اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > اصلاح مستحيل واصلاح ممكن

اصلاح مستحيل واصلاح ممكن

نشر في: 10 أغسطس, 2015: 09:01 م

ليس رئيس الوزراء حيدر العبادي ولا الفريق المعتدل الداعم له، ولا المرجعية الدينية، في ظرف يسمح لهم ان يتعهدوا بتغيير جذري وسريع في الواقع السياسي والاداري للبلاد. لكن في وسعهم ان يبدأوا عملية تخفيف لحجم الكارثة، مدعومين بتاييد شعبي مقبول، وتناقضات اقليمية مقلقة تستدعي التحرك العاجل
والجميع يسألون هذه اللحظة: ماذا تختلف وعود العبادي في اب ٢٠١٥ عن وعوده في ايلول ٢٠١٠؟
المفروض ان الفرق هو ان العبادي والحكيم والصدر ومرجعية النجف، ومعهم اطراف اخرى، شعروا بوضوح بان استمرار الجمود السياسي وتأخر التغيير المطلوب، سيشعل مزيدا من الغضب، وان اطرافا كثيرة ستحاول ركوب موجة الغضب الشعبي، وربما يصل الامر الى تخريب "خرائب الدولة" وضياع كل ما تبقى. وحتى العبارات القاسية جدا والتي يستخدمها بعض المتظاهرين في تهديد الساسة، بنحو نعترض على اسلوبه، ربما يكون ذا دور ايجابي في الضغط على الطبقة السياسية لفعل شيء جاد
ان اكثر من طرف يريد القيام بالتغيير. الجمهور، وبعض فصائل الحشد الشعبي، والاحزاب المشاركة في الحكومة نفسها. والصدام الذي حصل في الرغبات والتصورات، لم يجر حسمه بعد. والورقة التي اعدها العبادي ورغم كل الملاحظات عليها، بدأت تشكل محور اتفاق اولي بين النجف والصدر والحكيم. وقد حظيت بدعم من الجمهور المتظاهر. لكن تطبيقها كما وردت في البنود المكتوبة، سيعني تغييرا للكثير من قواعد اللعبة السياسية، واصطداما بكثير من توازنات القوى. واعتقد ان علينا من الان ان نعيد القراءة لنفرز ما يمكن تطبيقه من الوعود، وما سيكون صعبا تطبيقه. لكي نفهم كيف نطور مطالباتنا، وكيف نطرح اشياء قابلة للتطبيق
ومن هذا الفرز الاولي استطيع ان اقول لكم، ان كل جهة تدعي انها ستطبق مبدأ "من اين لك هذا" وتحاسب بجدية، سيكون كلامها نوعا من الخداع الصريح. لا احد سيطبق هذا المبدأ، لانه سيشعل خمسة حروب داخلية مدمرة. لكن الممكن هو اتخاذ اجراءات جديدة تقلص فرص الفساد والهدر في المشاريع المستقبلية، وتجارب العالم في هذا الاطار، ماثلة امامنا من ايطاليا الى جنوب شرق اسيا. ومن جهة اخرى لن يمكن ان نقضي على المحاصصة، لان التوازن في التمثيل سيبقى ضمانة سياسية، لكن من الممكن ان نضع معايير اعلى تمنع اختيار وزراء لا خبرة مشهودة لديهم. وهذا ايضا شرط صعب يمكن ان يطيح بنصف الوزراء الحاليين. وقل مثل هذا عن بقية المطالب
ان الامر برمته يتطلب منا ان نتخلص من فكرة سيئة. اذ يعتقد البعض ان احزاب السلطة شريرة، وحين نقوم "بسحلها" سيبقى الطيبون فقط في البلاد ويشكلون حكومة اشراف نجباء. لكن علينا الانتباه الى ان قواعد اللعبة الحالية من شانها خلق حكومة شريرة وفاسدة وعاجزة، من الان حتى مائة عام اخرى. وكل طيب يصبح رئيسا في بلد بلا قواعد منضبطة، سيصبح شريرا بنحو تلقائي. والحل لا يكمن في سحل الساسة ولا في تدمير المنطقة الخضراء. بل في تحديث قواعد السياسة والادارة والاقتصاد. وهذا التحديث لا يكون الا باشراك التجارب المتقدمة في تطوير قواعد العمل لدينا، وهو امر ذكرته بتفصيل ممل في مقالي السابق، ولن أشعر بالملل من تكراره
ان ادراك الممكن والمستحيل من الاصلاحات، ليس تنازلا، بل هو امساك بخطة قابلة للتنفيذ، وسط انهيارات رهيبة تحيط بنا
والحكاية لن تنتهي، ففي الخطوة التالية سيكون علينا الانتباه الى ان المطالب الاصلاحية المطروحة اليوم، لم تتضمن الجانب السياسي الذي بقي عالقا، وهو اساس الاحتقان الطائفي وسبب رئيس لظهور داعش وانهيارنا الامني. وهذا مجال لا يقل خطورة عن شؤون الادارة العامة والفساد.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. علي عبد علي

    وهل تعتقد حضرة جنابكم بكل جدية بأن الاحزاب الحاكمة في ما بقي من العراق و محاصصتها التي هي اصل المشكلة و توافقاتها الكريهة، هي من يمكن لها او حتى راغبة في اية اصلاحات اطلاقا؟ ام تراكم جزءا مستفيدا من هذا الخراب الذي يسود العراق و تريدون ان يستمر و لو بشكل

يحدث الآن

العراق الثاني عربياً باستيراد الشاي الهندي

ريال مدريد يجدد عقد مودريتش بعد تخفيض راتبه

العثور على جرة أثرية يعود تاريخها لعصور قديمة في السليمانية

"وسط إهمال حكومي".. الأنبار تفتقر إلى المسارح الفنية

تحذيرات من ممارسة شائعة تضر بالاطفال

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: العميل "كوديا"

العمودالثامن: عقدة عبد الكريم قاسم

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

وجهة نظر عراقية في الانتخابات الفرنسية

عاشوراء يتحوّل إلى نقمة للأوليغارشية الحاكمة

العمودالثامن: فولتير بنكهة عراقية

 علي حسين ما زلت أتذكر المرة الأولى التي سمعت فيها اسم فولتير.. ففي المتوسطة كان أستاذ لنا يهوى الفلسفة، يخصص جزءاً من درس اللغة العربية للحديث عن هوايته هذه ، وأتذكر أن أستاذي...
علي حسين

من دفتر الذكريات

زهير الجزائري (1-2)عطلة نهاية العام نقضيها عادة في بيت خوالي في بغداد. عام ١٩٥٨ كنا نسكن ملحقاً في معمل خياطة قمصان (أيرمن) في منتصف شارع النواب في الكاظمية. أسرّتنا فرشت في الحديقة في حر...
زهير الجزائري

دائماً محنة البطل

ياسين طه حافظ هذه سطور ملأى بأكثر مما تظهره.قلت اعيدها لنقرأها جميعاً مرة ثانية وربما ثالثة او اكثر. السطور لنيتشه وفي عمله الفخم "هكذا تكلم زارادشت" او هكذا تكلم زارا.لسنا معنيين الان بصفة نيتشه...
ياسين طه حافظ

آفاق علاقات إيران مع دول الجوار في عهد الرئيس الجديد مسعود پزشكیان

د. فالح الحمراني يدور نقاش حيوي في إيران، حول أولويات السياسة الخارجية للرئيس المنتخب مسعود بيزشكيان، الذي ألحق في الجولة الثانية من الانتخابات هزيمة "غير متوقعة"، بحسب بوابة "الدبلوماسية الإيرانية" على الإنترنت. والواقع أنه...
د. فالح الحمراني
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram