TOP

جريدة المدى > عام > حفلة التفاهة.. ميلان كونديرا La fête de l'insignifiance

حفلة التفاهة.. ميلان كونديرا La fête de l'insignifiance

نشر في: 14 سبتمبر, 2015: 12:01 ص

لم يكتب ميلان كونديرا رواية منذ "الجهل"، في عام 2003. لكنه يعود مع "حفلة التفاهه"، وهي رواية كتبها باللغة الفرنسية تدور أحداثها في وسط باريس، يستحضر بها شخصيات بارزة من الاتحاد السوفياتي. وبشفافية واضحة، فان الكاتب الذي أصبح فرنسيا يمنح الرواية غذاءً

لم يكتب ميلان كونديرا رواية منذ "الجهل"، في عام 2003. لكنه يعود مع "حفلة التفاهه"، وهي رواية كتبها باللغة الفرنسية تدور أحداثها في وسط باريس، يستحضر بها شخصيات بارزة من الاتحاد السوفياتي. وبشفافية واضحة، فان الكاتب الذي أصبح فرنسيا يمنح الرواية غذاءً من الروح السلافية.
هذه الرواية هي الأحدث بالنسبة لميلان كونديرا وتقع في سبعة فصول، تصور أربعة رجال.وهم كل من آلان وهو "المعتذر" الأبدي الذي تركته امه عندما ولد. وهو المهووس بالسرة كمركز جديد اللإغواء الأنثوي وصديق مادلين لمدة 20 عاما. ورامون، المتسكع في حدائق اللوكسمبورغ المولع بحب النساء وكراهية الانتظار في الطابور. ثم تشارلز الذي يحب رواية مزح ستالين غير المفهومة. وكاليبان، الممثل العاطل عن العمل، الذي يمثل دور الخدم الباكستانيين (كمزحة) في حفلات خاصة نظمها تشارلز.
لقد اصبح الأصدقاء الأربعة يجوبون ممرات حدائق اللوكسمبورغ أو يتحلقون حول كأس شراب. ويبدو أنهم قد تحرروا من كل مسعى خانق (امتياز العمر)، وهم يعيشون ويفكرون بعالم من دون أن يعطوا لأنفسهم اكثر مما يستحقون. أما الراوي وهو (الرجل الخامس) فيجعلنا نشاركهم تجوالهم وتنزههم وتبادل حواراتهم وتأملاتهم.
ونعتقد ايضا ان دارديلوD" Ardelo، وهونرجسي ويفرط في الشراب ، مريض الوهم كان يزعجه، التقدم في السن ولكنه مع ذلك كان جذابا، فضلا عن كونه قادرا على الحفاظ على وجه سعيد وهو يروي قصة قاتمة بحزنها، وهو الذي خسر في نهاية الشوط بسبب آخر يتمتع بالغواية،ثم يأتي كاكيليك Caquelique التي تحررتفاهته " المرأة، مما يجعلها متهورة سهلة المنال الى حد كبير."
إن احتفال التفاهه" رواية تتناوب في مشاهدها القصيرة التمثيليات وقصصها وتنقل شخصياتها الأربع ، وكذلك شخصيات الراحلين من الاتحاد السوفياتي السابق (ستالين، خروتشوف، كالينين، مولوتوف ...)، وهي فرصة استثمرها الروائي لاستحضار "حقبة من الزمن لم يعد يبقى منها أي أثر ".فعن حقوق الإنسان يقول على لسان احد ابطاله " الجميع يهذون حول حقوق الإنسان. يالها من طرفة ! لم يتأسس وجودك على اي حق ولا حتى يسمح لك فرسان حقوق الإنسان ان تنهي حياتك بإرادتك ( ...) انظر اليهم جميعا . نصف هؤلاء الذين تراهم قبيحون الى حد ما ! ان يكون المرء قبيحا ! هل هذا ايضا جزء من حقوق الإنسان ؟ وهل تعرف انه يحمل قبحه طيلة حياته ؟ من دون أي راحة ؟ جنسك أيضا . انت لم تختره ولم تختر لون عينيك ولا الزمن الذي تعيش فيه ولا بلدك ولا أمك. ولا أي شيء مهم. الحقوق التي يمكن ان يحصل عليها الإنسان لاتتعلق إلاّ بتفاهات وليس ثمة سبب للصراع حولها أو كتابة إعلانات شهيرة عنها!"
أي قيمة للتفاهة إذن ؟!
