لو أردنا تشريح النظام السياسي العراقي ما بعد 2003، لن نجد له شبها اقرب من دمية الـ"ماتريوشكا"، التي يبالغ الروس بتزويقها وتجميلها، رغم حقيقتها الفارغة والمنخورة، بالعكس من ظاهرها المدهش.
ماتريوشكتنا العراقية، هي نموذج بدائي للكائن المشوه الذي يفتقر للملامح، وهو، في مثل هذه الحالة، ليس سوى ايقونة للتشاؤم والعجز لا يسر الناظرين، بعكس النسخة الروسية.
لن نكشف سرا اذا ما اشرنا الى ان العراق / الماتريوشكا يعاني من حزمة مشاكل مستعصية تنتهي اجمعها الى جذر واحد وهو نظام المحاصصة الذي شكل اطار وهيكل النظام السياسي بعد الاطاحة بصدام.
طيلة عقد من الزمن، كانت كل خيوط الازمات التي عانت منها الحكومات العراقية الماضية تنتهي بعقدة واحدة وهي المحاصصة، بوصفها الرحم الذي فرخ لنا الفساد والفشل الحكومي، والتردي الامني والازمة المالية ووالخ.
لقد استغرق العراقيون اثني عشر عاما للوصول الى "الماتريوشكا" الحقيقية، لكي يفهموا الداء الذي تعاني منه بلادهم، في خطوة اولى لتشخيص الدواء لعلاج دولتهم المريضة.
كان اكتشاف العراقيين بان المحاصصة، في اوضح تجلياتها، هي تغييب صريح ومقصود لمبدأ المواطنة على حساب تكريس الهويات الاثنية والطائفية والمناطقية، مثل هذا الاكتشاف لحظة الوعي بانحراف نظام سياسي ينص دستوره الدائم على ان "العراقيين متساوون بالحقوق والواجبات"، لكنه يعامل مواطنيه حسب اللون الطائفي والقومي والمناطقي!
ان الوعي الذي انتجه التراكم النوعي للاحتجاجات الشعبية منذ 2010، فرض على الطبقة السياسية، فتح ابواب وشبابيك الدولة امام الاصلاحات، وصولا الى ترميم عطب النظام السياسي. لكننا لن نلمس هذا التغيير ولن ننعم بثماره الا باجراء حزمة من التعديلات الدستورية لوضع "الاصلاحات العبادية" في سياقها القانوني والدستوري منعاً لانفلات الاوضاع وذهابها الى المجهول.
هذه الاصلاحات "المرة"، والمفروضة على الطبقة السياسية، بحاجة ماسة وعاجلة الى تحديد مسارها بشكل دقيق دون تركها على علاتها لتتحول الى مأزق آخر تقع فيه الدولة. فمن المتوقع ان يتم استخدام شعار الاصلاح، خلافا لهدفه، لضرب الخصوم، وتصفية المعارضين، وعزل المنافسين، وتعزيز قبضة اصحاب السلطة على المناصب. وكل هذا يشكل بابا آخر للفساد والافساد.
ان ابرز التحديات التي تواجه موجة الاصلاح، التي نشهدها هذه الايام، هي فهم حقيقة الاصلاحات التي يطالب بها العراقيون لا الساسة، هذا اولا، وثانيا ترتيب اولويات هذه العملية لكي لا تضيع البوصلة.
سيحاول معسكر المعارضين، ممن ارغموا على التصويت في الجلسة العلنية وهم كثر، حرف مسار الاصلاحات الشعبية واخذها نحو مناطق هامشية. هذا المعسكر الغاضب، رغم تباين اطرافه، لن يتوانى عن تشكيل "حلف سري" لتقديم نسخته من الاصلاحات وفرضها على رئيس الوزراء مستعينا بجيوشه القابضة على مرافق الدولة واروقتها. سيركز هذا المعسكر على "تسييس" الاصلاح وافراغ محتواه، وتحويله الى عملية شكلية تطال مسؤولا فاسدا هنا، ووزيرا فاشلا هناك، وزج هذه الموجة في دوامة القوانين والقوانين المضادة، بيروقراطية شرسة تمثل اليد الضاربة للفساد.
ومن التحديات بل الاخطاء القاتلة، ان يتم التعامل مع مطالب الاصلاح بوصفها شعارات سياسية ترفعها هذه الكتلة او هذا الحزب، وان يتم تغييب وعي الجمهور غير الملون باللون السياسي او الكتلوي.
ان اي اصلاحات حكومية او برلمانية لا تطال جذر المشكلة العراقية واساسها لن تكون سوى "مسكنات" لا تعالج الجرح بقدر ما تفقدنا الاحساس بألمه.
ماتريوشكا عراقية!
[post-views]
نشر في: 12 أغسطس, 2015: 09:01 م