(1)
واخيرا وبعد انتظار 12 عاما اصبح العراق يمتلك قانوناً خاصا بتنظيم الحياة السياسية لمئات الاحزاب والتنظيمات التي شاركت في 7 اقتراعات شعبية منذ 2003، ويحتكر بعضها قواعد اللعبة منذ ذلك الوقت.
ان اقرار قانون (الاحزاب السياسية) يعتبر انجازا مهما في طريق استكمال بناء هياكل الدولة واعادة ترميم المعطوب منها، لا سيما اذا ما علمنا ان التشريعات العراقية كانت مزدوجة الاهداف فهي تشرّع لتنظيم عمل الاحزاب الى جانب الجمعيات او منظمات NGO بلغة عصرنا، كما في قانون الجمعيات لعام 1960. وأحيانا تكتب لتنظيم عمل الاحزاب بوصفها لوائح انتخابية كما هو الحال مع الامر رقم 97 الذي اصدرته سلطة الائتلاف المؤقتة عام 2004.
وبعكس الانطباع السائد، فان الحياة السياسية ما بعد 2003 كانت محكومة باطار قانوني حدده امر سلطة الائتلاف، لكنه كان اطارا فضفاضا حاول تنظيم الكيانات السياسية ضمن "العراق الجديد"، وسعى ايضا لكسر القيود التي تضمنها قانون مماثل وضع عام 1991، لكن الاخير بقي حبرا على ورق نظام دكتاتوري لم يؤمن بتعددية سياسية ولا حزبية.
بالفعل فان قانون الاحزاب من شأنه ان يكون مثاليا لبلد مثل العراق لو توفرت النوايا الصادقة والآليات الشفافة لمتابعة تطبيقه على الاحزاب الكبيرة والصغيرة، بشكل متساو وعادل من دون استثناء او محاباة.
لقد قام مجلس النواب بعمل جبار وهو يناقش مسودة قانون جديدة بهذه السرعة والرشاقة وينجح في تمريره، لا سيما اذا ما علمنا ان النسخة القديمة ظلت تراوح مكانها في اروقة البرلمان منذ 2010، واعادتها حكومة العبادي الى البرلمان مرة اخرى في 2014.
النظرة الاولى لقانون الاحزاب تكشف عن "احتراف" و"تضلع" قانوني للجهات التي كتبت نسخته النهائية، كما تكشف عن محاولة لـ"عرقنة" قوانين وتشريعات مماثلة تم الاطلاع عليها.
لكن في الوقت ذاته، فان نظرة فاحصة تكشف ايضا عن ثغرات عديدة في بنية القانون الذي اريد له ان يكون "جامعا مانعا" ولربما رادعا لفوضى البلاد السياسية. تشي بنود القانون عن "حرفنة" اليد التي فصلت المواد على مقاسات الكتل والاحزاب التي تتسيد المشهد وتحتكر العمل السياسي والحزبي منذ اعوام.
ولكي لا يأخذ المقال طابع الدراسة القانونية المقارنة، وهذا ليس من شأني اساسا، فاني سأكتفي بايضاح ثغرتين اساسيتين يجب تلافيهما او العمل على تلافيهما، خصوصا وان بدء سريان القانون أوكل الى الدورة البرلمانية القادمة، بموجب نص المواد 44 و 58 و59، بما يعني ان هنالك سقفا زمنيا مناسبا، لا يقل عن 4 سنوات، لاجراء التعديلات على الرغم من نص المادة 61 على دخول القانون حيز التنفيذ بعد 60 يوما من نشره في الجريدة الرسمية، وهذه احدى الثغرات في الجانب الشكلي للتشريع الجديد.
يترك قانون الاحزاب الباب مواربا نوعا ما امام آليات اختيار قادة الاحزاب، اذ يكتفي بـ"اعتماد الآليات الديمقراطية" من دون النص على الزامها باجراء انتخابات دورية. هذا البند يتناقض وروح "التعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة" المنصوص عليها في المادتين (3/ثانيا)، في اهداف التشريع، و(23/ثانيا) في الالتزامات المفروضة على الحزب.
هنا يتبادر السؤال التالي: كيف يحمي ويلتزم حزب او تنظيمٍ ما بـ"التعددية السياسية" و "التداول السلمي"، في وقت ان هذا الحزب لا يؤمن بذلك في اطاره التنظيمي ولا يرغب بتطبيقها على ارض الواقع؟! كيف يتم تداول السلطة في وقت يشرعن القانون "القيادة التاريخية" للاحزاب العائلية، ويشجع على استمرارها بما يتنافى مع ابسط معايير العمل الديمقراطي؟.
الثغرة الاخرى التي تضمنها قانون الاحزاب تتمثل بفتحه باب موارد الدولة امام التنظيمات والاحزاب السياسية. فقد نص القانون في المواد (17/ ثانيا)، (33/رابعا)، 43، 44، على ان تتولى دائرة الاحزاب في مفوضية الانتخابات، الجهة ذات الاختصاص، تقديم مقترحاتها الى وزارة المالية بخصوص الاعانات على ان يدرجها مجلس الوزراء ضمن الموازنة العامة.
وتفصل هذه المواد طريقة توزيع الاعانات الحكومية بالشكل التالي: 20% من المبلغ المرصود سيذهب لجميع الاحزاب بدون استثناء، و80% من الاعانة الحكومية ستكون من نصيب الاحزاب والتنظيمات التي نجحت في دخول مجلس النواب، على ان يتم مراعاة حجمها البرلماني وفقا للمقاعد التي حصلت عليها. ورغم وجود تجارب حزبية، في بعض البلدان، تتقاضى اعانات حكومية، الا ان تجربتنا العراقية تثير المخاوف من عودة الاحزاب لعادتها الطفيلية في امتصاص موارد الدولة عبر هذه الثغرة.