TOP

جريدة المدى > سينما > الدراما العراقية تراوح في مكانها.. بلا ملامح او حضور!

الدراما العراقية تراوح في مكانها.. بلا ملامح او حضور!

نشر في: 20 أغسطس, 2015: 12:01 ص

اكدت دراما رمضان العراقية هذا العام، النهج الذي تبنته الفضائيات في انتاج اعمالها، ورسخت اصرار المسؤولين عنها على التمسك بذات الافكار والمواضيع التي درجوا على تناولها بعد 2003 والتي لا تبتعد عن السياسة ونبش الماضي القريب باساليب معتمة وقاتمة وكئيبة..

حميدة العربي

اكدت دراما رمضان العراقية هذا العام، النهج الذي تبنته الفضائيات في انتاج اعمالها، ورسخت اصرار المسؤولين عنها على التمسك بذات الافكار والمواضيع التي درجوا على تناولها بعد 2003 والتي لا تبتعد عن السياسة ونبش الماضي القريب باساليب معتمة وقاتمة وكئيبة.. وان انتاج اعمال رومانسية او اجتماعية بحتة اصبح ترفا خارج دائرة اهتمامهم.. او انهم لا يرون في الدراما الا نوعا من التوثيق والتسجيل لاحداث معينة تهمهم، اما ما يسمى بالكوميديا، وتنافست على انتاجها الفضائيات، وبعض الشركات الاهلية غير المتخصصة، فتعاني من سوء فهم شديد لمفهوم الكوميديا وهي ـ بصورة عامة ـ خليط من النكات والنقد والغناء والاداء الذي لا يخلو من التهريج والمبالغة، وبعضها مكرر او تقليد لاعمال اخرى. وقد انتجت قناة العراقية عددا من الاعمال، يجمعها نفس الموضوع والاجواء والفترة الزمنية.
مثل الجزء الثالث من مسلسل (اعماق الازقة) بعنوان (رازقية) ومسلسل (وادي السلام) ثم (حرائق الرماد) و(دنيا الورد)، اضافة الى الاعمال الهزلية، مثل (دولاب الدنيا) و(هلوس ومنحوس). وباستثناء دنيا الورد فأن بقية المسلسلات تتناول مواضيع سياسية اجتماعية، تدور احداثها في زمن النظام السابق - وهو الموضوع المفضل لدى القناة - فمسلسل وادي السلام يتناول دور مدينة النجف في مقارعة النظام منذ بداية التسعينات حتى التغيير.. وهو دراما توثيقية اجتماعية صورت اكثر مشاهده في المقبرة والغرف المعتمة ما اضفى عليه كآبة مضافة لكآبة السيناريو وايقاعه البطيء والاداء الباهت او المتكلف لبعض الممثلين، وتغيير طبقة الصوت للبعض الآخر، وكون كاتب السيناريو حاصل على جائزة في الرواية ليس له تأثير على نجاح العمل او عدمه فالمشاهد العادي ـ وربما المثقف ـ لن يتابع العمل لهذا السبب. اما حرائق الرماد فقد تناول صراعات عائلية لثلاثة اجيال.. بعد التغيير.. يعانون من تبعات الماضي. في حين يوثق مسلسل رازقية، معاناة العراقيين في ظل النظام السابق، بداية السبعينات، ما يعني خلوه من الصراع التقليدي الذي يكون عادة بين قوتين متكافئتين.. تمتلكان اسلحة وادوات متكافئة ليشتد الصراع بينهما، فهنا المواطن الاعزل بمواجهة السلطة بكل قوتها وجبروتها وهذا ما يضعف اغلب الاعمال ويحولها الى وثيقة اكثر منها دراما، ويمتد سيناريو رازقية على ثلاثة خطوط رئيسية تلتحم مع بعضها البعض تدريجيا لتكوّن نسيجا قصصيا شاملا ومتماسكا، اعتمد فيه المؤلف، باسل الشبيب، اسلوب التوثيق الدرامي في مجمل ثلاثيته (اعماق الازقة).. فالخط الرئيسي يتناول حكاية رازقية، المقيمة في الخارج وعودتها الى العراق للبحث عن ابنها القتيل او المفقود وعلاقتها المتوترة مع زوجها بسبب ذلك. والخط الثاني، نزلاء البيت البغدادي ومعاناتهم الاجتماعية وتعرضهم لاضطهاد السلطة المتمثلة برجال الامن، والخط الثالث. ابناء الاهوار وما يكابدونه من شظف العيش والملاحقة والاعتقال بسبب الكفاح المسلح الذي انطلق في الاهوار في تلك الحقبة. وبعودة رازقية وزوجها الى العراق. وانطلاقها الى الجنوب للبحث عن ابنها ولقائها مع ابناء الاهوار ومساندتهم لها، وبعدها الى البصرة حيث يختبئ الابن.. ثم نزولها في البيت البغدادي، تلتقي الخطوط الثلاثة لتكوّن حبكة مأساوية، لا تخلو من ميلو دراما في بعض المواقف، ابرزها نجاة الابطال فقط، من معركة الاهوار في الحلقة الاخيرة. ورغم ان اغلب الاعتقالات وراءها دوافع شخصية، مثل الضابط فواز الذي يحتجز الفلاح حمادي ويعذبه لاربع سنوات لينتزع منه اسم قاتل اخيه، ومزاحم، رجل الامن، ايضا، يضطهد نزلاء البيت البغدادي بسبب طليقته وعلاقتها باحد نزلاء البيت ـ الطبيب ـ الا ان العمل خالٍ من المشاهد الزائدة والشخصيات المقحمة، اعتمد فيه المخرج، علي ابو سيف، على الكاميرا المتحركة واشتغل على تفاصيل الصورة في بعض المشاهد وفي اخرى تفنن في اختيار الزوايا، خصوصا المشاهد الخارجية في اسطنبول، وتميز العمل بحوار رصين بعيد عن الثرثرة والاطناب، مع الكثير من البكاء والنواح تحملته الفنانة اسيا كمال.. ومشاهد تأمل طويلة، خصوصا، في اسطنبول لابراز معالمها المشهورة في المسلسلات التركية! وعدم الانتباه لبعض التفاصيل المهمة كالازياء المناسبة لتلك الفترة، مثل الذي الجينز لم يكن شائعا في بداية السبعينات، وخصوصا الاطباء وفي الاهوار! وعدم وجود محجبات واختلاف اللوحات التعريفية للسيارات وغيرها. اما مسلسل دنيا الورد، الذي اريد له ان يكون اجتماعيا، خاليا من العنف والسياسة، فيصلح ان يكون تمثيلية سهرة لمدة ساعتين، ويدور حول ملكية عمارة يتنافس عليها اثنان احدهم عائد من الخارج - الورد - والآخر دلّال - سامي - استولى عليها بطريقة ما، وموضوعة العمارة وساكنيها فكرة مستهلكة ومكررة في الدراما العربية - اشهرها (اهلا بالسكان وعمارة يعقوبيان)، - وفي الدراما العراقية - فيلم عمارة رقم 13 - الا ان دنيا الورد امتاز بضعف السيناريو وافتقاده الى الصراع الحقيقي والعمق والتكثيف ما افقد العمل التصاعد الدرامي والتوتر الذي يشد المشاهد. وحتى الخط الثاني في المسلسل وهو حكاية الفتاة فرح، العائدة من الخارج، بدا ضئيلا لا يستحق ان يكون محورا لصراع درامي، فقد جاء بفتاة مغتربة ومنحها صفات وسلوك فتاة تقليدية جدا.. فالفتاة، التي تربت على افكار ومفاهيم وسلوكيات غربية تكون عقليتها مختلفة وفهمها للامور مغاير وردود افعالها اقل تطرفا واكثر تفهما، واهدافها واولوياتها في الحياة تكون مختلفة عن فتاة تعيش في مجتمع مغلق، فالزواج بالنسبة لها ليس هدف ـ كما هو حال الاخريات ـ وانما جزء مكمل لحياتها التي تمتلئ بالاهداف والطموحات الاخرى، ولذا فهي لا تستعجل الزواج، لان فكرة او تهمة العنوسة ليست في بالها ولا تعرفها او تفكر بها. ولأنها، ايضا، لا تعتمد على الرجل في اعالتها ومعيشتها وبالتالي ليس هناك ما يخيفها وقد قدمها لنا متعلمة جدا وناضجة وفنانة تصميم، لديها طموحات ومشاريع وافكار للعمل، وقد بدأت - فعلا - مشروعا تجاريا مهما، واذا بها تتصرف كفتاة تقليدية، سطحية، ليس لديها رأي ولا موقف واضح، في اول محك وضعت امامه حيث قبلت، وبلا تفكير، بأول شاب تقدم لها ودون اي مبرر، حتى انها لم تكن تحبه، واستسلمت بشكل مقيت لما اصابها وظل الآخرون يتحكمون بمصيرها. لقد اراد المؤلف، وبأي شكل، ان يورطها مع الشاب الشرير ليخلق لها ولعائلتها المشاكل، فكانت النتيجة خطا دراميا هزيلا، ولم يستفد من ذكائها ولا فنها ولا التربية الحديثة التي نشأت عليها ليقدم لنا نموذجا مختلفا للفتاة العصرية، التي ترفض الاستسلام لما يفرضه الآخرون والتي تتصرف، في حال الاعتداء عليها، باحدى طريقتين، اما ان تبلّغ عن المعتدي وتقاضيه، او تحزم حقائبها وتعود من حيث اتت. لكن الكاتب ـ عبد الامير شمخي ـ تصرف مع شخصياته حسب اهوائه وقرر مصيرها كما يريد الرجل التقليدي وليس كما يقتضي التكوين الدرامي للشخصيات، بيئتها، ماضيها، صفاتها، افكارها، اهدافها..الخ والتطور الطبيعي لها والذي يتم ـ عادة ـ بشكل تصاعدي حتى تصل الذروة وتحقق هدفها، او تتغير ـ ايجابيا على الاغلب ـ ولانه لا يوجد فعل في الدراما بدون سبب لذا ظهرت الكثير من الاحداث والمواقف مفتعلة ومفبركة مثل محمود الشرير الذي استسلم لابيه وتزوج فرح، والشاعر مخلف لم تكن بينه وبين فرح سوى معرفة بسيطة لكن مشاعره وحماسه اكبر من الحدث الذي مر به، وانتقالاته المفاجئة من السجن الى المستشفى، مريضا بالصرع، ثم مراسلا حربيا يهزج امام الجنود والكل يتابعه واحدى الصحف تتوسل وتستعجل لتطبع ديوانه! وقبول احلام اللعوب بحامد وخطبتها له بعد التغيير المفاجئ لشخصيتها، وزميل طارئ يخطب جينا فجأة ويختفي، فقط ليثير حفيظة سعد.. وغيرها، بل ان كل الشخصيات تفرغت ـ تدريجيا ـ لدعم شخصية الورد، حتى دنيا اهملت حياتها وعملها وهمومها المفتعلة، وانشغلت بعائلة الورد. وقدم المسلسل صورة سلبية هزيلة للمثقف بشخصية الروائي جبار الذي تتباهى به زوجته لكنها لا تتوانى عن ضربه بأي شيء امامها وهو مختبئ تحت الطاولة، والمفروض، دراميا، ان يتغير وينتفض. وجاء الاخراج، لجلال كامل، تقليديا بلا رؤية اخراجية واضحة، ركز فيه على نفسه في المشاهد التي يتواجد بها. وقد ظهر 46 مرة في اربع دقائق ونصف وهي زمن المقدمة الغنائية ( التايتل ). وضاعف الايقاع الرتيب والحوارات المستهلكة في جعل العمل مملا، خاليا من التشويق. لكنه ابتعد عن السياسة والعنف رغم العصبية والتشنج الذي رافق اداء بعض الممثلين.. ودائما يبقى الحوار اضعف عنصر في الدراما العراقية، واختلاط اللهجات وتداخلها مستمر دون حل، وكذلك تقنية الصوت، في اغلب الاعمال، رديئة وغير متساوية في المشاهد الداخلية والخارجية، والموسيقى التصويرية اعلى من الحوار او مكررة. وتكرار نفس الوجوه في اغلب الاعمال، والذي يؤثر سلبيا على المتابعة والاهتمام. واكثر الممثلين، الشباب، يقرأون الحوار قراءة دون احساس او اداء فني.. وبعض المخضرمين بحاجة للانتظام في دورات للاداء الحديث امام الكاميرا!
ان المتابعة هدف مهم لانتشار الدراما ولكن الاهم هو الاعجاب والاستمتاع والتأثير والتأثر الذي يؤدي الى تغيير شيء ما لدى المشاهد ـ وجهة نظر، رأي، فكرة، قناعة.. الخ لكي يكون العمل الفني قد اصاب الهدف، فلا قيمة لعمل يشاهده الناس ثم ينساه الجميع دون ذكر او ذكرى. دراما رمضان العراقية، هذا العام عجزت عن ملاحقة نظيراتها العربية وظلت تراوح في مكانها بلا ملامح ولا نكهة ولا حضور!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram