؤلاتٍ حول هل يمكن التحاور فيما يمر به العالم اليوم من خراب ودمار ؟ علينا أن نبحث عن الحريات للشعوب والدين والفكر والثقافة , والكرامة والسلام ,تُختتم التساؤلات مع تيزيني بأملهُ بأن ينطلق العرب غداً او بعد غد باتجاه ما يجعلهم بشراً مع الاخرين آنذاك سنكتشف ان فضائح البشرية انما هي انماط من الايقونات الزائفة التي تُسهم على الاقل في اكتشاف الحقيقة الاتية من مجرى الحياة ومن يحياها .
وبعد حوار مطول انتقلت المجلة الى دراسات متعددة كانت من بينها مدخل الى مقاربات اسلامية حديثة للتوحيد للدكتور عبد المجيد الشرفي , وكانت هذه الدراسة تعرض الصعوبة في تفهم هل ان التوحيد الاسلامي هو ذاته اليهودي والمسيحي ؟ إلا ان اكثر المسلمين يعتبرون إن الله إله المسلمين فقط ولا يخص بأهل الكتاب , ليُلخص الشرفي خطابهُ قائلاً بأن المؤمن الموحد يعرف اليوم بدقة إنه لن يكون لخطابه اية فرصة حتى يكون شافياً للغليل إذا لم ينجزه خارج الاكراهات الاجتماعية في إطار الوعي الجدلي .
وتستمر الدراسات والمناقشات التي شملت التأويلات المنهجية والمواقف من المنعطفات اللغوية والتي شكلت فيها التأويلية منعطفاً اساسياً في الفلسفة المعاصرة ويستمر الدكتور الزواوي بغوره , بدراستهِ التأويلات المنهجية ليفتحها على جبهة النقد الايدولوجي , ليعود الدكتور وجيه قانصو ليتطرق الى النص الديني ورهانات المعنى السياسي حيث ذكر إن العنف الديني يكتسب شهرته من ما تشهده الساحة الاسلامية من ممارسات عنف غير مشهودة من قبل , ولم يتطرق بغوره لرهانات معنى جديدة للنص الديني فاعتبرهُ أمراً متروكاً لدينمة المجتمع , ليغور بعدها الدكتور محمد المزوغي في فلسفة التأويل حيث اعتبرالمزوغي الهرمينوطيقا بأنها ليست معتقدات فلسفية مخصوصة او منهجية محددة يتقاسمها الفلاسفة و إنما هي ذهنية عامة ومناخ موحد يشمل الجميع , وفي دراسة الاسلام السياسي والمراوغة التأويلية من شمول الاسلام الى الحاكمية للدكتور علي مبروك ذكر ان الاسلام السياسي لا يتوقف عن الادعاء بأنه التحقيق المطابق لإسلام العصر الاول السابق على اسلام التاويل ليستهدف بذلك تثبيت سلطته على النحو الذي يجعلها فوق المسائلة والنقد , ليُبين بذلك صعوبة شمول الاسلام بالسياسة إلا من خلال التأويل على العكس من إلادعاء المتواصل بأنهما مبنيان خارج الحدود .
ومن خلال دراسات أُخرى قدمها احمد الفرحان عن ريكور في تأويل الحياة الكتابية للذات الاعتقادية بين الفرحان إن اهم ما جعله يعمل على هذه الدراسات هو الكشف عن نمط وجود الذات المؤمنة بوصفها والتي تعتقد بقدرتها على الاستجابة لنداء أعمق يأتيها من وراء محدودية الحجاج الفلسفي في الاستدلال على المعنى التراجيدي للوجود الانساني في العالم , ليبين بعدها الدكتور اسماعيل مهنانة بوجود زوبعة تثار اليوم حول النص الديني و تأريخه وتأويله والمناهج الواجب إعتمادها , ويضيف بأن كل نزعة تأريخية في الدين هي نزعة انسانية في عمقها بذلك يتوجب رفض معادلة مفهوم التاريخ بمفهوم البشرية ليتمثل بذلك التاريخ على انه ملاذ اخير لنزعة انسانية متعالية , ليبدأ مصطفى الغرافي في مناقشة التأويل الديني بين مطالب العقل وضوابط النقل ليبين إن كل قرأة للنص القرآني المعجز تظل محاولة تنشد الإحاطة بالمعنى الواحد والمطلق الذي تضمنته "رسالة السماء الى الارض" على حد تعبيره , وقد وضح عمق العلاقة بين النصين الكلامي والبلاغي حيث وضح إن " المفاهيم البلاغية وانحاء إجرائها محملة بهواجس العقيدة فهي التي تواجه الفكرة وترسم افاقها حتى بدا لنا احياناً إن القاعدة البلاغية لم تنشأ إلا بغية فك الاشكال العقيدي" ,لتستمر الدراسات والمناقشات التأويلية حيث يبين الدكتور العياشي إدواري في دراساته حول الفعل التأويلي والانتاج المعرفي حيث استند الى زاويتي نظر متكاملتين تتمثل اولاهما باعتبار كل معرفة تأويل وهذا ما يعني إن النتاج الفكري والرمزي والثقافي والعلمي والحقائق الموصولة به على اختلافاتها ذات جوهر تأويلي , ليتواصل النقاش حول التثقيف الديني و إن ما ينتمي لحياة الانسان هو اللب المكون للدين , وينبغي أن يكون محركاً دائماً حيوياً وفعالاً في اطوار الحياة ومن هنا يكون الدين ذاتاً روحية متعالية ومتجذرة في الانسان ومستمرة النشاط ونابظة بالحياة , ولكي ينعم الدين بهذا يجب ألا يتهاون بالانفتاح بما يجب فتحه من معانيه ومفرداته لأن الاشياء الضخمة هي تلك التي تنبني على الجرأة والقوة .
وتتدرج المناقشات الدينية والفلسفية حول الهرمنيوطيقا والدين والافكار الثقافية والسياسية الخاصة بالدين لتطرح الافكار للنقاش حول ادلجة الدين ومواضيع الانتحال التي تتعرض لها بعض النصوص الدينية , لتطرق الحديث الى صدر المتألهين ومعضلة الانتحال حيث اتهم صدر المتألهين الشيرازي بأنه انتحل افكار الكثيرين وقد سعى دائما الى دفع هذه التهم عنه وتبرئة نفسه منها , وقد تخصصت مجلة (قضايا اسلامية معاصرة) في مناقشة جميع الامور والموضوعات الاسلامية و مقارنتها ومحاولة ربطها بكل ما هو جديد ومعاصر من أجل مواكبة الدين وحداثته بحثاً منها عن بناء واقع متسامح يتقبل اختلاف الاخر , كما ويعتبر هذا العدد امتداداً لأربعة اعداد سابقة ناقشت موضوع الهرمنيوطيقا وتأويلات النصوص الدين.