بعد ان كرس قانون الاحزاب الانقسام المجتمعي، عبر معالجة مرتبكة وتفتقر للشفافية والوضوح حول اشكالية التنظيمات الاثنو/طائفية، تم شرحها مفصلا في الحلقة السابقة، فانه، وللاسف، يفتح الباب واسعا امام التنظيمات السياسية للتغلغل في هياكل الدولة ومفاصلها بغطاء قانوني.
فبدلا عن التشديد في تنظيم النشاط الحزبي، وليس السياسي، داخل دوائر الدولة، فان قانون الاحزاب يمنح حق الانتساب والمشاركة في التنظيمات الحزبية لكل مواطن ومواطنة، كما في نص المادة (4/ أولاً)، من دون تحديد سن معين مثلا. لكن القانون ذاته لا يتناسى مطالبة موظف الخدمة بالمحافظة على "حيادية الوظيفة العامة والمؤسسات العامة"، بحسب نص المادة 23 / خامسا. وهذه ثغرة حساسة لشرعنة نشاط الاحزاب في مؤسسات الدولة عبر الوظيفة العامة، وهي تتناقض، بالمناسبة، مع نص المادة (25/ خامسا) من القانون والتي تمنع "استخدام دور العبادة ومؤسسات الدولة وبما فيها التعليمية"، لهذا الغرض.
ويكتفي قانون الاحزاب بتحديد 8 عناوين يحظر عليها الانتماء للتنظيمات السياسية، بحسب المادة 10/ ثالثا، كمنتسبي الجيش والاجهزة الامنية، والمخابرات والامن الوطني بالاضافة الى اعضاء السلطة القضائية وهيئات النزاهة، والانتخابات، وحقوق الانسان. وفقا لمفهوم المخالفة، فان الانتماء الحزبي متاح وجائز لما عدا هذه الفئات من موظفي الخدمة العامة، كما في المؤسسات التعليمية، وهي الاخطر، ومرافق الخدمة العامة، كمجلس الخدمة الاتحادي مثلا، التي من المفترض ان تكون فضاء مفتوحاً امام جميع المواطنين من دون تمييز على اساس حزبي او غيره.
هنا من المناسب التذكير بنص قانون (الجمعيات لعام 1960)، الذي يتطرق للنشاط الحزبي داخل مؤسسات الدولة، في المادة (31/2)، كالتالي: "لا يجوز لأفراد القوات المسلحة ومن يعمل بإمرتها ولا للقضاة (الحكام) ولا لموظفي الخدمة الخارجية ولا لكل تلميذ بالدراسة الإبتدائية والثانوية وما يعادلها ولا لرؤساء الوحدات الإدارية (في اللواء والقضاء والناحية) أن ينتموا الى أي حزب من الأحزاب ولا يجوز للحزب أن يقبل بين أعضائه عضواً منهم".
للقارئ ان يقارن مستوى الحرص المتفاوت، بين القانونين، على ابعاد مؤسسات الدولة عن النشاط الحزبي رغم مرور اكثر من نصف قرن بين التشريعين. فحظر العمل الحزبي، بحسب قانون الجمعيات، واضح بشكل لا يقبل التأويل والاجتهاد، بعكس القانون الجديد.
اما في المادة (32 /1) من قانون 1960، فانه يتشدد جدا في حماية الوظيفة العامة، اذ ينص على ما يلي "لايجوز للموظف أو لكل مكلف بخدمة عامة أن يقوم بفعاليات حزبية أو توجيهات من شأنها أن تتعارض والحياد المطلوب منه في قيامه بواجباته الرسمية ويحرم عليه بتاتاً القيام بأي عمل حزبي في أثناء دوامه الرسمي أو في دائرته الحكومية". فهذه المادة لا تكتفي بمطالبة موظف الخدمة العامة بحمايتها من الانحياز او التأثر، لكنها تحظر عليه ذلك بشكل قاطع.
انشغلت الارادة السياسية، للاحزاب التي كتبت مسودة قانون الاحزاب، بتشريع نص "Free size"، من شأنه ان يكون صالحاً لايام الترهل والترشيق على حد سواء، وبما لا يغلق الباب امامها للاعتياش على موارد الدولة وخيرات المال العام.
وتغافلت الكتل السياسية، التي عكفت منذ 2010 على كتابة قانون الاحزاب، عن وضع حلول جذرية لانهاء ظاهرة الانشقاقات التي تعاني منها في كل دورة انتخابية، والتي زادت من تشظي المشهد السياسي. لقد حالت الانشقاقات التي تشهدها الاحزاب والكتل الانتخابية دون استقرار الحياة السياسية سواء على مستوى البرلمان، او على مستوى المجالس المحلية، وهو ما وضعنا امام تحالفات هشة شكلت وتشكل وقوداً متجددا للصراع على السلطة والمال.
ثغرات عديدة يتضمنها قانون الاحزاب، الا ان فترة نفاده ودخوله حيز التنفيذ، في الدورة البرلمانية المقبلة، تعطي المشرعين الفرصة لاعادة النظر ببنوده، واعادة تكييفها مع قوانين الانتخابات والهيئات المختصة.
أحزاب (3) Free size
[post-views]
نشر في: 2 سبتمبر, 2015: 09:01 م