اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > "مملكة الوعول" القصة القصيرة.. ويقظة الإحساس بالمسرح

"مملكة الوعول" القصة القصيرة.. ويقظة الإحساس بالمسرح

نشر في: 18 أغسطس, 2015: 12:01 ص

 لم يُقدّر لمسرحية (مملكة الوعول) المعدة والمنحوتة-أصلا- بعمق وعي وبهاء عرض بصري فريد من حيث جرأة الموضوع وجمال لغة الخطاب ودقة التوصيل في فهم رؤاها المتعددة الوجوه والمستويات، أن تنال حقها في العرض ،والتي من أجلها  تواثب المخرج (غانم حميد)

 لم يُقدّر لمسرحية (مملكة الوعول) المعدة والمنحوتة-أصلا- بعمق وعي وبهاء عرض بصري فريد من حيث جرأة الموضوع وجمال لغة الخطاب ودقة التوصيل في فهم رؤاها المتعددة الوجوه والمستويات، أن تنال حقها في العرض ،والتي من أجلها  تواثب المخرج (غانم حميد)عبر مسارب ثقة اكتناز ذلك النص،المختار - قصدا (قديما) من قبله بغية زجه والدفع به نحو رحاب مهارات التجريب-عن قصة قصيرة للكاتب الكبير(عبدالرحمن مجيد الربيعي) حملت نفس عنوان المسرحية، إذ يعود تأريخ كتابة تلك القصة ونشرها للعام/ 1972إلى جانب قصة أخرى-لم تشأ ظروف العرض إدخالها مختبر هذه التجربة المثيرة،نعني قصة-أيضا- لنفس الكاتب بعنوان (أربع رصاصات متململة) منشورة في العام/1967

