TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اختيارات ومعالجات المخرجين المسرحيين الجدد

اختيارات ومعالجات المخرجين المسرحيين الجدد

نشر في: 10 أغسطس, 2015: 09:01 م

من خلال متابعتي لأعمال المخرجين المسرحيين الجدد في مسرحنا سواء من خلال المشاهدة المباشرة أم عن طريق مشاهدة الاقراص الممغنطة استطعت ان اتعرف اخياراتهم للنصوص المسرحية ومعالجتهم للعروض المسرحية . وقد وجدت ان بين اعمالهم عددا من القواسم المشتركة حتى يبدو للمراقب ان الواحد منهم يقلد الآخر.
وجدت ان اولى القواسم المشتركة هي عدم تصديهم لأخراج نصوص عالمية لمؤلفين مشهورين وحتى لو تم اختيار احدى تلك النصوص فإنهم يعمدون الى اعدادها بشكل يسهل عليهم اخراجها على وفق رؤاهم ووتتبرأ مما يحدث من عملية الاعداد تشويه النصوص الاصلية او تحريفها او تقطيع اوصالها، واضرب على سبيل المثال ما فعله الممثل (سعد محسن) مع نص بعنوان (حروب كوسوفو) لمؤلف الباني او كوسوفي يدعى (عاكف موليكي) كنت قد ترجمته عن الانكليزية ونشرته (دار المأمون) التابعة لوزارة الثقافة، وحاول المعد ان يسقط احداث المسرحية على ما جرى من حروب في العراق فجاء الاعداد مجتزءاً للاحداث والافعال الدرامية.
وثاني القواسم المشتركة استخدام اللوحات التعبيرية بأجسام الممثلين وما يطلقون عليها (دراما دانس) او (دراما الجسد) ولاحظت ان تلك اللوحات هي خليط من الرقص والتمثيل الصامت والرياضة السويدية والالعاب الاكروباتيكية فتراهم يرفعون اذرعهم الى اعلى ويخفضونها الى الأسفل او يلوون اجسامهم او يدورون حول انفسهم او يتدحرجون على الأرض او ينطون باجسامهم الى اعلى ويسقطون او ينفذون حركات مشابهة كحركات راقصي الباليه. لقد جاء (طلعت السماوي) وهو المغترب في السويد بهذا النوع من فنون العرض ودرس عدداً من الممثلين واغلبهم من طلبة معهد الفنون الجميلة او كليتها. وعندما عاد الى مهجره راح البعض منهم يواصلون ما قام به وانشطرت المجموعة الاولى من الممثلين الذين عملوا معه الى مجموعات صغيرة لتقدم عروضاً متشابهة. بل ان بعض المخرجين من الفئة الوسطى راحوا يقحمون مثل تلك اللوحات في اعمالهم الدرامية كما فعل (ابراهيم حنون) في عمله (حروب).
الجدير بالذكر ان اللوحات التعبيرية او الرياضية او الاكروباتيكية التي استخدمت وتكرر استخدامها باتت تتحول الى كلائش وقد تؤول الى الموت يوماً ما، وقد ادرك (طلعت السماوي) تلك الحقيقة واضطر الى اقحام الكلام او الحوار في آخر عمل له في بغداد بعنوان (ندى المطر).
القاسم المشترك الثالث بين اعمال المخرجين الجدد هو عدم الترابط بين الاحداث في العروض التي يقدمونها، وكذلك الغموض الذي تتصف به تلك العروض ويعتقدون انهم بذلك يجددون الفن المسرحي ويرفضون كل ما هو تقليدي وبذلك ينكرون حقيقة ان المسرح التقليدي ابتداءً من المسرح الاغريقي الكلاسيكي ومروراً بالمسرح الرومانتيكي الالماني والفرنسي والواقعية الابسنية والجيكوفية ما زال يحتل المساحة الأكبر في مسارح العالم وربما بمعالجات مستحدثة او مبتكرة ورؤى جديدة. الم يفعل سامي عبد الحميد ذلك مع مسرحيات شكسبير (هاملت) و(حلم ليلة صيف) و(ماكبث) و(عطيل) ؟ الم يفعل صلاح القصب ذلك مع مسرحيات جيكوف (طائر البحر) و(الخال فانيا) و(الشقيقات الثلاث) ومع مسرحيات شكسبير (هاملت) و(الملك لير) و(العاصفة) و(ماكبت). هذا هو مبدأ التجديد في الفن المسرحي وليس فقط في (الرقص الدرامي) او (دراما الجسد) او ما شابه من عروض لا تحسب في فضاءات المسرح العالي ومراكزه المعروفة إلا ضمن العروض المسرحية الهامشية.
تصوروا انني شاهدت تسجيلات لعروض مسرحية قدمت في الأيام الاخيرة وهي لا تنتمي الى الفن المسرحي بل الى ما سمي (الواقعة) والغريب ان اصحابها لا يعرفون شيئاً عن هذا الصنف من فنون العرض والتي ظهرت منذ اوائل الخمسينات من القرن الماضي في اميركا وكان من روادها (جون كيج) و(ألن كابراو) وكلاهما ليسا مسرحيين بل احدهما موسيقي والآخر راقص. وللعلم فان (الواقعة) قد غابت عن الساحة الفنية هذه الأيام في اميركا.
ومن هذا نخرج بالقاسم المشترك الرابع وهو النقص في الثقافة العامة والثقافة المسرحية بالذات لدى الكثير من اولئك المخرجين حيث يعتقدون أنهم ليسوا بحاجة الى مثل هذه الثقافة طالما يمتلكون الموهبة والخيال الواسع وشحنة الابتكار ناكرين ان الثقافة التي تغذي الموهبة وتطورها وهي التي توسع القدرة على التخيل وهي التي تساعد على الابتكار، وبدون الثقافة سيظلون محددين بنوع واحد من انواع فنون العرض ويكررونه وبذلك يتجه نحو الجمود والموت على حد رأي المخرج الانكليزي الكبير (بيتر بروك).

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram