اعلان ممول

TOP

جريدة المدى > مسرح > إشكالية التأصيل والهوية في المسرح العربي (2-2)

إشكالية التأصيل والهوية في المسرح العربي (2-2)

نشر في: 15 سبتمبر, 2015: 12:01 ص

بعدها حلت الممارسات الإسلامية ، محل الممارسات الأسطورية التي كان يمارسها أهل الجزيرة ، و"إذا كان الإسلام قد قضى على الأوثان والمعابد، وحطم الأصنام وطهر الجزيرة العربية من مراكز عبادتها، فقد قضى على الأساطير المتعلقة بهذه العبادات، والطقوس المصاحبة له

بعدها حلت الممارسات الإسلامية ، محل الممارسات الأسطورية التي كان يمارسها أهل الجزيرة ، و"إذا كان الإسلام قد قضى على الأوثان والمعابد، وحطم الأصنام وطهر الجزيرة العربية من مراكز عبادتها، فقد قضى على الأساطير المتعلقة بهذه العبادات، والطقوس المصاحبة لهذه الأساطير والتي كانت تمارس داخل المعابد بصفة جماعية ، او داخل المنازل بصفة ذاتية"  ، وبهذا ضاعت علينا فرصة التعرف إلى تلك الأساطير والطقوس، وتحولت الكعبة بكل رمزها الوثني القديم، إلى رمز إسلامي جديد، تستمد معناها من أصولها الجديدة، الإسلامية ، ونسيان كل مرجعيتها وما تحمله من أساطير وطقوس، طالما أنها تتعارض مع الدعوة الإسلامية.

بالتأكيد خطوة التهديم تلك، لا تتيح الفرصة لممارسات احتفالية تعيد الطقسيات الأسطورية، وما بقي منها ليس سوى طقوس لا تخرج عن إطار ما يسمح به الدين الإسلامي ودعوته، وأيضا تحول الفكر في الجزيرة العربية، من فكر يؤمن بتعدد الآلهة، ويجلها ويعدها المخلص، واليها يرجع بكل ضروراته الدنيوية، إلى فكر الألوهية الوحدانية، الإله الواحد الأحد، ولقد كان أحرى بأصحاب الدعوة احتواء تلك المظاهر. ويجد الناقد فاروق خورشيد بأن : "من السهولة تحويرها وتعديلها لتتلاءم مع الفكر الجديد، وبحيث لا تتعارض مع العقيدة الموحدة الجديدة ولا تختلف معها ، بل والتي يمكن توظيفها في خدمة هذه العقيدة، وفي غرس بذورها الأكيدة في نفوس المسلمين الجدد" ، طالما ان المسلمين الجدد هم أنفسهم المشركون القدامى ، بمعنى انهم مرتبطون بتلك الأساطير، والذي تغير هو الفكر والعقيدة، والإبقاء على تلك المعابد والأصنام مثلما تم الإبقاء على الكعبة على سبيل المثال.
خاصة وان العرب قد عرفوا تلك الاحتفالات ومارسوها كغيرهم من الشعوب ، على الرغم من اختلاف تسميات الآلهة في الثقافات الأخرى ، لكن رمزها الدلالي الإلهي يبقى متشابها، فإننا نجد "بعل البابلي الملقب بالسيد عند الكنعانيين ، و"هبل" القرشي القديم، و"أيل" الليصقي او "كرولوموس" ، و "يعلو" المعروف في سيناء و "رع" المصري القديم ، و" ييل" عند الآرامين، تؤكد هذا التقارب في الرمز ، فكل هذه أسماء لرب الأرباب او "سيد الآلهة" ، "أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين" صدق الله العظيم" ، وأيضا التشابه في الطقوس والاحتفالات والأعياد ، وطقس تقديم القرابين ، وتنصيب الملوك.
مع مجيء الدعوة الإسلامية وتهديم المعابد والأصنام، تهدم معها دور المعبد [القديم] في الحياة العربية، وهذا قوض فكرة التسلسل الطبيعي، الذي من المفترض أن تمر به الطقوس المعبدية، مثلما تطور عند الإغريق، ليتحول إلى الشكل المسرحي الذي وصلنا عن طريق التراجيديات ، التي نظر إليها أرسطو ، ووضع قواعدها وأصولها وسماتها في كتاب فن الشعر. بمقابل الإرث الأسطوري العربي القديم الغزير بتفاصيله ما يجعله حاملا لدراما عربية خالصة ، او تراجيديا عربية، مثلما حملت الطقوس اليونانية وجود الأدب المسرحي في اليونان، ولكنها ربما التي لم يجر توثيقها أو إيصالها إلينا بسبب ما تحدثت المصادرعنه في الإشارات السابقة.
الدعوة الإسلامية هدمت كل ما يمت للحياة الوثنية بصلة، "والانقطاع هنا حاسم ولا تردد فيه، فكل ماهو طقس وثني انتهت آثاره ودرست مبانيه، وامحت معالمه ، وهو إذا افلت في بعض النقوش والبرديات القديمة في حالات نادرة، فإنه لا يعطينا صورة واضحة لمراحل التطور او الاشتغال من العرض المعبدي الخالص إلى العرض المسرحي العام، وحتى هذا لم يتم إلا لبعض إشارات في متبقيات العبادات السومريه والفينيقية والمصرية القديمة".
هل حرَّم الاسلام الفن؟
فند الباحث التونسي محمد عزيزة، كل الطروحات التي مفادها إن الإسلام قد حرَم الفن ، ويجد ان التمجيد الذي يصل حد العبادة هو من أوصل هذا المفهوم، كذلك عدم تلاؤم [بعض معالجات] الفن بشكل عام والمسرح بشكل خاص مع طبيعة الشريعة الإسلامية ، والأحكام المنصوص عليها ، هي التي أدت إلى عدم الارتباط بالمسرح أو القبول به، فالعقلية الإسلامية رفضت فكرة [موضوع] الصراع وحرية التفكير، بالشكل الذي كان عليه في المسرح الإغريقي، لان حرية التفكير وأداة المسرح الرئيسة ممثلة بالصراع ، هي التي قادت لولادة المسرح الإغريقي وتطوره، وبعكسه لكان توقف حاله حال مسرح (النو) الياباني، الذي جُمد في نشيد عاطفي واحد ، فلو لم تفلت عواطف ميديا وبرومثيوس واورست هادرة صارخة لشكا هؤلاء الأبطال التراجيديون الشهيرون من الشلل اليائس الذي أصاب زميليهم اليابانيين كاناني وزياجي اللذين جمدتهما تقاليد سادت في المجتمع الياباني برجعيتها ووبالروح المحافظ الذي سيطرت عليه قواعد ثلاثة مقدسة:
- الهوكو : الاحترام من دون قيد او شرط للاشياء العامة.
- اليتمان: الشرف.
البونغن: العرش.
أما حرية التعبير في شكل الصراع فلم نجدها في العقلية الإسلامية وممارساتها الحية إذ يمكننا النظر في النص الديني المقدس إلى عديد من الشواهد لهذا الصراع ولكنها التي جابهت حظرا في التحول إلى ممارسة تعبيرية جمالية بسبب من الإسقاطات القدسية على أشكال الأداء خارج المسموح من رعاة النص الديني وليس من النص نفسه. لهذا لم يعرف الوضع العام في ظل الإسلام الدراما، لأنه لا يمكن للإنسان المسلم أن يضع حريته الشخصية في صراع مع إرادة الله بالصيغة الوثنية المعهودة سومريا فرعونيا إغريقيا، لان الله [في الديانات التوحيدية] هو القادر على كل شيء، فهو المسير والمخلص وهو الأول والآخر، فلا يمكن للعقلية الإسلامية ان تتخذ موقفا مضادا لتلك الإرادة الإلهية، ويذكر بقوله تعالى (ولا يبقى إلا وجه ربك ذو الإجلال والإكرام) سورة الرحمن: 27، هنا أطبق [فهم] الإرادة السماوية، على كل تفكير يمكن تفسيره متعارضا مع قدرة الله عز وجل، وبما إن الإسلام هو خاتم الأديان، فانه نظم كل الأمور الحياتية والدنيوية، إن كانت للإفراد او للمجموعة، وكل من يخرج عن ذلك النظام فإنه يموت كافرا ملحداً خارجا على إرادة الله. على أن نتذكر دائما أن من يقرر هذا هو مسلم وصي على المسلمين في سلطته وفي قراءة النص الديني المقدس...
لابد هنا من إلقاء نظرة على الصراع الذي نتحدث عنه كما متعارف عليه في التراجيديا الإغريقية، فهذا الصراع ينقسم على أنواعه الأربعة وهي:
الصراع العمودي: حيث تواجه الحرية البشرية الإرادة الإلهية، برومثيوس مقيدا بأغلال، كيف وقف بوجه الإرادة الإلهية وسرق النار ليجلبها إلى الأرض.
الصراع الأفقي: حيث يواجه الفرد قوانين المجتمع والكيان الاجتماعي، الذي يجب أن يخضع له الجميع، انتيكونا مثالا ، حين رفضت الانصياع لقانون كريون ودفن شقيقها(بولينيسز) .
الصراع الديناميكي: تقف العفوية البشرية بوجه الذي لا مفر منه، القدر، التاريخ المقدر، والمعاش دراميا، الاورستيا لأسخيلوس مثالا.
الصراع الداخلي: التناقضات الداخلية، داخل النفس البشرية، هذه التناقضات التي نجدها تتجسد في شخصية اوديب، الذي كان زوجا لأمه وأبا لإخوته، صراعه الداخلي قاده للعيش في الجبال.
عندما يغيب الصراع ، تغيب الدراما، لذا لا يمكن للعقلية الإسلامية التي آمنت بالله الواحد الأحد والذي لا شريك له، فهو المخلص من كل الأدران ومسير كل الأمور، وهذا مترسخ بالعقلية الإسلامية، صعب على هكذا عقل ان يقف موقفا محتدم الصراع مع تلك القوى ، او الملائكة، والصحابة، بوصفها قضية محسومة ربانيا في العقلية الإسلامية، هذه العقلية لم تستسغ فكرة الصراع ، فقاد هذا للتخلي عن فكرة المسرح ، وبروز الشعر وبزوغه، لسهولة تداوله الشفاهي، وأيضا كملاذ بعدم ارتكاب المعصيات والوقوف بوجه الإرادة الإلهية، ومن الاسباب الاخرى ، زهد المسلمين بفن التمثيل كما يذكر محمد كرد علي ( لأنهم امة لم تنقل عن غيرها إلا ما مست حاجتها وانطبق مع عاداتها وليس العرب أمة خيال بل أمة حس وحقيقة).
على الرغم من تأكيد عزيزة على ان العرب قد عرفوا الصراع عندما دخل المستعمر للمنطقة العربية، وهبت الشعوب العربية لمقاومته، وكان هذا في القرن التاسع عشر، وهذا التاريخ هو البداية الحقيقية للمسرح العربي، بينما الباحثة الروسية تمارا الكساندروفنا قد فندت ذلك بوصف المنطقة العربية عرفت كثيرا من الصراعات قبل دخول المستعمر إليها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

بالصور| تظاهرات حاشدة أمام وزارة التخطيط للمطالبة بتعديل سلم الرواتب

805 قتلى وجرحى بأعمال شغب مستمرة في بنغلاديش

مجلس النواب يعقد جلسته برئاسة المندلاوي

خبراء يحذرون: أغطية الوسائد "أقذر من المرحاض" في الصيف

القبض على 7 تجار مخدرات في بغداد وبابل  

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته
مسرح

مسرحية رائحة حرب.. كايوسية التضاد بين الحرب ورائحته

فاتن حسين ناجي بين المسرح الوطني العراقي ومهرجان الهيئة العربية للمسرح في تونس ومسرح القاهرة التجريبي يجوب معاً مثال غازي مؤلفاً وعماد محمد مخرجاً ليقدموا صورة للحروب وماتضمره من تضادات وكايوسية تخلق أنساق الفوضوية...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram