اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > ناس وعدالة > من أغرب القضايا.. بقايا جثّة محترقة لم تُعرف هويّتها

من أغرب القضايا.. بقايا جثّة محترقة لم تُعرف هويّتها

نشر في: 24 أغسطس, 2015: 12:01 ص

كان منذ صغره تلميذاً متفوقاً في دراسته نابغاً عن أقرانه التلاميذ ، مما جعل أساتذته يتنبأون له بمستقبل باهر.. ومثل كثير من الصغار .. اذا سأله احد : ماذا تتمنى ان تكون عندما تكبر ؟كان الصبي ( ك ) يرد في الحال : اتمنى ان اكون طبيباً .. وحققت الأيام أمني

كان منذ صغره تلميذاً متفوقاً في دراسته نابغاً عن أقرانه التلاميذ ، مما جعل أساتذته يتنبأون له بمستقبل باهر.. ومثل كثير من الصغار .. اذا سأله احد : ماذا تتمنى ان تكون عندما تكبر ؟
كان الصبي ( ك ) يرد في الحال : اتمنى ان اكون طبيباً .. وحققت الأيام أمنية الصبي الصغير .. ومرت سنوات الدراسة بسرعة .. و ( ك ) – يتجاوز امتحاناته بنجاح باهر ، ليلتحق بكلية طب بغداد .. وفي اثناء دراسة الطب تحول ( ك ) الى شخص آخر.. كان يبتعد عن اصدقائه وينفر من قضاء وقت فراغه في المسرات التي يحبها الشباب الجامعي ..

 

وكان يغلق على نفسه باب غرفته عاكفاً على كتبه يلتهم محتوياتها بشغف العابد .. وبذلك استطاع ان يواصل نجاحه في دراسة الطب .. حتى تمكن من اجتياز الامتحان النهائي ، ويوم اعلنت النتيجة النهائية .. اصبح ( ك ) طبيباً .
بكى والده من الفرحة وقال له : الآن يا ابني أستطيع أن أستريح .. لقد أعددت لك مفاجأة .. سأله : ( ك ): أي مفاجاة يا ابي ؟ .
- قال الاب : لك ان تختار اي شقة في أي مكان وسوف اشتريها لك لتحولها الى عيادة تبدأ فيها عملك.. انني يا ولدي اريد ان ارك تعمل في عيادتك حتى تصبح اشهر اطباء بغداد ..
وأطرق ( ك ) الى الارض .. فقد كانت لديه مفاجأة اخرى .. ضريبة للاب .. ولاول مرة في حياته قال ( ك ) لوالده : لا .. كانت صدمة الاب عظيمة عندما اخبره ابنه انه لا يوافق على مشاريعه التي اعدها له .. يرفض العيادة ويرفض التعيين في المستشفيات فور تخرجه.. كانت احلام ( ك ) الطبيب الشاب اكثر من هذا الحلم الذي يتمناه كل طلبة كلية الطب .. كان ( ك ) يريد ان يكمل دراسة الطب العالية في احدى جامعات اوروبا المشهورة ليحصل على شهادة الدكتوراه التي ستضعه على اول طريق النجاح. وحين فشلت محاولات الاب لإثناء ابنه عن عزمه، وحين فوجئت الاسرة بإصرار ابنها الشاب على السفر الى الخارج ، استسلم الجميع فلم تكن لديهم حجج لها نفس قوة منطق الطبيب الشاب .. هكذا تمت اجراءات التحاقه باحدى الجامعات الانكليزية المشهورة .. وعندما وضع – عبد الكاظم – قدمه على سلم الطائرة .. طفرت الدموع من عيني الأب .. ربت ( ك ) على كتف والده قائلاً :
- لماذا تبكي يا ابي ؟
- قال الاب وهو يمسح دموعه : اخشى يا ولدي ان يكون هذا هو آخر لقاء بيننا .
هل كان قلب الاب المسكين يعلم الغيب ؟.. بالتاكيد .. كلا .. لكن هذا كان بالفعل هو اللقاء الاخير بين الطبيب الشاب ووالده .. واستقر( ك ) في لندن مستمراً على نفس طريقته في الحياة .. ابتعد عن اماكن اللهو وعن الاصدقاء وانشغل تماماً بدراسته .. حتى اصبح اشهر طلبة الجامعه .. وتكالب الزملاء من مختلف الجنسيات على التعرف عليه ، واحاطه كبار الاساتذة والاطباء بالتقدير والرعاية ، وكانت اسرة – عبد الكاظم – تتوقع ألا تزيد غيبته عن بلده اكثر من عامين .. لكن قبل انقضاء العامين واعلان نجاحه في دبلوم التخصص اخبر( ك ) والده عن طريق الهاتف انه سيستمر لفتره اخرى في لندن لانه لابد ان يعمل في احد مستشفياتها الشهيرة وعمله في هذا المستشفى سيكون جواز سفره الى دنيا مشاهير الأطباء .. واستسلم الاب لرغبة ابنه الطبيب .. وتعوّد في ما بعد ان يلقى من ابنه نفس المكالمات بين حين وآخر .
بدأ ( ك ) عمله في المستشفى البريطاني الشهير وسرعان ما وجد لنفسه مكاناً بين مشاهير الاطباء .. واستغرقه عمله تماماً عن التفكير بالرجوع الى بغداد .. كان يعتقد ( ك ) انه وهب نفسه لمهنة الطب التي كانت في نظره رسالة سامية .. شيء واحد لم يكن ( ك ) يتوقعه على الإطلاق : هو الحب .. في حفلة راقصة أقامها احد كبار الاطباء الانكليز في بيته .. في هذه الحفلة التي ذهب اليها ( ك ) مضطراً لمجاملة الطبيب الكبير .. وقع في الحب .. حين وقع نظره عليها لاول مرة اجتاحه شعور عنيف جعله يهتز في اعماقه .. كان جمالها غير عادي .. وكأنها امراة مغموسة في بحيرة كبرياء .. وحين قدمه بعضهم اليها .. قال لها بالانكليزية : مساء الخير .. ففوجئ بها ترد باللهجة العراقية : مساء النور .. وفي تلك الليلة ولاول مرة شعر الطبيب بان هناك شيئاً آخر غير الطب وغير العمل .. شيئاً لذيذاً وغريباً ومثيراً .. شيئاً اسمه الحب .. في تلك الليلة ربط كيوبيد بين قلب الطبيب وبين العراقية الحسناء فاتنة الحفل .. وقبل ان تنفض السهرة .. كان يواجه عينيها السامرتين الواسعتين .
- سألها ببساطة : تتزوجيني ؟.. ردت في استيحاء : نعم .
تغير مجرى حياته تماماً .. بعد ان تزوجا وعاشا معاً في لندن اجمل ايام العمر .. وعرف طعم السعادة والهناء .. وادرك كل منهما انه خلق للآخر .. وبعد ان انتهت ايام العسل ..
- قالت له : آن الاوان لنفكر في الإجراءات التي يجب ان نفعلها للسفر ..
- سألها بدهشة : السفر الى اين ؟ .
- قالت له : الى بغداد .. وفوجئ الدكتور ( ك ) بأن زوجته لا تفكر في الإقامة الدائمة في لندن .. وانها تخطط للعودة معه الى العراق ..
- وقال لها : بغداد؟!
- فقالت : نعم بغداد .. لتعود الى اهلك وتخدم شعبك وابناء بلدك ..
ولم يكن يستطيع ان يقول لها لا .. ولماذا يرفض وهو يحبها وقد اصبحت زوجته .. وهكذا اتخذ قراره بسرعة .. او بالأحرى وافق على قرارها بسرعة .. وخلال اسابيع كان يضع قدمه مره ثانية ويعود الى بغداد .. وكان القدر يخبئ له قصة اخرى .. قابله الموت في اليوم الاول لوصوله الى بغداد ..بعد ان استقر في منزل شقيقته ليستريح من عناء السفر وقبل ان يسألها ..
- قالت له بحزن : والدك ..
سألها بلهفة : اين هو ؟ .
- اطرقت قائلة : البقاء لله .. لقد توفي ..
وصدم الدكتور ( ك ) صدمة كبيرة .. فقد كان يتخيل انه سيعود ليجد كل شيء كما كان، وكان يأمل ان يعوض والده الحنون عن غيبة السنوات الطويلة ..
وتمالك نفسه ليسأل شقيقته : وماذا فعلت امي؟
لم ترد .. صرخ فيها : اين امي ؟ لم ترد .. واجابت بدموعها .. ماتت امه ايضاً .. دون ان يعلم .. ورغم هذه الفواجع والذكريات الأليمة .. فقد استقر في حي المنصور وافتتح عياده طبية قريبة من داره وعين في احد مستشفيات بغداد الرسمية .. وبدأت مظاهر الاستقرار تحيط بحياته .. حتى دوت في سماء بغداد اصوات دوي المدفعية وقصف الطائرات وسقطت بغداد بعد ذلك وبدأت حملات التصفية الجسدية وقتال الشوارع .. لم يكن يدرك او يفهم : لماذا يشارك إنسان بشكل من الإشكال في قتل وتخريب بلده ؟ وما هو سر التعصب والنفور الذي لا معنى له بين كافة شرائح المجتمع العراقي .. كان يشاهدهم سابقاً في المطاعم والمقاهي والمتنزهات وفي الاحتفالات الدينية والوطنية معاً .. ويعالجهم في المستشفيات معاً .. وكان يتساءل لماذا اذن يوجهون الاطلاقات الى بعضهم البعض ؟ ..
ولدت ابنته الصغيره الوحيدة تحت دوي اطلاق الرصاص والمدافع وانفجار السيارات المفخخة .. يوم ولادتها تحولت سماء بغداد الى جهنم .. كانت النيران وأصوات الانفجارات تندلع في قلب السماء .. وكأنها ألعاب نارية شيطانية ..
كان طبيباً .. وكان يكره ان يشاهد انساناً يتألم .. لكن كل ما حوله كان يصرخ بالالم .. وكان يوم يتخذ قراره بمغادرة بغداد .. ويعود الى المنزل فلا يستطيع مجابهة زوجته بالقرار .. كيف يطلب منها ان تنجو بنفسها وتترك اهلها وإخوتها وإخوته لمصير غامض .. كان يشعر بأنه بذلك يقسوعلى وطنه الذي تربى بين أحضانه .. ومرت ايام .. وشهور ولم تتوقف مطحنة العنف والقتل والاغتيال .
كان الدكتور ( ك ) قد تحول الى انسان آخر .. إنسان يبكي يومياً على كل جريح ينزف دماً في اروقة المستشفى ولا يستطيع ان ينقذه من الموت المحتوم .. ماذا فعلت مشاهد القتل والجرحى والانفجارات ودوي التفخيخ وطلقات الرصاص في نفس هذا الرجل المسالم .. كل الذي نعلمه انه استيقظ فجراً على دوي قنابل هاون بدأت تتساقط كالمطر على محيط داره .. وأصابت أحداها منزله فاحترق وعائلته مع اثاث المنزل .. ولم يعثر في الصباح إلا على بقايا رجل كان طبيباً يحب العراق .. وأبناءه .

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

جانٍ .. وضحية: مدفع السحور.. جاء متأخراً !!

كانت ليلة من ليالي رمضان، تناول الزوج (س) فطوره على عجل وارتدى ملابسه وودّع زوجته، كان الأمر عادياً، لكن لسبب تجهّله، دمعت عينا الزوجة. ابتسم في وجهها وهَمَّ بالخروج الى عمله بمحطة الوقود الخاصة...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram