عندما قلنا ان التظاهرات الناجحة والمؤثرة صارت علما وفنا، كنا نعي ما نقول. التظاهر لمجرد التظاهر ما هو الا "كشخة" ومضيعة للوقت. واستمرار التظاهرات دون فرض سقف زمني على الحكومة لتلبية مطالب المتظاهرين يحولها الى هدف، بينما هي وسيلة عند من يفهم. ان تظل تتظاهر ضد الفاسدين وضد من ادخلوا الدواعش للعراق بفعل فسادهم وهم بالمئات، ان لم اقل بالآلاف، ولم تظهر صورة فاسد واحد خلف القضبان فانت مصاب "بـ "سولة" التظاهر لا أكثر ولا أقل.
التظاهرات التي تعيد شعاراتها وهتافاتها كل مرة دون ان يتحقق لها ما تريد ستنهك نفسها وسيتسلل لها من تظاهرت ضدهم بالأساس. قال مشاركون محايدون على الهواء ان تظاهرة الجمعة الأخيرة استحوذت عليها الأحزاب الإسلامية الحاكمة على أكبر حيّز في ساحة التحرير وكذلك في البصرة وكربلاء. القفز من المطلب (1) الى المطلب (2)، من دون تحقيق الـمطلب رقم (1)، شغل غشمة. أكبر خطر على أي مظاهرة جماهيرية هو ان تتحول الى فرصة للسياسيين والمثقفين الاغبياء ليكثروا من التصريحات. المظاهرات التي تفتح باب الرزق لهواة التصريحات و "اللايكات" تفقد هيبتها: مطر صيف.
اما الرأي الأشد كارثية هو الإيحاء بان التظاهرات مقدسة لا يأتيها الباطل من بين يديها او خلفها بحجة انها تمثل الشعب او الجماهير. هذا من الناحية العلمية والعقلية خطأ كبير. والا من اين اتى هؤلاء الذين يشبعون بعض الناس ضربا في وسط ساحات التظاهر؟ لا تقولوا انها حالات فردية فأول الغيث قطر. كوننا عراقيين لا يعفينا من الخضوع لأبجديات "سيكولوجية الجماهير" التي صبّ اساسها جوستاف لوبون الذي يعد من أكبر الثقات في سيكولوجية الجماعات. المتظاهرون بالتعريف، العقلاني وليس العاطفي، جماعة يحكمها العقل الجمعي. وهذا العقل، بحسب لوبون، يطابق في مستواه عقل الطفل او عقل الإنسان البدائي. هنا يأتي دور العقلاء حقا وليس ادعاءً. العقل مهمته هنا كبح أو ضبط جماح العواطف والانفعالات التي تنتاب المتظاهر الذي يحس انه قوي وقادر على ارتكاب أي "حماقة" لأنه محمي في تلك اللحظة من الجماعة التي تحيط به.
الأحزاب والافراد الحالمون بالحكم او بالعودة اليه بعد ان فقدوه ينفذون للتظاهرات من "دربونة" غياب العقل وسيطرة الانفعالات ليحرفوها عن مطالبها الرئيسية. وها أنتم ترونهم ينادون بإسقاط البرلمان. من يشتم البرلمانيين، لا الومه وهذا حقه. لكن عليه اولا ان يوبّخ من اختارهم. برلماننا ليس بضاعة مستوردة بل انتاج محلي خالص. ما فائدة حل برلمان ستعود لنا أسماء أكثر من ثلثيه مرة أخرى؟
بعضهم، أـيضا، يريدها رئاسية لأنه بحاجة الى حاكم طائفي مستبد يشفي غليل غرائزه الطائفية لأن النظام البرلماني الحالي لا يسمح بظهور طاغية آخر بسهولة. لا أرى في هذا المطلب غير هدفين: اما حلم في رد الاعتبار للولاية الثالثة الساقطة، او شعور من البعض بالنقص امام الجارة إيران لأنها رئاسية. شفيعي ان ليس كل الظن اثم كما تعلمون.
عـــمّ يتظاهــــرون؟
[post-views]
نشر في: 22 أغسطس, 2015: 09:01 م
جميع التعليقات 1
خليلو...
بعض وسائل الإعلام قد يساعد على صرف التظاهرات عن مسارها العفوي كما يدعونها هذا الصرف عن ذلك المسار يتحقق برفع شعارات تعجيزية أودعوات الى رفعها من خلال وسائل إعلامية تبدو كما لو أنها تحتل مركز القيادة لها ..وعبر التاريخ المعاصر كانت أمثال هذه الوسائل لا تن