رياض قاسم ، العراقي الأصيل المهووس بالابداع ومريديه ، الذي تعرفت عليه أواخر سبعينات القرن الماضي في رحاب بغداد ودائرة السينما والمسرح تحديدا أنا القادم من النجف الاشرف بعد سنوات دراسية أربع قضيتها في جنوبي القلب البصرة الفيحاء ثغر العراق الباسم طيبة
رياض قاسم ، العراقي الأصيل المهووس بالابداع ومريديه ، الذي تعرفت عليه أواخر سبعينات القرن الماضي في رحاب بغداد ودائرة السينما والمسرح تحديدا أنا القادم من النجف الاشرف بعد سنوات دراسية أربع قضيتها في جنوبي القلب البصرة الفيحاء ثغر العراق الباسم طيبة ونقاء أنهيتها بالحصول على البكالوريوس من قسم اللغة العربية في كلية الاداب بجامعة البصرة حيث كان آنذاك في فورة عطائه واندفاعاته الشعرية والصحفية وصولا الى كتابة السيناريو السينمائي.
وكانت لقاءاتنا في أروقة السينما والمسرح قد تعددت قبل وأثناء وبعد أكثر من عرض مسرحي وسينمائي لكبار مبدعينا فضلا عن عروض الفرقة القومية للفنون الشعبية كما كانت تسمى حينها وفرقة البصرة للفنون الشعبية حيث كان من المتابعين الفاعلين الجيدين في (العروض الخاصة) لهذه الفعاليات التي كانت حصة الاسد فيها للصحفيين والنقاد المعنيين وكذلك (الجولات الاعلامية) التي كنا ننظمها في الدائرة الى مواقع تصوير الافلام وكانت على ما أتذكر من بينها افلام (القادسية والاسوار ويوم آخر) وغيرها وفي مناطق متباعدة ومترامية الاطراف من عراقنا الغالي دون أن يكل أو يمل كما هو حال زملائنا الآخرين : أحمد عبد المجيد وجهاد زاير وزهيرغانم وطه جزاع وهاشم حسن وسالم العزاوي وعادل العرداوي وعلي زين العابدين وحسين عمران وغيرهم الكثير ممن لايتسع المجال لذكرهم لاسيما أن أسماء أخرى قد التحقت بهم في مراحل لاحقة .
كانت ضحكته المجلجلة علامته المميزة ناهيك عن قفشاته وتعليقاته الساخرة اللاذعة التي يفاجئ بها الجميع دون استثناء لما جبل عليه من عفوية وتلقائية نادرة طالما زينت تلك اللحظات واللقاءات الاعلامية والثقافية المتنوعة لما انطوت عليه من ألفة وحميمية بتنا نتحسر عليها في أيامنا هذه التي بات كثيرون من ذوي النوايا السيئة والخلفيات يستغلون مثل هذه المواقف بل ويحاولون حرفونها عن مسارها العفوي لاسباب طائفية أو حزبية أو عشائرية أو.. أو.. أو ....
الى جانب بروزه في كتابة العمود الصحفي تحقق له جانب ابداعي آخر عندما كتب سيناريو الفيلم الوثائقي ( حكاية للمدى) الذي أخرجه الراحل بسام الوردي وتناول فيه سيرة حياة الفنان والقاص يحيى جواد ونال عنه العديد من الجوائز في المهرجانات السينمائية وعد الاهم في تأريخ السينما الوثائقية في العراق وكان بإمكانه أن يقدم الكثير سينمائيا لولا توقفه عن مواصلة هذا المشوار .
تواصلي ولقاءاتي مع الراحل رياض قاسم توالت لاسيما حين عملنا سوية في أكثر من صحيفة أيام النظام السابق مضطرين الى خوض مثل هذه التجربة المرة إضطرارا "لا يعلمه الا الله والراسخون في العلم" وكانت نظراتنا المتبادلة تنبئ بصمت بليغ عما في ذواتنا ودواخلنا التي كانت تنطوي على غربة وقطيعة وافتراق وعدم انسجام روحي أوفكري أومبدئي مع كل مايدور حولنا وربما كانت ( التقية) وما أدراك ما التقية ..؟ حاضرة هنا بأبهى صورها ...
وبعد سقوط النظام السابق كانت ( المواطن) هي المحطة الجديدة التي عمقت هذا التلاقي الابداعي المتواتر بيني وبين رياض قاسم الذي تولى مهمة (رئيس التحرير التنفيذي) في وقت كان يديرها من لندن الاعلامي نبيل ياسين ويرأس مجلس إدارتها الدكتور ابراهيم بحر العلوم ففتح لي ابتداء باب العمل فيها على أساس ( القطعة ) ووجدته ذلك الـ(رياض) خلقا ومسلكا وفكرا وروحا وأريحية لم تغادره حتى بعد موته المفاجئ إذ مازالت (ضحكاته المجلجلة ) تهتزلها أركان الجريدة وبالذات الغرفة التي كان من خلالها يدير العمل التفصيلي بالجريدة ويضفي لمساته المعروفة عليها .
تعرض رياض قاسم الى أكثر من موقف كاد أن يودي به ولكنه كان يخرج منتصرا برغم أنف من أراد أن يكيد له وكانت مفارقاته وسخرياته اللاذعة تترى وتتجدد عندما كنت ألتقي شقيقه الاعلامي والناقد السينمائي المعروف قيس قاسم ( المقيم في السويد) في أكثر من دورة من مهرجاني الفيلم العربي بروتردام في هولندا وابو ظبي السينمائي في دولة الامارات العربية المتحدة أنا وباقي نقاد السينما العراقية علاء المفرجي وعدنان حسين أحمد وزياد الخزاعي وثلة من السينمائيين العراقيين والعرب حيث يكون محور حديثنا دوما الراحل رياض قاسم الذي كان مايزال حيا يرزق هو وضحكاته التي تجلجل في اركان العراق الذي فقده مبدعا متنوعا وشاملا لايهاب الموت الذي أخذه على حين غفلة ولم يوفر لنا فرصة سماع آخر نتاجاته وهو أحد فرسان قصيدة النثر والرواية في العراق الذي وسم تأريخهما – كما هو حال شعراء الواحدة في أدبنا العربي - برواية واحدة وفيلم وثائقي واحد وقصائد نثر متميزة جدا على قلتها لكنها كرسته في المشهد الشعري بلقب فريد (رامبو الاسود) ..ولعل هذا هو السرغير المألوف للمبدعين النادرين جدا.