انتهيت من قراءة ملخص تقرير لجنة الموصل المكون من ١١ صفحة. لكن هناك صفحتين اعدت قراءتهما عشر مرات. واتشوق لقراءة التفصيل الموسع حين ينشر التقرير الكامل
لا تنشغلوا بادانة المالكي والنجيفي، ولا تشتموا قنبر وغيدان، فكل هذه قصص ثانوية، نعم ثانوية. لان سر انهيارنا موجود في صفحتين تسجلان حكاية اللواء العسكري، الذي كان يسيطر على ٣٠٠ كم مربع من نينوى، وكان اللواء منهارا قبل سقوط الموصل بسنوات، ثم انهار جدا يوم ٩ حزيران ٢٠١٤ فانهار بعده كل شيء. ولو كنت استطيع، لكتبت نسخة من حكاية هذا التشكيل العسكري على جدارية عملاقة في كل مدينة وبلدة، كي نفهم وحسب، النتائج الخطيرة للاهمال والفساد ونقص الخبرة، وكي نفهم ماذا يعني الاصلاح المطلوب
وحسب التقرير فان هذا اللواء، بقي ١٠ سنوات في اخطر قاطع في البلاد، واعطى ٢٤٠ شهيدا، ولم يتم استبداله ولا اعادة تنظيمه، ولا تعويض النقص في جنوده. بل لم تتوفر لجنوده خنادق ولا مواضع للرمي، ولا مفارز معالجة المتفجرات
وفوق هذا وذاك، حسب التقرير، فان نصف الجنود غير موجودين في الغالب، واللواء عمليا يدبر اموره بربع العدد، فيرهق جنوده الذين يصل واجبهم الى ١٢ ساعة متتالية. كما ان العدد القليل لم يسمح بتدريب الجنود، بحيث كانوا غير متقنين حتى الواجبات الاساسية!
اما آمرو الوحدات فيعانون نقص كفاءة واضح، الى درجة ان احدهم مريض جدا. والاسلحة غير كفوءة، فهي قديمة ومستولى عليها، يعني "غنائم"، بل ان الاعتدة ايضا، قديمة او غنائم! وفي اللواء ٣٠٩ عجلات، العاطل منها ١٧٩، لكن الضباط يتسلمون وقودا ل٣٠٩ عجلة، ويسرقون الحصة المتبقية
ايضا فان اللواء لا يمتلك اي مصدر استخباري يمكن الاعتماد عليه، وعلاقته بالسكان سيئة، وضباط استخباراته لم يخضعوا لدورات تدريبية في مجال عملهم
ويكشف التقرير ان الضباط الفاسدين رتبوا اجازات الجنود بشكل مخالف للضوابط، كي لا يبقى سوى نصف العدد، فيوفرون طعام النصف الاخر، ليذهب الى جيوبهم، حسب التقرير. والاسوأ ان القادة العسكريين في نينوى لم يقوموا بأي زيارة لهذا اللواء. ولم يكونوا يتابعونه الا من خلال الاوراق. اما الاكثر سوءا، فهو ان وزارة الدفاع "لم تنتبه" لذلك الا قبل شهر من سقوط الموصل، اما وزير الدفاع فلم يطلع على حجم خطورة الوضع الا قبل ستة ايام من سقوط الموصل
يكتب التقرير عبارة ركيكة لكنها مثيرة للمشاعر "حين ينهار لواء المشاة هذا، لكل الاسباب التي ذكرت، والمثبت بموجب تقرير المفتشية العسكرية، ثم تتسبب تداعيات انهياره بانهيار الوحدات الاخرى، فتسقط محافظة يربو عدد سكانها على ٣.٥ مليون نسمة"
ان علينا الانتباه لحقيقتين. الاولى اننا لا نتحدث عن لواء في جيش سوري فقير، بل في جيش انفقنا عليه اضخم الموازنات، وتلقى من امريكا افضل المساعدات. اما الحقيقة الثانية، فهي ان الجيش ليس حالة استثنائية، بل ان دوائر الكهرباء والبلدية والشرطة والصحة والنفط والتربية وكل شيء تقريبا، تشبه حكاية هذا اللواء، بنسخة مدنية
انها ليست مؤامرة. انه الامتزاج النادر بين قلة الذوق ونقص الغيرة والفساد والاهمال والتخلف المهني. وهذه العناصر ليست خطيئة اشخاص فاسدين، بل قاعدة عمل شائعة جدا في مجتمعنا العراقي، لذلك انتشرت في كل مؤسسات الدولة، ولا تزال تتعاظم وتتفاقم وتتطور، وبدون تغيير هذه القواعد وحصول اعتراف اجتماعي صريح بهذا الخطأ في نظام القيم، لن يتغير الوضع حتى لو استبدلنا الف وزير في الشهر.
احفظوا قصة هذا اللواء
[post-views]
نشر في: 17 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
محمد حسن
اصبت جدا..انها انهيار لمنظومة القيم..فهي تشمل من انغمس بالفساد والعلم به ولا يتدخل بعنوان اني شعلية...فعلا تحتاج لاعتراف مجتمعي ومواجهة الذات الفردية ثم المجتمعية .. بان هذا التدهور بكل مفاصل المجتمع حتى الديني منه ناجم عن تفتت منظومة القيم...احسنت بتشخيص