إن شكسبير يبجل التعقيدات الإنسانية ويجعلها مثالاً ويضع الجمهور في رعب أمام فخاماتهم الجمالية. حتى شخصية أياغو التي صنعها لا يمكن أن تقاوم كونها الكمال بنفسه- نحن نعحب به في اللحظة التي نتمرد بسبب مكائده.
يبجّل أيضا كونه ضحية للتشويه؛ سذا
إن شكسبير يبجل التعقيدات الإنسانية ويجعلها مثالاً ويضع الجمهور في رعب أمام فخاماتهم الجمالية. حتى شخصية أياغو التي صنعها لا يمكن أن تقاوم كونها الكمال بنفسه- نحن نعحب به في اللحظة التي نتمرد بسبب مكائده.
يبجّل أيضا كونه ضحية للتشويه؛ سذاجة تفكيره تكون مثلاً للبراءة والفضيلة ومأساته تستقبل الغفران من خالقه ( من الأفضل أن يجري خداعه لكنه يبقى روحاً نقية). يجعل شكسبير من أياغو كبش فداء عن طريق عدم إدانة سذاجة عطيل وافتقاده للتفكير وميله إلى الاعتماد بشكل سلبي على كلمات الآخرين.
الأشد بياضاً هو سواد عطيل والأشد سواداً هو بياض أياغو بينما هما متعاونان غير واعيين تماماً في الاحتفاظ بالمحيط الاجتماعي السايكولوجي إذ الكاذب هو الملك والساذج يعد بريئاً وأخلاقياً. والموقف نفسه مع دزدمونة – فعذريتها الفكرية تصبح لافتة بيضاء فيجري وصفها كونها ضحية سامية. فغفلتها العقلية وكسلها لا يجذب انتباهاً بشكل كاف. وبما أنها شخص ضحية فإنها عليها أن ترى من خلال حجاب القداسة. أي شيء آخر يمكن أن يسترجع حقيقة أن التجميل يفسد الأشياء؟ إضافة إلى أن الناس والفنانين يحبون أن ينقلوا الشخصيات المسرحية إلى حاملين للماهيات (جاهزة الصنع) كي يجسدوها في مرايا التعقيدات الإنسانية.
في فيلمه يواجه بازوليني لا شكسبير وحده كمؤلف فحسب الذي يشوه بشكل فيتشي/ جمالي سايكولوجيا شخصياتها المسرحية من اختراعه لكن أيضاً جمهوره وقراء مسرحيته في القرون العديدة الماضية الذين حيوا وبالغوا هذا التشويه عن طريق ردود أفعالهم التطهيرية.
يركز بازوليني على سذاجة عطيل ودزدمونة وعدم براعة إداركهما الذي يعطي أياغو الفرصة الذهبية في أن يكون جاراَ ناجحاً للحبل. في الفيلم تقوم القصة الشخصية بمنح المعنى للسياق السايكولوجي للتلاعب بعقول الناس بصورة عامة. على المستوى السايكولوجي يكون عطيل ليس أقل نضجاً من زوجته الشابة؛ حقاً إنه زوجها في صبيانية الروح. فسذاجتهما نفس سذاجة العديد من الأمريكيين الذي يتظاهرون وباعتقادهم أن العراق له يد في حادثة 11 / 9.
نرى أنه حين تمثل مسرحية "عطيل" في مسرح مجرّد وأياغو على خشبة المسرح فإن عطيلاً من الخشبة الخلفية يصغي إلى خطة أياغو إنه يشهد كيف أن أياغو عازم على أذيته ودزدمونة وهو ينتظر الفرصة كي ينفذ خطته. ومع ذلك فإن هذه المعرفة لا تغير من عطيل فهي لا توقظ فيه أي شك نحو تلميحات أياغو.
إن المعرفة بلا قوة بمواجهة "القدر" – بمواجهة سلوكنا المنمط الأعمى. بإمكان فيلم بازوليني أن يساعدنا لفهم أفضل لردة الفعل من بعض الأمريكان البوشيين (نسبة إلى بوش) في الحرب على العراق- حماسهم أو فقط مساندتهم السلبية الصامتة للحرب. دعونا نتصور بأن جينيفيلد أو بوشفويتوز قبل غزو العراق يمكن أن يأتي إلى الجمهور الأمريكي ويصرح بانهم بينما يعلمون بأن هناك صلات بين العراق وهجمات 11/ 9 إلا أنهم ما زالوا لم يقصدوا المباشرة بالغزو لأنه " بعد 11/9 مهم جداً لنا" للحصول على نفط العراق للحصول على جيش قوي متحرك لانه " أن تكون مباشرة في وسط الشرق الأوسط هو نقطة حاسمة بالنسبة لمصلحتنا الجيوستراتيجية".
يمكن أن يكون الاتفاق السلبي للناس مع الحرب محتملا جداً مثل عطيل بازوليني الذي يستمر بثقته بتلميحات أياغو حتى لو أنه يعرف مسبقاً عن خطته ووضاعته وعدم نزاهته. ربما تكون الكذبات حول أسلحة الدمار الشامل للعراق حتى ليست ضرورية للحصول على دعم سلبي/ صامت من الجمهور للغزو. فنحن ننتمي إلى الأنماط الأصلية لدوافعنا الأساسية- أياغو يجب أن يكذب وعلى عطيل أن يتبع هذه الكذبات كحقائق.
نحن نرغب بلا وعي أن نكون في منتهى الأخلاقية والمعصومية والعفة إذ نكون جاهزين إلى نصدق أن أحباءنا أسوأ أخلاقاً منا. وأيضاً نتفق على أن المعاناة بشدة إذا ما صدقنا بأن معاناتنا هي دليل بأننا أفضل من الآخرين. ونود أن نشعر بالغضب والاستياء لأولئك الذين يخدعوننا لأننا نود أن نكون سيف العدالة.
عطيل يقتل دزدمونة. نحن نغزو بلداً للأسباب المخترعة ونصبح مدمنين على قتل المدنيين وتعذيب المشكوك بهم لأننا بحاجة إلى الشعور بأنفسنا كوننا متقدمين أخلاقياً على بقية الناس والأمم.
لكن حسب بازوليني إننا مجرد دمى- تجسيد لنماذجنا الأصلية، مثل: الزوج المستقيم والساذج "عطيل" والعامة الطفيليين، والزوجة البريئة التي في تطورها السايكولوجي تلتصق بمستوى من ردود الأفعال الجسدية المؤثرة (دزدمونة)
مخطط داهية لا يخجل وفاسد بالنسبة له أداء الدور أكثر أهمية من حياته لأنه لا شيء لا يقاوم بالنسبة له أن يحس بسلطته على عقول الآخرين (أياغو) وساذج يريد فقط أن يرتقي بحالته من خلال التبجح بالكذبات حول "نجاحه" مع دزدمونة (كاسيو)..الخ. أن تكون دمى إنسانية: أن تكون غير قادر على تطوير شخصية فريدة مميزة وأن تستمر بالحياة بإلزام وتثيرك المؤثرات الخارجية، يعني ان تراقبك الشخصيتان الشيطانيتان اللتان أضافهما بازوليني إلى مسرحية شكسبير- محرك الدمى ورجل النفايات الذي ينقل حضوره الفيلم إلى أمثولة فيما وراء التاريخ.
هذه الشخصيات الواصفة تتيح للمسرحية فضاءً دلالياً إضافياً يسمح لبازوليني أن ينقل التراجيديا إلى كوميديا الكارثة. إن وظيفة محرك الدمى تصغير الكائنات البشرية إلى حالة تكون فيها حاملة لمخططات من السلوك النمطي ولمعادلة ذكائهم التي يمكن أن يوقظهم على الإبداع والحرية.
وبرمي الدمى-الناس إلى حقل المهملات فإن رجل النفايات يكمل واجب رجل الدمى بالتخلص من أجيال من الدمى الإنسانية. فالتاريخ الإنساني ممنوع جذرياُ من تطوير نفسه وتحسينها.
وهنا كيفية معادلة محرك الدمى للقطات الصغيرة للقابلية الإنسانية على التفكير المستقل باستعمال الاستراتيجيات المتطورة لتشويش العقل الانساني وجعل الناس تعتقد بأنه بعمل الأمور الحمقاء فإنهم يتبعون الخير ويحاربون الشر. وحين يجعل أياغو من عطيل أن يتمنى الموت لدزدمونة فإن محرك الدمى يبدد مخاوفه بدهاء:
عطيل: أنا قاتل. أنا قاتل. لماذا سأفكر بمثل هذا الأمر؟ لماذا يتوجب عليّ أن أثق بكلمات أياغو؟ لماذا أنا أحمق بمثل هذا الشكل؟
محرك الدمى: ربما لأنك فعلاًمن يريد أن يقتل دزدمونة
عطيل: ماذا؟ أنا أريد قتل دزدمونة؟ لماذا؟
محرك الدمى: ربما لأن دزدمونة تحب أن تُقتل.
يشاهد الجمهور البروليتاري مسرحية "عطيل" على المسرح وهو يمثل أولئك الذين ظلوا لعدة قرون يستخدمون الفن لتطهير عواطفهم العمياء- وللحصول على عزاء جمالي من الحياة الصعبة. إن الجمهور اللامبالي هم محاكاة ساخرة لبازوليني عن العمال كونهم "صانعي التاريخ".
إنهم مقلدو ومستهلكو أنماط السلوك الإنساني الذي تستوعبها الثقافة العالمية. إنهم جمهور محافظون لمشاهد التاريخ ومعاركه. وحين يصبحون مثارين بما يكفي للمشاركة في التاريخ يصدف- وكما يصوره بازوليني بالضبط- أن يقفزوا على المسرح ويهاجموا الممثلين وفي تلك اللحظات يكونون ضاجين وعنيفين. إنهم قتلة بالجملة وضحايا بالجملة.
يتظاهر عطيل بأنه لا يعلم بخطر أياغو و تقنعه لأنه يريد أن يكون مفرطا في الطيبة والخير. يريد أن يكون غافراً ولا يريد أن يتذكر أفعال الشر- في أميركا اليوم مثال عطيل هو السياسي من الحزب الديمقراطي. حين يتغافل عن خطط أياغو المدمرة فإن له نفس التعبير في الوجه كما السناتور الديمقراطي توم داشل الذي يواجه هجوم عديم الضمير من المحافظين المتطرفين وبعد هذا مرة أخرى مثل داشل أو هاري ريد في مواقف مشابهة يدعو أياغو صديقه لأن ما يريده فعلاً هو أن يحول نفسه إلى الطيبة بتقديم نفسه عطيل كنموذج للدور الذي لا يقاوم.
في فيلم بازوليني يعرف عطيل ودزدمونة جيداً بحقد أياغو- وهما يشعران به كونه ظلماً ويعبسان بشكل حقيق حوله. فهل هذا رد فعل كاف في الاستجابة لسلوك أياغو؟ هل هناك علاقة بين رد فعلهم العاطفي وسذاجة عطيل وكسل دزدمونة بالعلاقة مع الظروف؟