TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > احفظوا قصة هذا اللواء

احفظوا قصة هذا اللواء

نشر في: 17 أغسطس, 2015: 09:01 م

انتهيت من قراءة ملخص تقرير لجنة الموصل المكون من ١١ صفحة. لكن هناك صفحتين اعدت قراءتهما عشر مرات. واتشوق لقراءة التفصيل الموسع حين ينشر التقرير الكامل
لا تنشغلوا بادانة المالكي والنجيفي، ولا تشتموا قنبر وغيدان، فكل هذه قصص ثانوية، نعم ثانوية. لان سر انهيارنا موجود في صفحتين تسجلان حكاية اللواء العسكري، الذي كان يسيطر على ٣٠٠ كم مربع من نينوى، وكان اللواء منهارا قبل سقوط الموصل بسنوات، ثم انهار جدا يوم ٩ حزيران ٢٠١٤ فانهار بعده كل شيء. ولو كنت استطيع، لكتبت نسخة من حكاية هذا التشكيل العسكري على جدارية عملاقة في كل مدينة وبلدة، كي نفهم وحسب، النتائج الخطيرة للاهمال والفساد ونقص الخبرة، وكي نفهم ماذا يعني الاصلاح المطلوب
وحسب التقرير فان هذا اللواء، بقي ١٠ سنوات في اخطر قاطع في البلاد، واعطى ٢٤٠ شهيدا، ولم يتم استبداله ولا اعادة تنظيمه، ولا تعويض النقص في جنوده. بل لم تتوفر لجنوده خنادق ولا مواضع للرمي، ولا مفارز معالجة المتفجرات
وفوق هذا وذاك، حسب التقرير، فان نصف الجنود غير موجودين في الغالب، واللواء عمليا يدبر اموره بربع العدد، فيرهق جنوده الذين يصل واجبهم الى ١٢ ساعة متتالية. كما ان العدد القليل لم يسمح بتدريب الجنود، بحيث كانوا غير متقنين حتى الواجبات الاساسية!
اما آمرو الوحدات فيعانون نقص كفاءة واضح، الى درجة ان احدهم مريض جدا. والاسلحة غير كفوءة، فهي قديمة ومستولى عليها، يعني "غنائم"، بل ان الاعتدة ايضا، قديمة او غنائم! وفي اللواء ٣٠٩ عجلات، العاطل منها ١٧٩، لكن الضباط يتسلمون وقودا ل٣٠٩ عجلة، ويسرقون الحصة المتبقية
ايضا فان اللواء لا يمتلك اي مصدر استخباري يمكن الاعتماد عليه، وعلاقته بالسكان سيئة، وضباط استخباراته لم يخضعوا لدورات تدريبية في مجال عملهم
ويكشف التقرير ان الضباط الفاسدين رتبوا اجازات الجنود بشكل مخالف للضوابط، كي لا يبقى سوى نصف العدد، فيوفرون طعام النصف الاخر، ليذهب الى جيوبهم، حسب التقرير. والاسوأ ان القادة العسكريين في نينوى لم يقوموا بأي زيارة لهذا اللواء. ولم يكونوا يتابعونه الا من خلال الاوراق. اما الاكثر سوءا، فهو ان وزارة الدفاع "لم تنتبه" لذلك الا قبل شهر من سقوط الموصل، اما وزير الدفاع فلم يطلع على حجم خطورة الوضع الا قبل ستة ايام من سقوط الموصل
يكتب التقرير عبارة ركيكة لكنها مثيرة للمشاعر "حين ينهار لواء المشاة هذا، لكل الاسباب التي ذكرت، والمثبت بموجب تقرير المفتشية العسكرية، ثم تتسبب تداعيات انهياره بانهيار الوحدات الاخرى، فتسقط محافظة يربو عدد سكانها على ٣.٥ مليون نسمة"
ان علينا الانتباه لحقيقتين. الاولى اننا لا نتحدث عن لواء في جيش سوري فقير، بل في جيش انفقنا عليه اضخم الموازنات، وتلقى من امريكا افضل المساعدات. اما الحقيقة الثانية، فهي ان الجيش ليس حالة استثنائية، بل ان دوائر الكهرباء والبلدية والشرطة والصحة والنفط والتربية وكل شيء تقريبا، تشبه حكاية هذا اللواء، بنسخة مدنية
انها ليست مؤامرة. انه الامتزاج النادر بين قلة الذوق ونقص الغيرة والفساد والاهمال والتخلف المهني. وهذه العناصر ليست خطيئة اشخاص فاسدين، بل قاعدة عمل شائعة جدا في مجتمعنا العراقي، لذلك انتشرت في كل مؤسسات الدولة، ولا تزال تتعاظم وتتفاقم وتتطور، وبدون تغيير هذه القواعد وحصول اعتراف اجتماعي صريح بهذا الخطأ في نظام القيم، لن يتغير الوضع حتى لو استبدلنا الف وزير في الشهر.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. محمد حسن

    اصبت جدا..انها انهيار لمنظومة القيم..فهي تشمل من انغمس بالفساد والعلم به ولا يتدخل بعنوان اني شعلية...فعلا تحتاج لاعتراف مجتمعي ومواجهة الذات الفردية ثم المجتمعية .. بان هذا التدهور بكل مفاصل المجتمع حتى الديني منه ناجم عن تفتت منظومة القيم...احسنت بتشخيص

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: معركة كرسي رئيس الوزراء!!

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

السيد محمد رضا السيستاني؛ الأكبر حظاً بزعامة مرجعية النجف

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

 علي حسين منذ أيام والجميع في بلاد الرافدين يدلي بدلوه في شؤون الاقتصاد واكتشفنا أن هذه البلاد تضم أكثر من " فيلسوف " بوزن المرحوم آدم سميث، الذي لخص لنا الاقتصاد بأنه عيش...
علي حسين

كلاكيت: مهرجان دهوك.. 12 عاماً من النجاح

 علاء المفرجي يعد مهرجان دهوك السينمائي مجرد تظاهرة فنية عابرة، بل تحوّل عبر دوراته المتعاقبة إلى أحد أهم المنصات الثقافية في العراق والمنطقة، مؤكّدًا أن السينما قادرة على أن تكون لغة حوار، وذاكرة...
علاء المفرجي

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

لطفيّة الدليمي هناك لحظاتٌ تختزل العمر كلّه في مشهد واحد، لحظاتٌ ترتفع فيها الروح حتّى ليكاد المرء يشعر معها أنّه يتجاوز حدود كينونته الفيزيائية، وأنّ الكلمات التي كتبها خلال عمر كامل (أتحدّثُ عن الكاتب...
لطفية الدليمي

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

رشيد الخيّون حصلت أكبر هجرة وتهجير لمسيحيي العراق بعد 2003، صحيح أنَّ طبقات الشعب العراقي، بقومياته ومذاهبه كافة، قد وقع عليهم ما وقع على المسيحيين، لكن الأثر يُلاحظ في القليل العدد. يمتد تاريخ المسيحيين...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram