اسمع منذ شهرين خصوصا، مناقشات عديدة حول قانون الاحزاب. وهذا كلام مطروق منذ ١٢ سنة. ولو كنا دولة لصدر هذا القانون في يوم صدور الدستور، لكننا كنا ولا نزال محاولة فتية لبناء دولة. ولذلك فالاحزاب سائبة، والفاسدون احرار تتكاثر فلوسهم، والقتلة يتجولون بوضوح، بحيث ان مجموعة من القتلة بعد سنوات من ممارسة الجريمة، وحين شاهدوا غياب الدولة، راحوا يفكرون ببناء دولة بديلة بصيغة الخلافة! وان متشددين اخرين من الطائفة الاخرى، اعجبتهم الفكرة فصاروا يفكرون بنوع من الانقلاب على البرلمان والحكومة.
ان من حق الطرفين المسلحين ان يفكرا بذلك، لاننا لم ننجح في بناء قانون متكامل. وغياب قانون الاحزاب هو اكبر دليل على اننا لسنا دولة. لذلك فان النقاش حول هذا القانون هو اخر محاولة مع القوى السياسية في العراق: هل تريدون دولة، ام داعش؟ اذ لا بديل عن غياب الدولة سوى ظهور مناطق نفوذ لداعش ومشتقاته واشباهه من كل الطوائف.
ان النقاش يمكن ان يستمر عشر سنوات اخرى في البرلمان، حول قانون ينظم الحياة السياسية. دون ان يتوصل الى نتيجة. ولا اتردد في تحميل زعماء الكتل ومرشديها الروحيين، هذه المسؤولية، اذ يجب ان يتفقوا بسرعة على اصدار قانون، كما اتفقوا بسرعة على حزمة الاصلاحات الاولى وخضوعا لغضب الشارع، وتوصيات مراكز القوى الدينية والثقافية. والتردد بشان تنظيم وضع الاحزاب لن يكون له سوى معنى واحد، هو ان الاحزاب الكبرى لا تريد ظهور دولة، كي تبقى "حرة" قدر الامكان في نهب المال السائب الذي يورطها ويورطنا في انواع الجريمة. لكن لحسن حظنا وحظ الاحزاب، وكما قالت مرجعية النجف، فاننا امام لحظة حقيقة فريدة، فاما الاصلاح او الانهيار المفجع التام.
لكن الصياغة القانونية ليست هينة. فكما اننا نطالب بتنظيم وتقييد مناسبين لنشاط الاحزاب، الا اننا لا نريد للدولة ان تصبح وصيا على الحياة الحزبية، وتقيد العمل السياسي، وتتخذ هذا التنظيم ذريعة لضرب الاحزاب لصالح جهة واحدة. فمن هذا المدخل ولجت علينا ظواهر الاستبداد والانقلاب عبر تاريخ العراق الحديث.
وبعض المخاوف جدية حيال القانون، حتى ان بعضهم علق على مسودة سابقة في هذا الاطار بالقول، انها لو اقرت في البرلمان فستضطر الاحزاب للانتقال من النشاط العلني الى النشاط السري!
وابرز النقاط التي اختلف حولها هي الجهة التي تتولى تنظيم العمل الحزبي، فهناك من كان يقترح وزارة الداخلية او العدل كنوري المالكي، بينما ذكر خصومه ان هذا سيجعل الاحزاب المنافسة تحت رحمة رئيس الحكومة والوزير. لذلك حاولت نسخة مقترحة ان تربطها بدائرة تستحدث في مفوضية الانتخابات وتكون مختصة بتسجيل الاحزاب ومتابعة انطباق عملها مع القانون.
كما ان النقطة الاخرى المثيرة للجدل هي تمويل الدولة للاحزاب، فكيف سيحصل ذلك وكيف نحدد التفاصيل الحساسة لقصة مال وسياسة؟ وهل ندفع للحزب الفائز ام الخاسر؟
لكن ما كان غائبا عن الجدل هذا، هو نقص يصيب معظم سجالاتنا السياسية، واعني به البحث التاريخي. ففي البلدان نصف المتقدمة، يقوم الباحثون والاكاديميون بتناول مشاريع القوانين بالنقاش عبر الصحف والمجلات التخصصية والندوات، بحيث تكون بين يدي المعنيين مقارنات تاريخية وافية تسلط الضوء على ما قامت به المانيا واميركا وماليزيا مثلا، في التعامل مع تنظيم العمل الحزبي او اي مشكلة سياسية بهذا الحجم. اما الطريقة العراقية في النقاش فهي في الغالب، "تبدأ من الصفر" وتحاول ان تقوم بالتجريب، دونما استيعاب بما يكفي لتجارب ناجحة اقليميا ودوليا.
ان العلاقة بين الوسط الاكاديمي المتخصص، والوسط السياسي التشريعي او التنفيذي الاعلى، هي احد مفاتيح الانتقال الى مرحلة التعامل الناضج مع الازمات. وطالما بقينا بدون استشارة وافية لما يقوله الدرس العلمي والتاريخي، فاننا سنكرر ما حصل خلال اخر ١٢ عاما من المراوحة في المكان نفسه.
ان قانون الاحزاب وحسم امر القضاء، عنصران نادران لاثبات اننا دولة ام وضع فراغ يتجه الى اتمام الكارثة
نريد ان نعرف.. هل نحن دولة؟
[post-views]
نشر في: 26 أغسطس, 2015: 09:01 م