اولاً: "المنقذ"
تعرض هذا البلد للتدمير مرارا، لا لان العراقيين محاربون سيئون، ولا لان سيوفهم صدئة او بارودهم فاسد، بل لان عديمي الفهم في السياسة كانوا يخترعون اساليب رهيبة للتأثير على القرار السياسي والتشويش عليه، او اغتصاب السياسة، واستسهال السياسة واعتبارها "كشأن عادي يمكن فهمه" مثل شرب الماء. وهكذا كانت تضيع الانتصارات وتتبخر القوة وتركس الامة في هزيمة غير مبررة.
ان عديمي الفهم في السياسة هذه الايام، لم يخترعوا قاعدة جديدة وهم يملأون البلاد ضجيجا، بل هم يستأنفون وحسب، التخريب الذي قام به اشباههم طوال عقود لبنية الدولة والنظام، وانا اعني هؤلاء الذين يعتقدون ان "سيناريوهات الغضب والانفعال والكذب" ستصنع منهم ابطالا اسطوريين، ومنقذين للامة.
مع كل "منقذ" كنا نغطس في نكسة جديدة. ومع كل "حلم بطولة متسرع" كنا نخسر اكثر. ذلك ان البطولات وحتى التضحيات الكريمة ستتبدد وتضيع اذا لم تكن هناك ارادات متعقلة خبيرة، توفر الحماية لنتائج التضحية. ان شبابنا لم يتوقفوا يوما عن التضحيات، لكن عديمي الخبرة كانوا يبددونها على الدوام، في السلطة او المعارضة.
ثانياً: "المتغافل"
ان الحرب ستطول. هكذا يكرر الاميركان القول، ويسببون لبعضنا احباطا. ولكن هل تعودنا على حروب قصيرة في الماضي، لنأمل هذه المرة بحرب غير طويلة، وبنهاية عاجلة للمشكلة الفادحة؟
دوما كنا نبالغ في قياس ثرواتنا وحجم قوتنا وتماسك تحالفاتنا. وتحت الانفعال، اصبحت هوايتنا استنساخ النكسات والكذب على انفسنا.
دع عنك تخمينات واشنطن ونواياها، ولكن الم يصبح واضحا ان الحرب الطويلة هي نتيجة حماقة عميقة؟ وكيف تنتهي الحروب بينما نحن غارقون في حماقات بلا نهاية، حتى اننا بعد سنة من تقدم داعش، وبعد تضحيات الالاف من شبابنا، من كل انحاء البلاد واقاليمها، لم نحقق تقدما سياسيا يذكر، ولا نمتلك توضيحا لهذا الجمود السياسي المتعاظم!
ان كل انتكاسة سياسية هي خيانة لدماء الشباب المقاتلين. وكيف يقصر عمر الحروب وشعبنا يتبادل الاتهامات والشتائم بنحو غير مسبوق، ولا احد يقبل بطرف ينصف او يحل النزاع، او ينقل لنا تجربة ناجحة من هذه الدنيا التي تنهمك بتخفيف صراعاتها كي تتفرغ للبناء، ونحن غير ابهين بكل هذا الخراب وهذه الدماء، فيتحول الوطن الى عراك قبيلتين، لا قواعد اشتباك تبرر اندلاعه، ولا صيغة معقولة تفرض نهاية له. ثم نسأل كالمتغافل: لماذا سيطول امد الحرب؟
ثالثاً: السايكو
اشعر ان مفهوم القراءة والتحليل يجب ان يتغير من الان فصاعدا حين يتناول مسارات الشرق الاوسط. لا توجد اليوم افعال سياسية يمكن ان نقوم بتحليلها. من الان فصاعدا يشتد سباق الجنون بين جميع الاطراف. والمطلوب من النشاط التحليلي الذي يحاول ان يقرأ سياستنا ويفهمها، ان يتحول الى بحث سيكولوجي لفهم انواع الجنون، واصناف المجانين، وسيكولوجيا الاضطرابات، ومستويات الاضطراب العقلي والعصبي، للحاكم والمحكوم، والضحية والجلاد، واضطرابات داعش وخصوم داعش ايضا. بهذه الطريقة فحسب قد نتمكن من تخمين كمية "الحماقة" التي ستحصل، ونوع المأساة التي ستحل.
من الان فصاعدا سنتأكد ان المنطق يتلاشى في معظم الاحيان، اذ لا تشتغل مسطرة المصالح ولذلك سنعجز عن قياس اي خيارات متعقلة. ان كل الاهداف المطروحة لا تستحق مثلا ان يحترق الشرق الاوسط. لكن الشرق الاوسط هذا يحترق فعليا، وكأن كل طرف يقول للاخر: سأريك ما يمكنني فعله! وكل طرف يحاول ان يكتشف "موهبة" الاخر في الايغال بالحماقة!
انه حفل جنون وحسب، ومباراة بين المجانين والمضطربين نفسيا، حتى ان الخبراء يعتقدون ان داعش هي نتيجة سباق بين "مرضى" تنظيم القاعدة على زعامة الارهاب العالمي، اذ يفترض ان الاكثر قسوة وجنونا هو الذي سيصبح "خليفة
المنقذ والمتغافل والسايكو
[post-views]
نشر في: 12 سبتمبر, 2015: 09:01 م