"التفاهة ياصديقي هي جوهر الوجود . إنها معنا على الدوام وفي كل مكان ، إنها حاضرة حتى في المكان الذي لايرغب أحد برؤيتها فيه : في الفظائع ، وفي المعارك الدلامية ، وفي أسوأ المصائب . وهذا دائما مايتطلب شجاعة للتعرف عليها في ظروف دراماتيكية للغاية ولتسميتها باسمها ، لكن ليس المقصود التعرف عليها فقط ، إنما يجب ان نحبها ، التفاهة ، يجب ان نتعلم حبها . "
في هذه الرواية عمل الكاتب على بناء قصته على شكل مسرحية، وفيها أشاد كونديرا بالتفاهة من خلال كتابة رواية هي ليست كذلك. اللاجدوى بوصفها رائعة، وقيمة الصداقة، والسعي لتحقيق السعادة ... هذه هي الأسئلة العميقة التي يطرحها مؤلف كتاب "خفة الكائن التي لا تحتمل" يتناول انعدام الوزن، على شاكلة هذه الريشة المعلقة في الهواء التي يراقبها المدعوون الى الحفل، وهي مسمّرة بانخفاض سقوطها البطيء. والحقيقة ان كونديرا كان قادرا على إمتاع القارئ مع كانط، وشوبنهاور و ستالين.
تسلط هذه الرواية الضوء على المشاكل الأكثر خطورة وفي الوقت نفسه عدم التلفظ بأي جملة خطيرة، والكاتب مفتون بواقعية عالم معاصر، ويتجنب في الوقت نفسه كل ماله صلة بالواقعية، تلك هي "حفلة التفاهه". ومن يعرف أعمال كونديرا السابقة يعلم أن الرغبة في دمج جزء جديد من "غير جاد" في الرواية غير متوقع. لديه في "الخلود" L'Immortalité يسير ويتجول كل من غوته وهمنغواي معا في عدة فصول، وهما يدردشان ويتسليان. وفي "الـبطء " La Lenteur فان فيرا، زوجة المؤلف تقول لزوجها: "كثيرا ما كنت تقول لي بانك تريد أن تكتب رواية لن تكون فيها أي كلمة جادة ... أريد أن أقول لك: كن حذرا: أعداؤك في انتظارك. " والآن، بدلا من ان يأخذ حذره، يحقق كونديرا أحلامه الجمالية القديمة بالتمام في نهاية المطاف في هذه الرواية التي نرى ملخصا مذهلا لجميع اعماله. ملخصا مضحكا. بخاتمة مضحكة. وسخرية مضحكة مستوحاة من عصرنا. الذي هو عصرهزلي لأنه فقد كل حس بالدعابة. فماذا يمكن أن نقول؟ لا شيء.
شذرات من الرواية
1- بعد برهة قال كاليبان " الشيء الوحيد الذي يبدو لي لايصدق في كل هذه القصة هو ان مامن احد يعرف ان ستالين كان يمزح .
- بالتأكيد ، قال شارل ووضع الكتاب على الطاولة "لأن مامن احد حوله يعرف ماهو المزاح.
وبذلك، كما أرى ، أعلنت حقبة عظيمة من التاريخ عن ولادتها"
2- "إذا لم أكن مخطئا – وأنت يارامون بإمكانك ان تصحح لي – خلال تلك المدة الوجيزة من التاريخ كان ستالين هو رجل الدولة الأكثر قوة في العالم ، وهو يعرف ذلك، كان يشعر بسعادة ماكرة ، لأنه الوحيد من بين جميع الرؤساء والملوك الذي يستطيع أن يسخر بوقاحة من وقار التصرفات السياسية العظيمة المحسوبة، والوحيد الذي يمكن ان يسمح لنفسه باتخاذ قرار شخصي مطلق ومزاجي وغير معقول، وغريب على نحو واضح وعابث على نحو رائع".
3- اسمع ياشارل ، ان لم أكن مخطئا, ليس للملاك جنس ، ربما هذا هو مفتاح بياضه.
4- "الحياة هي صراع الجميع ضد الجميع, هذا معروف. لكن كيف يجري هذا الصراع في مجتمع متمدن الى حد ما ؟ لايمكن للناس ان يهاجموا بعضهم بعضاعندما يلتقون.وبدلا من ذلك حاولوا ان يلقوا على الآخرين عار الشعور بالذنب.وسيفوز من ينجح في جعل الآخر مذنبا.وسيخسر من يعترف بخطئه"
5- "كان الحب في ما مضى من الوقت حفلة فردية، لاتضاهى، انتصار من هو فريد, ومن لايتحمل اي تكرار. ولكن السرّة ليس فقط انها تتمرد ضد التكرار،وانما هي دعوة للتكرارات."
6- "وسمح لنفسه بأن يفتحها يوم عيد ميلاده للاحتفال مع اصدقائه على شرفه، شرف شاعر كبير أقسم ألاّ يكتب بيتا شعريا واحدا . بفضل تبجيله المهذب للشعر"
7- "- ولكن لا.ولكن لا، أنسى ماقلته لك للتو! لقد قلت حماقات !وبالغت !ثم وهو يخفض صوته ، اضاف: ومع ذلك أفهمك.لقد اصبحت المُزح خطرة"
8- "إن حس الهزل لم يكن من مهاراته.هكذا بكل بساطة ومن دون معرفة السبب ، كانت إصابته المتخيلة بالسرطان ترى فيه فرحا غامرا.لقد تابع طريقه وواصل ضحكه.كان يضحك ويستمتع بمزاجه الرائق "
9- "هنا، يقول رامون، أشعر بتحسن. بطبيعة الحال، فالتشابه يهيمن في كل مكان. ولكن في هذه الحقيقة، يقدم خيارات متشابهة اوسع. وبالتالي يمكنك الاحتفاظ بوهم فرديتك الخاصة بك."
10- " يجتمع الناس في الحياة، يثرثون ويتناقشون، ويتشاجرون، من دون أن يدركوا أنهم يتوجهون بعضهم الى بعض من على بعد، كل واحد انطلاقا من مرصده المنصوب في مكان مختلف من الزمان "
11- "لقد أدركنا منذ زمن طويل بانه لم يعد بالأمكان قلب هذا العالم ، ولاتغييره ولا إيقاف مسيره البائس الى أمام . لم تكن هناك سوى مقاومة وحيدة ممكنة : وهي ألاّ نأخذه على محمل الجد."
12- "كان ذلك في حزيران /يونيو، وكانت شمس الصباح تطلع من بين الغيوم وكان آلان يمر ببطء في شارع باريسي. كان يشاهد الفتيات الشابات اللاتي يظهرن سررهن العارية بين سراويل مربوطة الى الأسفل وقميص قصير جدا. كان أسيرا. أسيرا بما يرى لا بل كان مضطربا ، وكأن سلطتهنّ في الإغراء لم تعد تتركز في أفخاذهن أو في أردافهن أو نهودهنم، وإنما في هذه الحفرة الصغيرة التي تقع في وسط الجسم."
13- "سأكون صريحا. يبدو لي دائما من المرعب ان ترسل شخصا الى عالم لم يكن يطلبه.
14- "إن الوجود الإنساني لم يكن سوى عزلة ، عزلة محاطة بعزلات"
15- "الجميع يجعجع في مجال حقوق الإنسان. يا لها من نكتة ! لا يستند وجودك إلى أي قانون، وحتى نهاية حياتك بإرادتك الخاصة ، لايسمحون لك بذلك، فرسان حقوق الإنسان هؤلاء."
Collection Folio, Gallimard
Parution pr évisionnelle : 29-10-2015.صدور الطبعة الجديدة

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

بمناسبة مرور ستة عقود على رحيل الشاعر بدر شاكر السياب

تقاطع فضاء الفلسفة مع فضاء العلم

وجهة نظر.. بوابة عشتار: رمز مفقود يحتاج إلى إحياء

أربع شخصيات من تاريخ العراق.. جديد الباحث واثق الجلبي

فيلم "الحائط الرابع": القوة السامية للفن في زمن الحرب

مقالات ذات صلة

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي
عام

الذكاء الاصطناعي والتدمير الإبداعي

د. نادية هناوييؤثر الذكاء الاصطناعي في الأدب بما له من نماذج لغوية حديثة وكبيرة، حققت اختراقًا فاعلا في مجال معالجة اللغة ومحاكاة أنماطها المعقدة وبإمكانيات متنوعة وسمات جعلت تلك النماذج اللغوية قادرة على الاسهام...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram