4-5
عند دراستى الجامعية ،الأدب الألماني، كان علينا أن نختار اختصاصين من الاختصاصات الثلاثة التي ضمها: من ناحيتي اخترت الأدب الحديث وعلم اللغة، فيما كان عليّ أن أعمل ما يُطلقون عليه شهادة إثبات كفاءة في الاختصاص الثالث، الأدب الكلاسيكي الألماني، عن طريق تقديم ورقة بحث فيه، موضوع البحث الذي اخترته في حينه هو "عن السلطة الدنيوية ومدى الإذعان لها"، لمارتن لوثر. في ورقة البحث التي قدمتها حاولت أن اثبت تقدمية هذا النص، ورغم انحيازي العاطفي لتوماس مونتسر وثورة الفلاحين، إلا أنني حاولت أن أنسى الأديب الشاب الذي كنته والذي يقف إلى جانب الخسرانين، وأن أكون الأكاديمي "الموضوعي" الذي يرد على اتهام مونستر قائد ثورة الفلاحين للوثر بالخيانة، الذي ذهب بنص لوثر إلى مدى أبعد من الذي كان لوثر قادرا عليه في تلك الفترة، اليوم نكتشف كم حوِّر وفُسر هذا النص هذه المرة ليس بشكل ثوري كما فعل قائد ثورة الفلاحين توماس مونستر، بل باتجاه رجعي، حتى تحولت الكنيسة البروتسناتية في النهاية إلى سلطة دنيوية تطلب بالإذعان، لا يهم أنها تطورت في المانيا لاحقاً على شكل الحزب الديموقراطي المسيحي، لا أدري إذا كان ذلك ما أراده لوثر، لكن أليس ذلك ما حصل لنص نشيد نيبلونغين أيضاً التي تعرض للتفسير الخاطئ، خاصة على يد القائد النازي غورينغ، باعتباره يعبر عن البطولة الجرمانية ونزعتهم القتالية.
كم هم عدد السياسيين الذين يشبهون هاغن فون ترونية الذين قادوا شعوبهم إلى الدمار؟ لا أعرف إذا كان هاغن يفقه في السياسة، وهو يمارس وظيفة المستشار لملوك بورغند، لكنني أعرف أن سياسيين ساروا على خطاه قادوا أو يقودون شعوباً وحضارات إلى الهلاك، بعضهم عن طريق الحرب وبعضهم لا دراية عندهم بالواجب المكلفين فيه، صدام حسين مثلاً، عمل نفسه جنرالاً عسكرياً، يقود حروباً شمالاً وجنوباً، وهو لم يخدم يوماً في الجيش، على العكس كان هارباً من خدمة العلم، أو الشيخ أحمد ياسين مثلاً، هل تتذكرونه؟ قائد حماس في غزة الذي كان محبوباً عند الجماهير، لدرجة أن الشباب كانوا يحملونه وهو جالساً على الكرسي الذي يتحرك عليه، الرجل العجوز هذا صاحب الصوت المبحوح أيضاً، المريض ليس في عوقه، فذلك أمر إنساني لا عيب على إنسان عليه، بل المريض في عناده وغيّه، أقول العجوز هذا كان مدرساً للغة للعربية لاغير، لم يكن فقيهاً أو عالماً في علوم القرآن، والأدهى من ذلك، أنها إسرائيل التي أطلقت سراحه من السجن عام 1987 ودعمته بتأسيس حركة حماس ضد ياسر عرفات، لكن رغم ذلك فإن الرجل القعيد هذا، كان يوزع الفتاوى، ويرسل الشباب للجهاد، لتفجير أنفسهم من غير المهم ما ينتج عن ذلك من موت ودمار، في النهاية مات أحمد ياسين مقتولاً في قصف صاروخ إسرائيلي، لكن نتيجة سياسته التي ألقت الحجر الأساس للعمليات الانتحارية يُمكن رؤية دمارها اليوم.
ولأن نشيد نيبلنغين ملحمة المانية تستعير البعض من الاساطير اليونانية، أنظروا: عرافات البحر ونبوءتهن، كريمهيلت ورغبتها بالثأر (ميديا)، فإننا من غير الممكن أن نقف اليوم في فورمس في مملكة بورغند المندثرة، دون أن نأتي على مكان "المعارك" الجديد الذي نعيش أجواءه كل يوم، أعني اليونان، المعركة هذه التي تحولت بجرة قلم واحدة، إلى معركة اليونان وهاغن الجديد، فولفغانغ شويبلة. لا أدعي الخبرة بشؤون المال، قد أكون جاهلاً بالأمر، لكن أمراً واحداً أعرفه، أن الرسائل التي يبعثها وزير المالية الألماني، الذي هو على فكرة ليس خبيراً بالمال، درس القانون وعلوم الاقتصاد، أي أنه يفهم بقوانين الاتفاقات الاقتصادية، لكن لا علم له بأمور البورصة وغيرها، اقول أن الرسائل التي يبعثها وزير المال الذي دخل عامه الثالث والسبعين، السيد شويبله من عربة معركته المتدحرجة كل يوم، هي إشارات للتعجيل بحلول الكارثة، لا تعبر كما يعتقد عن دهاء سياسي أو مكر، صحيح أن الأغلبية في المانيا معجبة به، لكن ذلك وحده يبين، بأنه فاته أن يوضح معنى الأزمة الأوروبية للمواطنين.
يتبع
عن النصوص الدينية وتحويرها
[post-views]
نشر في: 8 سبتمبر, 2015: 09:01 م