 
حيث تم عرض هذا العمل على خشبة المسرح الوطني-لأسباب فنية بحتة- ليوم واحد فقط،وشاءت المصادفة أن يكون ذلك اليوم هو الآخر مثيرا ومدعاة للتوقف وبث الدهشة،أعني ليلة ذلك العرض اليتيم في يوم 4/4/2014،والذي تركت آثار حوافره أصداء عميقة ورائقة في نفوس النخبة الحاضرة لمشاهدة(مملكة الوعول)ممسرحة على نحو مغاير-تماما- لكل العروض التي أعتمدت نصوصا قصصية(عالمية/عربية/وعراقية)هزيع ذلك اليوم الأخير من موعد مشاهدة المسرحيات،المعدة والمختارة ضمن فعاليات مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية/2013 من قبل دائرة السينما والمسرح والبالغ عددها(15)عملا مسرحيا لخمسة عشر مخرجا عراقيا من مختلف الأجيال والأساليب والاتجاهات التي واكبت نهضة المسرح العراقي في مراحل تبلوراته التحديثية واجتراحاته التجريبية على نحو واثق وجريء.
المغامرة الواعية
لقد حمل هذا العمل الأثير(مملكة الوعول) رهان أثر كبير ونوعي في تأريخ المسرح العراقي برمته،كذلك المسرح العربي بل،وأكاد أن أجزم بالقول؛في المسرح العالمي-أيضا-،لأسباب وتقديرات سنورد بعضها ضمنا عبر تحسسات نقدية واستشعارات معرفية ،تعي خواص فهم مشترك لحاصل قيمة الخوض في مغامرة،نراها محسوبة العواقب في عقل ومخيلة وذائقة المخرج(غانم حميد) الذي راهن منذ ربع قرن- من الآن-على غوض غمار مغامرته تلك،عبر التشبث الواعي لدواعي كسب الثقة بالنجاح والتوقع المدروس الذي رآه منذ ذلك الحين،ولعل في قراءة كلمته في دليل هذه المسرحية التي جسد عرضها الفنان(إحسان هاني)بدور(سعدي)والفنانة(ميلاد سري)بدور(سلوى)،فيما جسد شخصية الكاتب(نفسه)القاص والروائي (عبدالرحمن مجيد الربيعي)ضيف الشرف الإعلامي(حسن عبدالحميد)في أول تجربة تمثيل له-على الاطلاق-،ما يؤكد ويجدد روح التحدي المغامر- الوثاب وطبيعة مراس التحلي بالخبرة والجرأة وفهم قواعد التجريب،وفق ضوابط الانفتاح الحر على تبني نظرية التلقي الحديثة التي نادى بها(غانم حميد) على مدى عدد من العروض والأعمال المسرحية الهامة في محفل تفردات عطاءاته التي تعود لعقود أضحت بعيدة وراسخة في ضمير وشذرات تلك الذائقة المتفتخة لكل ما هو معاصر ومدهش ونادر ومؤثر.
مسرح في مرآة قصة
إذن نحن أمام مشاكسة قصدية ومحسوبة سعى إليها مخرج الصورة المسرحية بحسن دراية حفلت تقول على لسانه في دليل عمله ذاك،مختارا لنفسه عنوان؛(الصورة المسرحية)بدلا من كلمة(المخرج) التي اعتدنا معاينتها وقراءتها في أدلة وملصقات الإعلان المتبعة في تقديم الأعمال المسرحية،لنقرأ ذلك التقديم الذي تمسك بعنوان استفزازي(المسرح يشاكس القصة)ولنتفحص ما كتب(غانم حميد) في المتن حين قال:(قبل خمسة وعشرين عاما من الآن كان عبدالرحمن مجيد الربيعي وقصصه المولعة قد سرقت مني(رؤياي باتجاه مشروع ثقافي مسرحي ابتدأته بمسرحية(هذيان الذاكرة المر).. كان ذلك عام1989 وفي بغداد العاصمة.. وكان همي التلقي وطبيعته وذلك الملل المعروف حيال العروض المسرحية التقليدية منها والتجريبية.. وقلت في نفسي لم لا أشاكس المسرح بتقديم القصة وبشروط كتابتها وبنائها..وقد أصطدم بمشاكل تقنية كثيرة وكثيرة..فمن الطبيعي أن تعد القصة أو الشعر للمسرح.. لكن ليس من الطبيعي أن تقدم القصة بكيانها وسردها ولعبة الزمن المفترضة فيها على المسرح كما هي ..! وكأن المشاهد يرى القصة بعينيه و لا يقرؤها..هي مغامرة .. الأولى من نوعها نعم..لكنها ستكون مثيرة وقد أجزم قد تكون ممتعة.. لكم تجربة رائدة تحتمل النقد والتحليل،بانتظار قصة ثانية لنفس الكاتب بعنوان(أربع رصاصات متململة) ومن بطولة الشاب مرتضى... قريبا).
ومع نهاية تقديم كهذا،ومن أجل إضافة معلومة هامة للقصة الثانية(تأجل عرضها لأسباب فنية بحتة)والتي لم تر نور عرضها-لأسباب مضافة الى جانب قصة (مملكة الوعول) بنوابض العرض ببلاغة وعي المخرج وسعة ثقافته وبراعة اختياراته في أن تطأ القصة كما هي-وكما ورد في اعترافه المدون-أرض المسرح دون حذف ولو لكلمة واحدة منها،وبما يوازي قيمة الحفاظ على النص الأدبي،كما هو سياق السرد المتبع في محافل التعبير الحكائي عبر مهابة الكلمة ومكملاتها البلاغية الأخرى.
أناقة العرض.. براعة التمثيل
أضحى من الآن القبول بما صرّح به المخرج المولع بالإدهاش والإمتاع والمؤانسة من حيثيات التصور والتنامي مع وحدات مشروعة،الذي لو كُتب له-كما أشرنا في استهلال هذا المقال- تحديد مدياته التنظيرية وسبل الترويج واستيعاب تطلعاته المعرفية والنفسية في كسر حاجز الخوف في إمكانية اختراق النصوص الأدبية بالشكل الذي اجترحه (غانم حميد)،لأصبح درسا مسرحيا قادرا في الدفاع عن توجهاته ومسمياته،لقد استفاد المخرج- من خلال ما تسنى لنا من متابعة مستمرة لجانب حيوي ومهم من (بروفاته)اليومية الممتعة والشيقة وصولا لسلاسة العرض وتلقائية التمثيل،حتى مع عدد من الشباب الجدد والوجوه التي لم تكن قد وفقت على خشبة مسرح من قبل،ومن ثم المشاركة المباشرة بالعمل عن قرب معه،في مختبره،في قاعة الراحل عوني كرومي(الطابق الأول من مبنى المسرح الوطني)كثيرا من معاملات جرأته وفلسفته في تحريك الساكن،وتسكين الممكن من المتحرك،وصولا الى صورة بلاغية،تثمن دور الموسيقى والرقص وباقي مكملات عروض استعراضية،نحج في إدارتها الكبير(غانم حميد)حتى تجمعت في ينابيع معرفته،وجسارة تجاربه على تحدي الممكن،ليس-فقط بالاعتماد على وحدات ديكورية،يعتقدها البعض انها تقترب من الروح البريشتيه(برشت) المحضة،فيما هي تحليقات تسمو بالفكرة والمادة البيسطة-الدراجة والمألوفة والمتاحة والمبذولة،كما في مشاهد ترقيص أغصان أشجار النخيل،وسيلان لعاب الغزل والغنج الصادح من هيجان دواخل(سلوى)التي جسدت شخصيتها المبدعة (ميلاد سري)ببراعة نادرة وليونة جسدية واثبة، أمام قدرات إدائية عالية الحس والمستوى والنضوج في شخصية البطل(سعدي)متجسدا من خلال قدرات الفنان المبدع(إحسان هاني)في واحد من أندر وألذ أدواره المسرحية،او كما هو واضح في مشهد الاستحمام،وتحولات السرير،ولحظات الهروب من القرية ليلا وسط أصوات قطار الخوف والرذيلة الى صخب وعنف ووقاحة المدينة،في سياق سيرة جرئية،حوتها قصة(الربيعي) لرجل قروي وجد نفسه(قوادا)رغما عنه،وعبر تمريرات صوتية وصورية،من تنويعات مشهدية صعبة وسهلة معا في ذات وثوق تقديرات مخرج خبر مراس التجريب وتنوع فيه كثيرا،من خلال سرعة الاستجابة والتنويع المقترح في الاستحواذ على روح اللحظة وتثويرها لصالح متممات عرضه المدهش والمبني على ارتقاء عتبات تحليلية تنم عن براعة إيجاد حلول لأسئلة جوهرية،جاءت لتوثق بالإضافة الصوتية والصورية، لمعطيات اصل النص،وفي إقحام الكاتب/الروائي للدخول في تغيير مسارات أبطاله وفي التخفيف عن معاناتهم أثناء سير العرض،ومن دون أدنى مساس أو نيل أوتشويه لمقاصد ذلك النص الذي حافظ عليه وطور فيه من الناحية العاطفية والوجدانية ،عبر مسارب لمقاطع أغان وتنويعات محلية تداني ، وعلى نحو مغاير للسائد والمألوف لبيئة العرض وجماليات تخليد لواعج الحزن ومشاعر الحيف ومناهل الأسى في نفوس من قذفت بهم ظروف الحياة الى هذا المصير المجحف،عبر متواليات عزف متداخل ما بين فيوض مسرات وأوجاع،وتعضيد الآم وتوريد شجون في معزوفات مملكة الوعول،مابين عوالم ما صَنع الكاتب،وما بين ما اجترح وأفلح مخرج الصورة المسرحية في توصيل تلك العوالم الى مخلوقات محسوسة ومتجسدة،ليكمل معه تحديث خلاصة تلك الآثام والأحلام.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram