TOP

جريدة المدى > سينما > النقد وثقافة الصورة

النقد وثقافة الصورة

نشر في: 27 أغسطس, 2015: 12:01 ص

لا يختلف اثنان ان الثقافة السائدة اليوم هي ثقافة الصورة..وتاريخ المجتمعات سوف لن يدون في الورق فقط ، اليوم من خلال التقنيات الحديثة من افلام ومسلسلات ووسائل اتصال حديثة بين المجتمعات من فيس بوك الى تويتر الى يوتيوب حيث يتكدس تاريخ الافراد والمجتمعات

لا يختلف اثنان ان الثقافة السائدة اليوم هي ثقافة الصورة..وتاريخ المجتمعات سوف لن يدون في الورق فقط ، اليوم من خلال التقنيات الحديثة من افلام ومسلسلات ووسائل اتصال حديثة بين المجتمعات من فيس بوك الى تويتر الى يوتيوب حيث يتكدس تاريخ الافراد والمجتمعات في الشاشات سواء أكانت تلفزيونية او كومبيوترية وعندها ستكون قراءة جديدة للتاريخ واحداثه.. التاريخ سرديات كانت تدون في الكتب وهناك محققون ونقاد وفلاسفة لهذا التاريخ يقرأون احداثه ويستنبطون العبر ويرسمون مراحل تطور الشعوب ، يفككون الحاضر ويستشرفون افاق المستقبل..هذه السرديات انتقلت اليوم الى الشاشات والتاريخ تجسد صورا فنية ،هناك كتبة لهذا الارث الانساني الذي يختلط فيه الواقع بالخيال ولكنه لا يبتعد عن الحقيقة ومعايير الشفافية وهناك مخرجون وفنيون ومجسدون لشخصياته وزمكانه..التاريخ لم يعد ماضيا فقط بل هو الحاضر بكل اشكالياته وتعقيداته وازماته وهو افاق مستقبل جنيني لم تتضح معالمه بعد..من يقلب مدونات التاريخ منذ ان دب الانسان على سطح هذه الارض وحتى يومنا هذا سيجد بان كتبته لا يمكن احصاء اعدادهم ، كما انهم اختلفوا في تناولهم لحيثياته فمنهم من يقرأه قراءة مادية ملاحقا الواقع بكل تقلباته واخر يقرأه مثاليا بحيث ياخذ احداثه بصورة مجردة ويسبغها روحيا ويضفي عليها اعتبارات ميتافيزقية.هؤلاء الباحثون هم نقاد لديهم ادواتهم الفكرية والمعرفية يقومون بتفكيك ازمنة التاريخ واحداثه وامكنته ينفخون فيه روحا تدب فيها الحركة كي تتواصل مع الحاضر وربما تمتد مع المستقبل..قراءة التاريخ ،في زمننا الحديث زمن الثورة العلمية التكنولوجية ،تختلف عما تعلمناه في السابق..التاريخ لم يعد انسانا مجردا صانعا وحيدا له..اليوم تشترك مع الانسان التقنية الحديثة في صياغة الحياة والوجود..لقد اعادت الصورة التلفزيونية بزاوية كاميرتها قراءة الاحداث من جديد وبالتالي ستكون النتائج مختلفة عما متعارف عليه في السابق..الروايات العربية التي كانت مصدرا لدراسة تاريخ هذه المجتمعات حين جسدت صوريا اختلفت في زاوية نظرها ، فهل ان ثلاثية نجيب محفوظ مثلا والتي كانت تدرس في السابق كسجل حيوي لحياة مصرية يمتد لعقود من الزمان هي نفسها ثلاثية نجيب محفوظ حين جسدت مسلسلا دراميا شدّ انتباه الجمهور العربي من الخليج الى المحيط ..؟ الجواب سيكون بالطبع لا..لان التاريخ هنا مختلف يتحكم فيه ليس نجيب محفوظ فقط بل كاتب السيناريو والحوار والمخرج والفنيون والممثلون وحتى المشاهد وستتشكل قراءة مختلفة من وجهات نظرهم ،وعليه فان ما يطرحه هذا المسلسل ربما يكون مغايرا عما مدون في الورق ويكون تاثيره بالسلب او الايجاب وهذا يتبع نوايا وابداع القائمين على انتاجه ،هذا الامر لا يشمل الرواية فقط بل ان الفن تناول كل دقائق وتفاصيل تلك البلدان بملاحمها واساطيرها وبطولات رموزها ..المشتغلون في النقد التلفزيوني ، أي نقد الصورة وثقافتها ، في العراق قليلون واليوم هناك المئات بل الاف الاعمال التلفزيونية منذ عام 2003 وماقبله وحتى يومنا هذا .. هذه الاعمال لم يتم فحصها ونقدها وتفكيكها من قبل النقاد والمختصين في تشريح الفن كي يدرسوا من خلالها طبيعة هذا المجتمع ومستوى وعيه وانماط تفكيره ..في كل العالم هناك مدارس ومعاهد وكليات تقوم بملاحقة الاعمال الفنية وتدقيق مستوى انتاجها وتقنيتها والافكار المبثوثة فيها وتشخيص ذائقة التلقي ومدى استجابة الجمهور لها وما تركته من اثار نفسية واخلاقية ومعرفية وهل جسدت طبيعة الواقع الاجتماعي ام قفزت عليه او هبطت به ،وهل ان معاييرها الفنية حافظت على القيم الاجتماعية والاخلاقية والنفسية والمعرفية لذاك المجتمع ،وهل ان انتاج هذا العمل يندرج ضمن المفاخر البطولية لابنائه تضاف الى مفاخر الاسلاف كما يشار اليوم الى العديد من الاعمال العالمية الخالدة التي تفتخر بها المجتمعات كما تفتخر بسجل انتصاراتها وفضائلها عبر التاريخ..؟ الشعب بلا فن شعب بلا ذاكرة ولا تاريخ ولا حاضر ولا مستقبل .العراقيون يعيشون اليوم اسوأ التردي التاريخي ، ماضيهم ساكن وحاضرهم ميت ومستقبلهم بلا افق..النظام السياسي الملتبس خلق واقعا فنيا مريضا..لم يؤسس لفن حقيقي ولم تنشأ المؤسسات التي ترعى الفن وتديم وجوده كل الذي حصل هو ان مبالغ طائلة صرفت على انتاج اعمال فنية وبرامج تلفزيونية الكثير منها جاء مرتبكا وملتبسا بسبب الجهل والاخوانيات فخرجت الاعمال الفنية مشوشة كالواقع السياسي ورغم هذا لم تجد هذه الاعمال من يلاحقها نقديا بمشرطه كي يزيل القبح منها وينبه الى جمالها المضمر فذهبت الى ادراج المكاتب يعلوها التراب والاهمال وبقي تاريخنا الحديث بلا تاريخ وهذا ما دفعنا الى ان نجتر ماضينا على الدوام حتى اصبح هو البديل عن حاضرنا وهو ما سنراه في المستقبل..تاريخنا الان يكتبه الاخرون من خلال تصديرهم لثقافاتهم الينا سواء مسلسلات او وثائق او برامج فنية وعلمية، اليوم نحن نستهلك ثقافة الاخر وطرق عيشه وملبسه ومسكنه وطريقة كلامه وانتشرت بيننا عاداته وتقاليده الغريبة .. انها ازمة ثقافية وازمة نقد لحاضرنا ..سياسيو الصدفة يعتقدون بان التاريخ يكتبه السياسيون ولجهلهم غفلوا ان التاريخ يسرد فنيا هذه الايام..انها محنة السياسي الجاهل والمثقف الذي لا يعي دوره والمتلقي الذي يعيش في دوامة من القلق والبؤس..الفن في الألفية الثالثة اداة لبناء المجتمعات لا تضاهيها اداة ، هذا ما يجب ان ينبه اليه النقاد المثقفون وان يناضلوا كي ياخذ الفن مكانه الحقيقي في المجتمع..على النقاد العراقيين اعادة قراءة الاعمال الفنية المنتجة كي يرسموا خارطة طريق لوعي المجتمع وملامح شخصية افراده ..في سبعينيات القرن الماضي كان الفن العراقي والعالمي يلاحق نقديا من خلال برنامج (السينما والناس) لاعتقال الطائي وعدد من البرامج الفنية والثقافية والتي تؤدي نفس الغرض المعرفي..النقاد فلاسفة لكن افكارهم ليست مجردة بل هي من صميم واقع متغير..

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram