TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > تخلف الاحزاب ومبررات الانقلاب

تخلف الاحزاب ومبررات الانقلاب

نشر في: 7 سبتمبر, 2015: 09:01 م

مرت سنة على ظهور "حكومة الاصلاحات" بزعامة حيدر العبادي، اذ تشكلت بعد ورقة اتفاق سياسي كانت وظيفته "تصحيح" اخطاء المالكي. وقد مر ايضا، نحو ٦٠ يوما على الاحتجاجات الشعبية، ونحو شهر على اعلان حزمة الاصلاحات. وسمعنا بحزمة ثانية وثالثة. وكلنا شعرنا بحماسة ونشوة، ثم سرى الملل وانشغلنا بتصنيف الحزم: هل هي جوهرية ام سطحية؟ هل هي مصممة بشكل علمي ام مجرد مغازلة للجمهور تستهدف تهدئته؟
وكلما تأخر الوقت سنصل الى سؤال اكبر: هل الزعماء الحاليون قادرون على فهم الاصلاح وشروطه، وقادرون على التمييز بين الشخص المؤهل الخبير، والشخص ناقص الخبرة والتأهيل، وهل يفرقون جيدا بين التدابير الحديثة المجربة، والاجراءات المثقبة المستهلكة؟
ان سيل الشتائم والغضب الذي ظهر عند بعض المتظاهرين، هو شكل شعبي لهذا التساؤل، لكن بصيغة الاستنكار، اي ان الجمهور حين يطلع على طريقتي في السؤال، يسخر مني ويرد بقناعة تامة: وهل تشك بان الزعماء الحاليين عاجزون وغير صالحين! وهذا كلام نسمعه كلما دافعنا عن النظام وشرعية الدستور، وعارضنا منطق السحل والانقلاب.
وسيجيب كثير من الزعماء على سؤال الكفاءة، قائلين ان المحاصصة الطائفية مثلا، تمنعهم من العمل وتقيد رغباتهم الخيرة. لكن علينا ان نطلب من الزعيم مكاشفتنا: هل المحاصصة تمنعك من تحسين حال البلاد؟ ام ان حزبك المليء بناقصي الخبرة هو اخطر قيد يعرقلك؟ ونحن لسنا ضد الحياة الحزبية بالتاكيد، لكن علينا ان نستفهم: هل يمكن تطوير البلد عبر احزاب متخلفة، او لا تتطور؟ هل يمكن اصلاح النظام السياسي قبل اصلاح الحزب الذي ظل بلا خبرة؟
ان طبقتنا السياسية تعمل بحرية كاملة ورفاه مالي واضح منذ ١٢ عاما، ثم تفشل في توفير العدد الكافي من الخبراء الذين في وسعهم تخفيف عيوب السياسة. ناهيك عن انها احزاب لا تميز في الغالب، بين الخبير و"الفطير". وحتى القائد القادر على التمييز، يقول انه لا يستطيع فرض ارادته دوما، لان "جناح عديمي الخبرة" اقوى واكثر من "جناح الخبراء المتعقلين". ولذلك ففي كثير من الاحزاب يجري تقديم "الشرس الجاهل" وتغييب "المتعقل الخبير".
ثم يقال لك: انه زمن شرير، لابد من شراسة "لحماية التجربة". لكن الشرسين هؤلاء فشلوا في حماية شيء، وفي نفس الوقت فاننا لم نمنح فرصة للاخيار المتعقلين الخبراء! ولاحظنا في حالات كثيرة، ان الاخيار تعففوا وزهدوا وهربوا، لان الاشرار لا يقبلون اي شريك في الغنيمة!
وماذا بعد؟ توجد في العراق ازمتان، انسداد سياسي يؤدي لسيول الدم. وجمود تنموي يشيع اليأس ويوسع الخراب ويبرر السحل والانقلاب. واحزابنا تنقصها خبرة السياسة وخبرة التنمية، ولدينا حاجز نفسي يفصلنا عن العالم المتقدم مالك المعرفة والخبرة والقوة، فنحن نرتاب من الغرب ازيد من اللازم، و"نستنجسه" ازيد من اللازم، ونتوارى منه كما يتسرب تلميذ من المدرسة. بينما كل "اصدقائنا" في الشرق الاوسط، يوطدون علاقاتهم بجامعات الدنيا وشركاتها ومعارفها واستشاراتها. اذ يدرك الايراني والسعودي انه لا يوجد اسلوب لسد نقص الخبرة، سوى تحسين العلاقة بمؤسسات المعرفة والخبرة الرائدة، والا فاننا سنخسر كل ما تبقى من السيادة، فبقاء العراق بهذا النقص الفادح في المعرفة وغياب التدبير المجرب المتراكم سياسيا وتنمويا، سيجعل الشعب يفكر بالانتقام والسحل، وسيشجع جيراننا على المزيد من التلاعب بنا حد السخرية السوداء، وسيجعل الغرب الذي يشك بنا ويرتاب منا ايضا، يفكر بحلول ليس فيها احترام لامة او شعب.
لنقل ان احزابنا بلا خبرة. ولكن أليس لديهم شعور يجعلهم يدركون معنى هذا التحدي؟ انه سؤال اخر اكثر حسما

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

العمود الثامن: ماذا يريدون؟

العمود الثامن: من كاكا عصمت إلى كاكا برهم

لماذا نحتاج الى معارض الكتاب في زمن الذكاء الاصطناعي؟

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

العمود الثامن: عبد الوهاب الساعدي.. حكاية عراقية

 علي حسين ما أن خرج الفريق عبد الوهاب الساعدي ليتحدث إلى احدى القنوات الفضائية ، حتى اطلق بعض " المحلللين " مدفعيته تجاه الرجل ، لصناعة صورة شيطانية له ، الأمر الذي دفع...
علي حسين

باليت المدى: شحذ المنجل

 ستار كاووش مازال الوقت مبكراً للخروج من متحف الفنانة كاتي كولفيتز، التي جعلتني كمن يتنفس ذات الهواء الذي يحيط بشخوص لوحاتها، وكأني أعيش بينهم وأتتبع خطواتهم التي تأخذني من الظلمة إلى النور، ثم...
ستار كاووش

هل ستعيد التشكيلة الوزارية الجديدة بناء التعليم العالي في العراق؟

محمد الربيعي يضع العراقيون امالا كبيرة على التشكيلة الوزارية الجديدة، المرتقب اعلانها قريبا، لتبني اصلاحات جذرية في مؤسسات الدولة، وعلى راسها التعليم العالي. فهذا القطاع الذي كان يوما ما منارة للعلم والمعرفة في المنطقة،...
د. محمد الربيعي

مثلث المشرق: سوريا ومستقبل الأقليات بين لبنان والعراق

سعد سلوم على مدار عقود، انتقلنا من توصيف إلى آخر: من "البلقنة" في سياق الصراعات البلقانية، إلى "لبننة" العراق بعد التغيير السياسي في أعقاب إسقاط نظام صدام حسين، وصولًا إلى الحديث اليوم عن "عرقنة"...
سعد سلّوم
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram