للوقوف ضد الحركة الاحتجاجية الشعبية المطالبة بإصلاح النظام السياسي ومكافحة الفساد الإداري والمالي، لم يجد بعض الفاسدين والمفسدين، بمن فيهم وعّاظ سلاطين ضالعون في الفساد بشكل أو آخر، غير السعي لفتح جبهة حرب مفتعلة بين الإسلاميين والعلمانيين.
المفسدون هؤلاء، أو شهود الزور على الفساد وسائر مظاهر تحلّل النظام السياسي الذي أقيم على قاعدة المحاصصة، رفعوا عقيرتهم بالزعم أن المظاهرات التي انطلقت في اليوم الأخير من الشهر الماضي، يقف وراءها علمانيون يريدون "العودة الى النظام اللاديني". هذا بالطبع كلام متهافت، فنظام الحكم القائم الآن ليس دينياً لكي يتظاهر العلمانيون من أجل إلغائه أو إطاحته والعودة إلى النظام اللاديني. الدستور الذي استفتي عليه الشعب العراقي في العام 2005 لم يتضمن أي مادة تقول بدينية نظام الحكم، بل إن المادة الأولى في هذا الدستور تنصّ على أن "جمهورية العراق دولةٌ اتحادية واحدة مستقلةٌ ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوريٌ نيابيٌ (برلماني) ديمقراطيٌ"، وما من علاقة، بالطبع، للنظام الديني بالديمقراطية، بل إنه مناهض للديمقراطية ومناقض لمبادئها.
الإسلاميون، الشيعة والسنة، الذين شكّل ممثلوهم الأغلبية في الحكومات ومجالس النواب وهيئات الدولة الأخرى على مدى الاثنتي عشرة سنة الماضية هم الذين ركنوا الدستور جانباً وعطّلوا الكثير من أحكامه وفرضوا هيمنتهم على البلاد بموجب نظام المحاصصة الذي أدى إلى أن يتحوّل العراق إلى دولة فاشلة بامتياز، وهم الذين سنّوا القوانين واتخذوا الإجراءات التي حالت دون مغادرة هذا الفشل ومساءلة الفاسدين والمفسدين وإقامة نظام حكم يحقق العدالة الاجتماعية.
الذين اعتلوا المنابر وسعوا لتلفيق التهم في حق العلمانيين ومحاولة التحريض ضدهم، كان عليهم لوم السياسيين الإسلاميين لأن الكثير منهم ممن تقلدوا المناصب الرفيعة والوظائف المهمة في الحكومة ومجلس النواب والهيئات الأخرى لم يفوا بالوعود والعهود، وكانوا حجر الزاوية في عملية بناء نظام حكم لا يقوم على أسس العدل والإنصاف والوطنية، وإنما ابتدعوا نظام المحاصصة الذي فتح أوسع الأبواب لتولّي عديمي النزاهة والكفاءة والخبرة والوطنية أهم المناصب في الدولة.
الأحزاب الإسلامية تهالكت أكثر من غيرها على الانتهازيين المتملّقين والمتزلّفين لضمّهم إلى صفوفها ودفعهم إلى المناصب القيادية فيها وفي الدولة، وبين هؤلاء عدد غير قليل من فلول نظام صدام الذين وجدوا في هذه الأحزاب ملاذات آمنة لهم لتفادي ملاحقتهم عن جرائمهم في حق الشعب العراقي في فترة حكم صدام.
أفضل وأقوى ردّ على وعّاظ السلاطين أصحاب الأطروحة المتهافتة بخصوص"المؤامرة" العلمانية، جاء من مرجعية النجف الدينية التي لم تكتف بتأييد حركة المظاهرات وإنما دعت أيضاً رئيس الحكومة لأن يكون أكثر جرأة وإقداماً في تلبية مطالب المتظاهرين، وبالطبع فإن أول وأهم هذه المطالب هو معالجة الخلل البنيوي في النظام السياسي القائم على المحاصصة والذي شكّل على مدى الإثنتي عشرة سنة الماضية الحاضنة المثالية للفساد الإداري والمالي ولكل مظاهر فشل دولتنا في ظل نظامها الحالي.
موقف مرجعية النجف هذا ألقم وعّاظ السلاطين هؤلاء، وسواهم ممن خططوا لإجهاض الحركة الاحتجاجية، حجراً كبيراً وثقيلاً.
وعّاظ السلاطين وحجر المرجعية
[post-views]
نشر في: 11 أغسطس, 2015: 09:01 م